خرج رئيس الوفد المفاوض خليل الحيّة وشكر الوسطاء على دورهم في وقف الحرب الإسرائيلية وخص القاهرة التي احتضنت طرفي الصراع على مدار عامين كاملين، ولعلها أقنعت حماس بضرورة الموافقة على خطة ترامب للسلام، مما دفع الأخيرة إلى توجيه الشكر للرئيس الأمريكي على هذا الدور. مصر ترى بأنّ هذه الخطة هي الأفضل لوقف الحرب الإسرائيلية، وأنها مخرج حقيقي لنكبة الشعب الفلسطيني الأخيرة، وطالبت حماس بضرورة التعامل معها بمسئوليّة وهي ما فعلته، ولعل الحيّة أشار إلى ذلك في كلمته بعد موافقة الحركة على الخطة. ورغم احتضان القاهرة لعشرات اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية وتحديدًا الحمساوية الإسرائيلية على مدار عامين كاملين من الحرب، وإصرارها على وقف الحرب من خلال اتفاق واضح ودائم لإطلاق النّار، وبالتأكيد نجاحها في هذه المحاولات، إلا أنّ الإخوان المسلمين حاولوا تشويهها! تشوية الإخوان المسلمين للنظام المصري منذ اللحظة الأولى للحرب؛ وهنا يبدو اختلال بصلتهم؛ فالقاهرة كانت تسعى لإنهاء الحرب وتقليل حجم الخسائر التي نتجت عنها؛ هذه التشوية وصل لحد التظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب من قبل فرع الجماعة هناك، والتي سمحت إسرائيل له بالعمل السياسي والدعوي. تظاهر الإخوان المسلمين أمام السفارة المصرية في تل أبيب كانت بموافقة من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووافقوا على شروطة بعدم انتقاد إسرائيل في المظاهرة أو الهتاف ضدها، كما طالبهم أيضًا برفع الأعلام الإسرائيلية، سبق هذه المظاهرة اعتداءات من قبل الجماعة وتابعيهم علىى مقر البعثات الدبلوماسية ومقر إقامة السفراء المصريين في الخارج. ومن هنا انطلقت الدعاية الكاذبة من الإخوان المسلمين ضد النظام السياسي في مصر بدعوى أنه يغلق معبر رفح، رغم أنّ المعبر مغلق من الجانب الفلسطيني الذي تحتله إسرائيل، ولم نسمع انتقادٌ منهم لإسرائيل، بما يشي أنّ أزمة الإخوان ليست مع إسرائيل ولكنها مع النظام المصري، وأنّ الهدف ليست فلسطين ولكن مصر. كانت أولويات الإخوان واضحة استغلال أحداث الحرب الإسرائيلية لتحقيق هدف سياسي يرتبط بإسقاط النظام السياسي في مصر وليس نصرة القضية الفلسطينية، وهنا تبدو فلسطين في مخيال التنظيم مجرد أداة أو شعار يتم الهتاف به، وهو تحول مهم لابد من دراسته وقراءة تأثيراته. كل ما حدث في السابق يمكن تجاوزه، رغم فهم مغزاة ودلالته، لكن ما لا يمكن فهمه، هو استمرار هذا الإنتقاد والتشوية للنظام السياسي في مصر رغم الدور المحوري الذي قام به من أجل إيقاف أصوات المدافع الإسرائيلية وأزيز الطائرات التي لم تنقطع عن سماء غزة طوال أكثر من 730 يومًا. موقف الإخوان المسلمين مفهوم وإنّ كان غير متفهم؛ فهم يريدون أنّ يمارسوا عقيدتهم الثأرية ضد النظام السياسي ومؤسسات الدولة وكل المصريين الذي شاركوا في إزالة حكمهم قبل أكثر من إثني عشر عامًا، ولكنهم في نفس السياق قاموا بتوظيف القضية الفلسطينية لخدمة مصالح تنظيمية ضيقة أضرت بالقضية التي طالما تغنوا به. الإخوان في هذا السلوك إما أنهم يُتاجرون بالقضية الفلسطينية وهم قد فعلوا ذلك، أو أنّ كرههم للدولة المصرية بكافة مؤسساتهم دفعهم لمثل هذا السلوك، وهم قد فعلوا ذلك أيضًا، وهنا يمكن القول، إنّ الإخوان المسلمين غير متزنين سواء من الناحية النفسية أو السياسية، فقد باتوا أخطر على الوطن الآن من أي وقت مضى. ولا نبالغ إذا قلنا أنّ خطر هذا التنظيم يتعدى فكرة الوطن، مصر، إلى خطورتهم على أمن الأوطان، المنطقة العربية، بل وعلى فلسطين نفسها، ولذلك سوف يظل هذا الورم الخبيث يُهدد ويتوعد حتى إزالته تمامًا فيتعافى الجسد العربي. مصر لم تكن شريكًا نزيهًا في القضية الفلسطينية فحسب، وإنّ كانت كذلك، فتحركاتها لإنهاء الحرب كانت عين النزاهة التي لا تُخطأها عين صحيحة، ولكنها كانت طرفًا مشاركًا وهذا ما لا تخطاءة إلا عين عليلة، وهنا لم تهتم بقضية فلسطين بقدر اهتمامها بتشوية وإسقاط النظام في مصر، وظفت فسلطين لأغراض ترتبط بأهداف التنظيم الضيقة. وهنا صمتت قيادات الإخوان المتناحرة في اسطنبول عن إصدار بيان يتضمن أمال وطموحات الشعب الفلسطيني بعد انتهاء الحرب، رغم إسهال بيانات التنظيم في كل مناسبة وغير مناسبة، حتى لا يتعرضون للموقف المصري، وهنا أطلقوا منصاتهم الإعلامية لتشوية مصر التي وقفت بجوار القضية الفلسطينية وتحملت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. مصر رفضت تهجير الفلسطينين، وأعلنت لاءاتها الثلاث، لن نشارك ولن نوافق ولن نسمح بتهجير الفلسطينين، وغيرها من المواقف السياسية وهو ما كلفها الكثير، فعلت ذلك إيمانَا منها بهذا الدور واستكمالًا لدورها التاريخي السابق للقضية الفلسطينية. ورغم ذلك مازالت حملات الإخوان المسلمين على الدولة المصرية ومؤسساتها، التنظيم لم يشغل باله بإدانة إسرائيل وإظهار جرائمها ولكنه كان مشغولًا بالدولة المصرية التي كانت سندًا حقيقًيا للشعب الفلسطيني، ولكن التطاول فعل الصغار وسلوك الإنتهازيين والمتطرفين في كل زمان ومكان.