لعلة شخصية الدكتور جمال جبريل الفقية الدستوري وعضو مجلس الشوري هي الأكثر إلماما بالكواليس القانونية والسياسية المصرية بحكم انغماسه الشديد في العمل السياسي والقانون فقد كان من أكثر أعضاء الجمعية التأسيسية نشاط. حيث أعمال اللجنة التأسيسية للدستور التي شارك فيها وانتشار دائم في الإعلام للشرح والتوضيح والرد العلمي والدستوري والقانوني رغم الحرب الدعائية الشرسة, تحدثنا مع الدكتور جبريل عن عقدة الانتخابات البرلمانية بين الدستور ومجلس الشوري والقضاء الإداري وكيفية الخروج من هذا المأزق السياسي والقانون كما تحدث عن العلاقة مع القضاء واجاب عن الطريقه الأفضل لدفع المصالحة الوطنية. ما الذي اوصل قانون الحقوق السياسية والانتخابات البرلمانية الي المأزق الراهن الجميع مسئول بدءا من المشروع مرورا بالقضاة واخيرا رجال السياسة ولنبدأ أولا بالمشرع وأقول ان الدعوة للانتخابات من اعمال السيادة والقضاء الاداري خالف القانون المستقر ورفض الفقيه الدستوري تعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية وقال ان الأفضل هو اصادر اخر.. مؤكدا ان المأزق الحالي مسئول عنه الجميع من مشرع وقاض ورجال السياسة. الدكتور جمال جبريل قامة فقهية جمعت بين القانون الدستوري والعمل السياسي وخلال اعمال الجمعية التأسيسية التي اعدت دستور مصر بعد الثورة فان جبريل الاكثر دأبا ونشاطا في شرح وتوضيح المقاصد الدستورية والقانونية لبنود الدستور قبل اقرارها رغم الحرب الدعائية الشرسة التي واجهت الجمعية وها هي البلاد تعود من جديد الي الجدل الذي لا يبدو انه سينتهي حول قانون ممارسة الحقوق السياسية والانتخابات. مجلس الشوري كان يعلم عوار بنود الدوائر الانتخابية في القانون وكان يعلم انها معيبة دستوريا قبل ارسالها إلي المحكمة الدستورية لانه طبقا لنص المادة213 من الدستور لابد أن يكون التمثيل في مجلس الشعب عادلا بالنسبة للسكان والمحافظات بينما تقسيم الدوائر في انتخابات2011 وفقا لقانون ممارسة الحقوق السياسية لم يكن فيه هذا التقسيم عادلا بالنسبة للسكان والمحافظات ولذلك كان القانون مخالفا للنص الدستوري وجاء سبب الإستعجال في هذا النص لفكر البعض ان الشرعية الدستورية للمواعيد أهم من النص حتي كان الضروري عدم مرور فترة ال60 يوما علي دعوة الرئيس للانتخابات وفقا لنص الدستور. كان هناك أيضا تزايد في صياغة المادة الخاصة بالتجنيد لانه من المعروف أن من أدي التجنيد ومن أعفي يحق له الترشح ومن كان معه شهادة استثناء كان يترشح بدون مشكلة طالما لم يدان في جناية أو جنحة مخلة بالشرف ولكن تم أدخال كلمة من استثني فالمحكمة الدستورية قالت من استثني لاعتبارات أمن الدولة والمصحلة العامة ليس من حقه الترشح وفي الحقيقة هذا تزايد من المحكمة الدستورية حيث ان نص المادة55 لا يقول هذا علي الإطلاق...... هل تم وضع كلمة من استثني خوفا ان يتم تنحية عدد كبير من نواب الإخوان في الانتخابات القادمة؟ نسبة كبيرة جدا من الجماعة الإسلامية والتيار السلفي هم من كانوا يستثنوا من التجنيد بينما المفاجأة التي اندهشت لها أن الاخوان كلهم ادوا الخدمة العسكرية ولم يستثنوا فقط إلا نسبة قليلة جدا منهم من كانوا بالصدفة في المعتقلات وقت تأدية الخدمة العسكرية لكن القاعدة كانت للتيار السلفي والجماعة الإسلامية. ولكن هناك وجهة نظر تري أن من كان يمثل تهديدا علي أمن الدولة لدرجة منعه من التجنيد لا يمكن له ان يكون اليوم عضوا في مجلس الشعب الذي يحدد قبلة الوطن بأكمله؟ نحن في مجلس الشوري عدلنا كل النصوص التي طلبتها المحكمة الدستورية ماعدا موضوع التجنيد لأسباب وجيهة جدا أولاها ان النظام السابق كان يعتقل كل من يطلق لحيته ويصلي في الجامع ومن ثم يعتبره خطرا علي أمن الدولة لذلك قلنا إن من يستثني لاعتبارات المصلحة العامة وأمن الدولة لابد أن يكون ثابتا ضده ذلك بحكم قضائي في جريمة محددة حتي يتم منعه من الترشح, ايضا اطلعنا علي قرار وزير الدفاع الذي يحدد الفئات المستثناة من التجنيد وجدنا أن الشواذ جنسيا لابد أن يكون صادرا ضدهم حكم قضائي بذلك رغم انه امر يمكن إثباته طبيا وكذلك القواد لابد من حكم قضائي, ولكن عند تهديد أمن الدولة لم يذكر سيرة الحكم القضائي لاعتبارات الاعتقال التي كان ينفذها النظام السابق, وليس من المنطق ان يمنع مواطن من ممارسة حقه السياسي بناء علي تقرير مخبر سري! وهل يمكن إعادة النظر في تعديل بعض هذه المواد من جديد؟ لست مع التعديل لأنه خطر فالمحكمة الإدارية احالت القانون إلي المحكمة الدستورية رغم انه وفق للمادة177 لا تراقب المحكمة رقابة لاحقة ولكن إذا صدر القانون واصدرت المحكمة حكما بعدم دستورية بعض نصوصه سنكون في مأزق, مع إصدار قانون جديد لممارسة الحقوق السياسية وعرضه في رقابة سابقة من جديد علي المحكمة الدستورية. هل الدستور الجديد وضع في مأزق اكبر من السابق فيما يتعلق برقابة المحكمة الدستورية علي القوانين؟ هناك اربع قوانين فقط قصرهم الدستور علي الرقابة السابقة عليهم وهم قانون انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب والشوري والمحليات لانها تتعلق بالإرادة الشعبية وفي العالم كله غير مقبول ان يتم حل مؤسسة جاءت بالإرادة الشعبية بحكم قضائي لان الشعب هو مصدر السلطات بما فيه السلطة القضائية ولكن الموضوع تحول إلي عافية. هل من الممكن تطبيق العزل السياسي في ظل تفسير المحكمة الدستورية؟ وفق تفسير المحكمة الدستورية اصبح العزل قاصرا علي13 شخصية من قيادات الحزب الوطني كانوا ببرلماني2005 2010 وذلك يعود إلي تغير رجال كمال الشاذلي برجال أحمد عز, وبذلك فإن فكرة العزل السياسي فشلت إلي حد كبير. ألا ترون أن التسيس غلب علي القانون؟ سبب الأزمة هي حل المحكمة الدستورية لمجلس الشعب والتي اهدرت بذلك الإرادة الشعبية بزعم المصلحة الدستورية وهي لا علاقة لها بذلك, ثم في رقابتها السابقة هناك امر هام المحكمة عزلت فصيل يمارس السياسة حاليا وسمحت لفصيل ثار الشعب ضده وكان يقصد عزله وهم رجال الحزب الوطني بممارسة السياسة من جديد وبطريقة واضحة وهذا لا علاقة له بالدستور. وكيف تقيم حكم القضاء الإداري بتأجيل الانتخابات البرلمانية؟ محكمة القضاء الإداري ايضا في حكمها بتأجيل الانتخابات البرلمانية والذي أؤيده من الناحية السياسية وأتصور انه في مصلحة مصر لكنه في الحقيقة ليس له أي علاقة بالقانون ولا بالدستور, لانه في دعوة رئيس الجمهورية تحديا لانتخابات مجلس الشعب صدر حكم في بداية التسعينيات يقول نصا ان قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين علي القمة من أعمال السيادة واعمال السيادة وفقا لنص المادة11 من قانون مجلس الدولة يمتنع المجلس عن التعرض للأعمال السيادية نهائيا وهذه مخالفة واضحة, وهناك حجة أخري بان المادة41 من الدستور تنص علي أن رئيس الجمهورية يمارس دعوة الناخبين وفي إصدار القوانين من خلال رئيس مجلس الوزراء لذلك يجب وقف الانتخابات ولكن أولا قاضي محكمة القضاء الإداري هو قاضي مشروعية وليس قاضيا دستوريا ثانيا في يناير2013 أصدرت الجمعية العمومية لمجلس الدولة فتوي متعلقة بنص اخر في الدستور وهو حظر ندب القضاة وقالوا أنه لسريان هذا النص لابد من صدور قانون جديد واستندوا إلي نص دستوري اخر يؤكد سريان القوانين الحالية لحين تعديلها. إذن نحن امام تضارب واضح بين تطبيق الدستور بدون قانون في حالة انتخابات مجلس الشعب ووقف تطبيق الدستور لحين صدور القانون في حالة ندب القضاة. القاضي مواطن يتأثر بالظروف السياسية وعموما تأثر المحاكم بالظروف السياسية في مراحل التحول الكبيرة والثورات يحدث في كل الدنيا وحدث في فرنسا ذاتها لذلك يجب ألا نقسوا علي القضاة. لكن القضاة يشعروا أن هناك تعديا صارخا علي سلطتهم القضائية وتدخل فيها؟ هذا كلام استباقي والمعركة في الحقيقة من جانب واحد والقضاة كانوا يساندون الإخوان قبل الثورة وكان النظام السابق يرسلهم للقضاء العسكري, ولا أري أي سبب لتعدي الإخوان كما لا أري أي مظاهر لهذا التعدي ماذا فعلوا الاخوان.