يعد الدكتور شمران العجلي رئيس مجلس أمناء بيت الحكمة العراقي واحدا من الرموزالفكرية المهمة في بلاده وهو كثير الزيارات للقاهرة التي يعتبرها معينا ثقافيا وحضاريا له ولبيت الحكمة. وخلال زيارته الأخيرة لها حاورته الأهرام حول رؤيته لوقائع ما يجري في مصر الآن ومالفت انتباهي في إجاباته هو أنه قارئ بعمق لهذه الوقائع ويمتلك رؤية إزاءها وهو يرفض أن يتدخل أحد في الأقليم العربي في شئون مصر لكنه يري أنه بالإمكان المساهمة بتقديم تصورات للخروج من أزمتها السياسية واحتدام الصراع بين نخبها وقواها الوطنية. هنا حصيلة الحوار بداية كيف تقرأ تجليات المشهد السياسي المصري في الآونة الأخيرة الذي ينطوي علي حالة انقسام واستقطاب حاد في بعض الأحيان وهل يشكل مصدرا للقلق لدي العرب أو لدي الاقليم في رأيك ؟ { بالتأكيد فإن مصر لها ثقلها السياسي والاستراتيجي والحضاري والروحي بالنسبة للعرب الذين يتأثرون بكل ما يقع في مصر سواء أكان إيجابا أو سلبا هذا أولا, أما ثانيا فإننا في العراق شعبا ونخبا حاكمة نتمني لمصر الاستقرار والسلام والرفاهية والانسجام والتآلف بين قواها السياسية ومختلف ألوان الطيف فيها وذلك ناتج عن تجربتنا المريرة من حيث التفرقة والتصارع والانقسامات وبالتالي لا نرغب في أن تتعرض مصر لمثل هذه التجربة. وثالثا لايعني فوز القوي الإسلامية أن يتم الإسراع بتطبيق الشريعة الاسلامية خاصة في مجتمع ظل لعدة عقود خاضعا لنظم تتسم بالعلمانية مما يجعل المجتمع غير متقبل أو متفهم لها أو بالأحري غير مهيأ نفسيا أو عقائديا أو اجتماعيا للتعاطي معها وفي حالة السعي الي تطبيقها بشكل سريع فإن ذلك سيحدث نوعا من تنفير الناس تجاه المشروع الاسلامي. بصراحة ألم يقلقكم وصول رئيس لمصر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين فضلا عن توقع فوز التيار الاسلامي بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية خلال شهر أبريل المقبل؟ { في رأيي ليس من شأن أحد في المنطقة أن يتدخل في الشئون الداخلية لمصر التي من حق شعبها أن يختار رئيسه وممثليه في البرلمان وعلي الجميع أن يقبل بهذا الاختيار فقد عرف الشعب طريقه وفقا لأغنية شهيرة للراحل الفنان محمد عبد الوهاب وفي تقديري فإنه ليس ثمة خوف أو خطورة من جماعة' الإخوان المسلمون' لكن ثمة دوائر في المنطقة أعلنت المجابهة مع الإخوان في مصر بل وبعضها اتخذ إجراءات ضدها فكيف تفسر ذلك ؟ { ليس لدي تفسير واضح لذلك ربما ثمة خلفيات فقد تكون هذه الأطراف قد عثرت علي ما اعتبرته مهددا لاستقرارها الداخلي وبالتالي فإنه من حقها أن تتخذ من الاجراءات التي تحمي أمنها ولكن ليس من حقها في المقابل أن تدفع بعلاقاتها مع الدولة المصرية للتوتر بسبب وصول الإسلاميين للحكم فيها وأنا علي قناعة قوية بأن جميع الدول العربية تحترم مصر وتتطلع لأن يكون لها دور فاعل وتستعيد حيويتها الاقليمية أيا كانت طبيعة النظام الحاكم فيها وحدث ذلك بالفعل في زمن عبد الناصر والسادات ومبارك بل وحتي في أيام الملك فاروق الذي احتضنت القاهرة في عهده أول قمة عربية. النقد الرئيسي الموجه للجماعة هوحرصها علي احتكار السلطة وفرض الهيمنة علي مفاصل الدولة المصرية علي نحو بات يخيف غالبية القوي السياسية المدنية والليبرالية ؟ { لايمكن فرض المشروع الاسلامي بالقوة مهما كانت حجته وفي الوقت نفسه فإنه ليس ثمة مبرر لخوف غير الاسلاميين من وصول الاسلاميين للسلطة فهم أي الاسلاميون بطبيعتهم مسالمون ولكن قد يكون مبعث هذاالخوف إيحاءات من خارج الحدود. بعد عامين من ثورات الربيع العربي هل تعتقد أنها نجحت أم أخفقت في تحقيق أهدافها؟ { لم ألحظ ذلك ففي مصر وجدت الأمن خلال تحركاتي في الشارع وتنقلي بين مناطق القاهرة المختلفة لم ألمس ما يبعث علي القلق وإن كانت هناك إشارات علي ما ذكرته في سؤالك وعلي أي حال لدي قناعة قوية بأن المحافظة علي الثورة مهمة أشد صعوبة من القيام بها والآن تمر دول الربيع العربي بمرحلة الحفاظ علي الثورة وهو ما يتطلب متسعا من الوقت وصبرا ومثابرة بما يقود الي تعميق التحولات الديمقراطية المطلوبة وبناء أسس العدالة الاجتماعية وكل ذلك يحتاج الي سنوات وسنوات وليس أشهرا. هل يمر العراق حاليا بما يمكن وصفه بربيع عراقي في ظل ما يحدث في محافظات الغرب ومناطق أخري من احتجاج علي سلطة رئيس الوزراء نوري المالكي؟ { العراق مر بربيعه الخاص في مارس عام1991 عندما ثار الشمال والجنوب ضد سلطة صدام حسين ولكن الإعلام العربي والغربي عتم علي هذا الربيع ثم أطلقت الولاياتالمتحدة العنان لصدام ليقتل ويصفي ويقصف ما يشاء مما أدي الي إجهاض هذا الربيع ولكنه ظل قائما سرا حتي قيض الله الفرج للعراقيين في2003 وهو ما أتاح لهم بدء تجربة سياسية جديدة تقوم علي الانتخابات ووضع الدستور الدائم وتشكيل مجلس نواب منتخب لعدة دورات كما انتخب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عدة مرات بل في بول بريمر كان يتم انتخاب رئيس للبلاد مرة كل شهر وهو ما يعكس أن العراق بدأ يتقبل الوضعية الجديدة مما راكم الخبرات ووسع من دائرة الحرية والديمقراطية علي نحو غير مسبوق وهو ما يعد في رأيي أكثر من ربيع ولا أظن أن الشعب العراقي ليس في حاجة الي ربيع جديد فرئيس الوزراء نوري المالكي الذي يحتج البعض علي سياساته جاء عبرصناديق الاقتراع وفي انتخابات شفافة ونزيهة ولم يأت عبر البندقية أو علي ظهر دبابة وإذا كان ثمة تعثر في تطبيق محددات العملية السياسية فإن ذلك يعود الي بعض الاخطاء الناتجة عن أمور كثيرة في مقدمتها أن بعض ا لوزراء والمحافظين لاينفذون خططهم. هل أحداث العراق تعكس نوعا من الصراع الطائفي والمذهبي فثمة من يري أن أهل السنة ربما شعروا بأنهم ظلموا في ظل حكم يهيمن عليه الشيعة منذ اسقاط نظام صدام حسين ؟ { ما هي طبيعة هذا الظلم الذي يقع علي الشعب العراقي؟ ليس هناك سواء من السنة أو الشيعة معزولين عن هذا الشعب بحيث يقال إن الحكم موجه لخدمة هذا الطرف أوذاك إن البرلمان والحكومة والحكومات المحلية مكونة من كل فئات المجتمع العراقي سنة وشيعة وأكراد وتركمان ومسييحين ويهود وغيرهم, إذن ليس قمة صراع طائفي أو مذهبي في العراق بقدر ما هو صراع سياسي ربما تسهم في تأجيجه عوامل من خارج الحدود ودعني أشير الي أن المناطق التي تشهد الاحتجاجات والتظاهرات الحالية كانت هي الأكثر استفادة من نظام صدام حسين فأغلبية الوزراء والمحافظين وكبار قادةالجيش وقيادات حزب البعث كانت تنتمي اليها وبعد سقوط هذا النظام سقطت معه كل المنافع والمزايا التي كانوا يحصلون عليها وأظن أن هذه الاحتجاجات تعكس نوعا من الحنين الي الماضي وهو ما لن يعود أبدا.