منذ ان حصد فيلم آرجو جوائز الأوسكار لهذا العام, لم يتوقف عدد من المحللين والنقاد عن فتح الملف المسكوت عنه منذ عقود عن مدي تدخل وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية ال سي اي ايه في عمل قلعة صناعة الترفيه في العالم, هوليوود تلك العلاقة التي يري بعض المحللين انها قد اصبحت واضحة بشكل يدعو للخجل خلال السنوات الخمسة عشر الماضية, بعد ان قررت الوكالة الاستخباراتية العتيدة بكل فخر ان تكشف النقاب عن وجهها الغامض, وان تقترح اوجها جديدة معلنة عن تدخلها في صناعة الفيلم الأمريكي, الذي من المفترض انه صناعة مستقلة في دولة ديمقراطية, ودون ان يدرك دافع الضرائب الامريكي انه يمول بشكل ما هيمنة الوكالة السرية علي صناعة الترفيه التي تقدم له, بل ان مشاركة سيدة الولاياتالمتحدة الاولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار هذا العام, بدا وكأنه شكر شبه علني من البيت الابيض للدور الذي تلعبه هوليوود في الترويج للسياسة الخارجية الامريكية من خلال افلام لم تكن سوي دعاية مباشرة لاجهزة التجسس الامريكية, في تجاهل واضح او انكار للكثير من الحقائق التي لم تعد تخفي علي الجمهور الكوني. الواقع انه منذ اللحظة الاولي في صناعة السينما الامريكية, لم يكن دور وزارة الدفاع خافيا في صناعة الافلام, فهي قد قدمت لهم بجانب المشورة, المساهمات الفنية من الاسلحة ومواقع التصوير والازياء, وقد بدا هذا منطقيا في فترات الحروب باعتباره واجبا وطنيا من كلا المؤسستين العسكرية والسينمائية, لكن شكل التعاون بين هوليوود والسي اي ايه ظل غامضا, حتي عام1996 تقريبا, عندما اعلنت الوكالة اخيرا ومع أقل قدر من الخجل عن كونها قد انشأت مكتب للتنسيق بين الوكالة وعالم الترفيه, مهمته تقديم خبرة المستشارين من عملاء الوكالة لصناع السينما, كان رئيس المكتب تشيس براندون, والذي كان قد عمل طوال25 عاما في شعبة نخبوية في الوكالة هي الخدمات السرية لم يكن هناك علاقة بين الرجل وهوليوود سوي كونه ابن عم النجم الامريكي تومي لي جونز, اي انه لم يكن رجل علاقات عامة منذ ان انشأ هذا المكتب اصبح العلاقة الغامضة, التي تم الحفاظ علي جذورها الخفية علي مدي عقود, علاقة شبه علنية, فيما عبر عنه عميل الوكالة السابق بوب باير, الذي وضع الرواية التي تحولت فيما بعد الي فيلم سريانا بطولة جورج كلوني), بقوله: كل من يعمل في استديوهات هوليوود يذهبون الي واشنطن عادة ويحرصون علي اقامة علاقات مع اعضاء مجلس الشيوخ ومدراء السي اي ايه, ثم في النهاية يتفق الجميع علي صيغة العمل. كان لويجي لوراسشي, رئيس ادارة الرقابة الاجنبية والمحلية علي الافلام الامريكية في الخمسينيات, قد نشر مؤخرا, انه كان يعمل ايضا لصالح الوكالة, وكان يرسل تقاريره عن الرقابة علي الافلام لتعزيز صورة الولاياتالمتحدة في الخارج اثناء الحرب الباردة, وكشف ايضا كيف انه كان يقنع صناع السينما في ذلك الوقت الذي كانت تنتهك فيه حقوق الزنوج بشكل لا يقبل الانكار, الي زرع لقطات ل زنوج حسني الهندام يتم معاملتهم بلطف, لمواجهة الدعاية السوفيتية التي كانت تركز علي التفرقة العنصرية في الولاياتالمتحدة, والتي كانت اقرب الي الحقيقة بخلاف صورة الزنوج في الأفلام الأمريكية. في الخمسينيات اشترت الوكالة حقوق رواية رائعة الاديب جورج اورويل مزرعة الحيوانات وفي عام1954 مولت انتاج نسخة رسوم متحركة للفيلم بعد ان كانت قد غيرت الكثير من روح النص الاصلي, فيما عبر عنه فيما بعد احد الكتاب بانه تخريب لاعمال اورويل. كانت تريشيا جنكيز, مؤلفة كتاب دور السي اي ايه في هوليوود قد اكدت في كتابها وبالوثائق, ان تدخل الوكالة في صناعة الافلام كان قد وصل لذروته خلال الحرب الباردة, حيث كان الهدف صياغة السياسة الخارجية الامريكية بشكل يستطيع كسب القلوب والعقول في الخارج, من خلال مركز ابحاث لمكافحة الايديولوجية الشيوعية تابع للوكالة الاستخباراتية مهمة التفاوض من اجل شراء حقوق نصوص الروايات وتحويلها الي افلام تخدم في الترويج للسياسة الامريكية, وتعزيز صورة الحياة الامريكية في العالم. وفقا لتيد جب, مؤلف كتاب الحياة والموت السري في وكالة الاستخبارات المركزية, فانه علي مدار عقود الحرب الباردة لم تهتم كثيرا الوكالة بتقديم ما يحسن صورتها في أفلام هوليوود بقدر ما كانت تهتم بتقديم ما يقدم صورة مثالية عن الحياة الامريكية, ولكن مع نهاية الحرب الباردة ادركت انها بحاجة الي اصلاح شامل لصورتها دوليا, لقد ادركت اخيرا ان التأييد الشعبي لميزانيتها اصبح يواجه خطرا كبيرا ولذا فانه بادرت بانشاء مكتب التنسيق بينها وبين هوليوود عام.1996 وتؤكد جينكيز انه منذ ذلك الوقت تم تقديم المزيد من الافلام التي تركز علي مدي اخلاقية المنظمة السرية التي نادرا ما تخطيء وتقديم المبررات لجميع عملياتها السرية غير الاخلاقية, في اطار صورة عامة كبيرة بأنه لا أمن للولايات المتحدة دون عمل جواسيس الوكالة, خلال تلك الفترة انتج تحت رعاية السي اي ايه مجموعة من المسلسلات التليفزيونية الشهيرة مثل, اليس و24 ساعة, التي اعطت انطباعا بان عملاء الوكالة هم كائنات خارقة فوق عادية وتوجت بفيلم آرجو هذا العام الذي جاء وفقا للعديد من المحللين دعاية لا يمكن انكارها لتجنيد عملاء جدد للوكالة ؟! لكن حدود التدخل في صناعة الافلام لم تكن دوما سلمية, فوفقا لتحقيق بثته محطة سي ان ان, اتهمت زوجة كاتب السيناريو غاري ديفور الوكالة بانها كانت وراء قتله في يونيو1997, علي خلفية اعداد لفيلم يتناول غزو الولاياتالمتحدة لبنما عام1989 والذي أدي إلي الاطاحة بالدكتاتور مانويل نورييغا, وفقا لرواية الزوجة فقد رفض ديفور تدخل الوكالة في البحث المطول الذي كان يعده لكتابة السيناريو والذي كشف فيه عن عمليات غسيل الاموال التي تورطت فيها الوكالة في بنوك بنما, ورفض ان يغير من نصه, ولم تمر ايام الا ووجد مقتولا في حادث سيارة غامض, لم يتم حله حتي الان, فهل تورطت الوكالة في عملية قتل جديدة, لا توجد اجابة واضحة, لكنه يطرح تساؤلات جدية عن مدي تدخل الوكالة السافر في صناعية الترفيه الأمريكي.