أوباما و نجاد : صراع الأقوياء في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات بين الولاياتالمتحدةوإيران من جديد، يبدو أن الفن السابع سيكون السلاح المستخدم والمتبادل في الحرب الباردة طويلة الأمد بينهما، لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية ولتمرير الرسائل والأجندات السياسية لكل منهما، خاصة بعد فشل العقوبات الاقتصادية والضغوط الدولية وحتي الدبلوماسية في إيصالها. فعقب عرض هوليوود لفيلم "أرجو" الذي يسرد عملية احتجاز الدبلوماسيين الرهائن عام 1979 مع اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية، قررت طهران الرد علي ما قدمه الأمريكيون بإنتاج عمل سينمائي لتصحيح صورتهم. والإدارة الأمريكية تسير علي حبل رفيع في سياستها إزاء نظام خامنئي، محاولة تفادي مواجهة عسكرية شاملة مع طهران أو الاعتراف بها كقوة نووية، لذلك تستحدث أدوات ضغط من أجل إجبار طهران التخلي عن المشروع النووي. لا يزال الجدل قائماً حول فيلم "أرجو" "Argo" الذي يتناول قصة عملية إنقاذ الدبلوماسيين الأمريكيين الستة من مسكن السفير الكندي في طهران في بداية الثمانينيات علي يد عميل وكالة الاستخبارات الأمريكي "CIA" توني مينديز، والذي لعب دوره النجم الأمريكي الشهير ومخرج العمل بن أفليك،. وقد احتدم هذا النقاش بعد أن حاز هذا الفيلم في حفل تسليم جوائز "جولدن جلوب" الأسبوع الماضي علي جائزة أفضل فيلم درامي وأفضل مخرج لأفليك، وهو مرشح لسبعة جوائز أوسكار إحداها جائزة أفضل تصوير. ووصفت السلطات الإيرانية الجوائز بأنها "احتفال سياسي"، فيما حظرت عرض الفيلم في البلاد، إلا إنه يتم تداول نسخ مقرصنة منه، وانتقد الإعلام الإيراني نجاحه. مما دفع طهران إلي إعلانها إنتاج فيلم لمواجهة مثل هذه الأعمال ومن ناحية أخري لتصحيح الصورة المشوهة التي تقدمها النسخة الأمريكية، والتي صورت الشخصية الإيرانية كشخصية محبة لسفك الدماء وغير جديرة بالثقة. ووفقاً لعطاء الله سلمنيان الذي سيتولي إخراج الفيلم الإيراني بأن الفيلم سيدور حول قصة 20 رهينة أمريكية، يقوم الثوار الإيرانيون بتحريرهم وتسليمهم للسفارة الأمريكية في بداية الثورة الإسلامية، مؤكداً أن هذا العمل سيكون رداً مناسباً علي الأفلام الأمريكية المزيفة مثل "أرجو"، وعن الأحداث المرتبطة باقتحام السفارة الأمريكية في طهران في نوفمبر 1979 واحتجاز الديبلوماسيين. وفي سياق متصل أبدي مارك ليجيك، الذي شغل في طهران أول منصب له في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1978 بوصفه معاصرا للأحداث، بعض الشكوك بشأن النسخة الإيرانية، مشيراً إلي أن الرواية ليست موضوعية، فالمخرج تكلم عن تحرير 20 أمريكياً، في حين أن آية الله الخميني قد سمح بالإفراج عن 13 امرأة فقط من بين أكثر من 400 شخص محتجز...وتساءل ليجيك عما يتكلم سلمنيان؟. وكان ليجيك قد درس مارك اللغة الفارسية لمدة 6 أشهر قبل أن يصل إلي إيران في صيف عام 1979ثم لحقت به زوجته كورا، والتي لم تكن تعمل في الخارجية الأمريكية، ولكنها أعطيت عقدا لأن السفارة الأمريكيةبطهران كانت في حاجة عاجلة إلي متحدثين باللغة الفارسية. ويروي ليجيك لشبكة الإذاعة البريطانية، أن الأوضاع في إيران كانت سيئة في أكتوبر عام 1978 فكانت هناك مظاهرات عنيفة في الشوارع، مطالبة برحيل شاه إيران، وبالفعل تنازل عن الحكم في يناير وغادر البلاد. وتذكر مارك تلك الأحداث مع المجموعة التي كانت ترافقه وقال إنه يعتقد أنه كانت هناك مساحة كافية من الإثارة، فمن يمكن أن يكون مجنونا بما يكفي لكي يحضر إلي طهران في وسط الثورة، غير مجموعة من العاملين في مجال صناعة الأفلام؟. ويأخذ فيلم "أرجو" المشاهدين من واشنطن وهوليوود إلي طهران في وقت أزمة الرهائن الإيرانية في الفترة بين عامي 1979 و1980. ففي 4 نوفمبر 1979 استولت مجموعة من المسلحين الإيرانيين علي السفارة الأمريكية، وأخذوا أكثر من 60 دبلوماسياً أمريكياً كرهينة لمدة 444 يوماً. وبينما كان المسلحون يستعدون لاقتحام السفارة، استغل 6 من موظفي السفارة الفرصة الجريئة للفرار من المبني، وهم مارك وزوجته كورا، وبوب أنديرز، ولي شاتز، وجو ستافورد وزوجته كاثي، ووجدوا في النهاية ملاذا آمنا لدي السفير الكندي كين تايلور الذي استضافهم سراً في منزله. والفيلم يدور حول هؤلاء وقصة خروج هؤلاء الأشخاص من طهران عبر مطار مهرآباد، وذلك بعد أن وضع جهاز المخابرات الأمريكية الخطة التي بموجبها تنكر فيها هؤلاء الأشخاص في صورة مواطنين كنديين يعملون في فيلم خيال علمي ليس له وجود في الواقع. وكان من المفترض أن يعيش هؤلاء الأشخاص الستة في فلوريدا بأسماء مستعارة حتي يتم الإفراج عن موظفي السفارة الآخرين المحتجزين في طهران، وهو ما حدث في يناير عام 1981 ولكن أسقطت هذه الخطة عندما ظهرت تقارير تتحدث عن عملية الهروب في الصحف. كل هذه الأحداث أدت إلي قطع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطنوطهران، ومن حينها، ظلت فصول تلك العلاقة المتوترة تنذر بحرب غير معلنة، لكنها مفتوحة النهايات علي وقع التهديدات الإعلامية الحادة اللهجة تجاه إيران، مروراً بفرض حالة الحصار الاقتصادي القاسي والخيارات العسكرية الكارثية وما يلوح منها في الأفق. ويبدو أن توقيت عرض الفيلم موضع تساؤل، في ظل تصاعد حدة التوترات بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وجاء عرض فيلم "أرجو" في وسط حالة الإحباط التي يعيشها المواطن الأمريكي في ظل الأزمة الاقتصادية وهزيمة الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية، فالشعب الأمريكي أصبح في حاجة لتذكيره بالقيم والمفاهيم والمثل وأن بلادهم مازالت القوي العظمي المهيمنة علي العالم. ومن هذا المنطلق، اعتدت الولاياتالمتحدة علي استخدم هوليوود كوسيلة وسلاح لتمرير رسائلها السياسية منذ عقود، فكثيراً من الأفلام الأمريكية التي أنتجتها هوليوود كان الهدف الرئيسي من ورائها هو تمرير أجندات وسياسات تخدم مصالح القوي العظمي في العالم وجعلها متحكمة ومسيطرة علي عقول الشعوب من خلال رسائل غير مباشرة ونشر ثقافات وأفكار معينة تدعم سياساتها. ولعبت صناعة السينما الأمريكية دوراً هاماً في نشر الثقافة الشعبية الأمريكية وفي جذب التعاطف مع النمط الحياة الأمريكي وتقديم نموذج جذاب للقيم الأمريكية خاصة قيم الحرية، بحيث تكرست صورة الولاياتالمتحدة لدي الشباب عبر العالم بأنها أرض الأحلام والفرص. فهوليوود من العناصر الهامة للقوة الناعمة الأمريكية والتي لعبت دوراً لا يقل أهمية عن القوة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية، حيث تحظي بهيمنة واضحة علي صناعة الترفيه والسينما العالمية، بغزوها المجتمعات بمختلف طبقاتها. ومن ناحية أخري، لعبت هوليوود دوراً في تبرير أو حشد التعاطف مع السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في فترات التحول أو الأزمات، وذلك في مواجهة الآخر النازي والسوفييتي والفيتنامي والإرهابي. ويمر الفيلم الذي يخدم هذه السياسات بمراحل عدة أولها إقرار المضمون من خلال واشنطن دي سي والإدارة الأمريكية، صانعة القرار وبعدها يأتي التمويل من خلال منطقة وول ستريت والتي يهيمن عليها اللوبيات اليهودية. وظهرت موجة من الأفلام التي تبرر أو تؤيد السياسة الأمريكية منذ عقود ولكن أبرزها خلال السنوات الأخيرة كان عقب أحداث 11 سبتمبر، فكان فيلم "الرجل العنكبوتي" 2002 مهماً جداً في تمرير تلك الرسائل السياسية، حيث كان يجسد أمريكا بكل قيمها ومثلها. فواشنطن كانت تمر بأسوأ وضع بعد أن اهتزت صورتها كقوي عظمي أمام العالم أجمع، واهتزت ثقة الأمريكيين بأنفسهم. وفي عام 2004 تم إنتاج عدة أفلام عرفت باسم "نهضة الفيلم الأمريكي" حاولت تجميل صورة العسكرية الأمريكية، خاصة الحرب علي الإرهاب وتداعياتها في أفغانستان والعراق. وكان فيلم "أسامة" واحدا من هذه الأفلام، وهو فيلم يجسد مأساة فتاة في ظل نظام طالبان بما يبرر الحرب الأمريكية علي نظام طالبان من خلال بيان المعاناة الإنسانية خاصة للنساء في ظل ذلك النظام. وأثار فيلم "ليس من دون ابنتي" الذي أنتج عام 1991 ضجة بسبب الطريقة التي صور بها إيران وشعبها وثقافتها. ويروي فيلم قصة أسرة محمودي، الذي ولد لأم أمريكية وأب إيراني، والذي يعيش في ميتشيجان. بعد أن أقنعته أسرته في طهران بأن يأتي لزيارتها، يصطحب زوجته وابنته الشابة معه في رحلة كان من المفترض أن تكون مدتها أسبوعين. تغلبت زوجة محمودي علي رفضها الذهاب إلي هناك، لتصل إلي إيران، لتري زوجها يتحول من أب وزوج أمريكي ودود إلي إيراني مستبد وغاضب علي استعداد لتوجيه طعنة قوية لها عند نشوب أي خلاف بينهما. ويعجز القانون، سواء من الجانب الإيراني أو عبر مساعدة الأسرة علي الجانب الأمريكي، أن يبعد الأم والابنة عن المآزق النفسية المسيطرة عليه. تعين علي الأم، التي لعبت دورها الممثلة الأمريكية الشهيرة سالي فيلدز، رسم خطة لعبور الحدود والخروج من إيران والتوجه إلي تركيا، حيث يمكنها الذهاب إلي سفارة أمريكية تمد لها يد العون في رحلتها للعودة إلي أرض الوطن. أعقبت الفيلم سلسلة من ردود الأفعال التي تحاول أن تروي القصة من جانب محمودي، وأيضا شكاوي أمريكيين ذوي أصول إيرانية من طريقة تصوير الإيرانيين. ومثلما كانت هوليوود سلاح القوي الناعمة لخدمة المصالح الأمريكية فهي أيضاً سلاح ذو حدين يمكن أن يجرح الإدارة الأمريكية. فخلال حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، فتحت هوليوود النيران علي الحروب التي قام بها من خلال إنتاجها أفلام تعكس معاناة الشعب العراقي جراء الغزو الأمريكي لهم والذي كان الأكثر دموية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة. فخلال السنوات الأخيرة أنتجت هوليوود الكثير من الأفلام التي تتناول هذا الموضوع منها "أسود وحملان" لروبرت ريدفورد 2007 و"خزانة الألم" لمخرجته كاثرين بيجلو و"تسليم خارج القانون" و"وادي الإله" وغيرهم. واللافت في تلك الموجة من الأفلام التي تدافع عن سياسات الإدارة الأمريكية هو الترويج للحرب بمعني القوة والتفوق العسكري كوسيلة للحفاظ علي الحرية والقيم الأساسية وحماية النفس والعالم من الشرور، أما الأفلام التي تنقد صقور واشنطن فكانت محاولة من هوليوود بإبراز الجندي الأمريكي كضحية للواجب لمحاربة من أطلقوا عليهم إرهابيين.