بعد أربعة أيام, سيصدر حكم القضاء في مذبحة بورسعيد التي تضم متهمين يري أهل بورسعيد أن بعضهم بريء تماما. إلا أن مشكلة بورسعيد تجاوزت مسألة براءة أو إدانة المتهمين في المذبحة. فبمجرد صدور قرار المحكمة بإحالة21 متهما إلي المفتي وتحديد يوم السبت المقبل موعدا للنطق بالحكم, تحولت المدينة إلي ساحة حرب راح ضحيتها عشرات من أبناء المدينة ورجال الشرطة. ليترسخ في وجدان أهل بورسعيد شعور بالظلم تارة وبالاغتيال تارة أخري. وأصبح بينهم وبين السلطة جدار من الثأر والدم. فتلك السلطة من وجهة نظر البورسعيدية- كانت مسئولة عن رفع الظلم عن متهمين أبرياء ولم تفعل ذلك. وهي الآن مسئولة عن مقتل وإصابة عشرات من أبناء المدينة. رغم أن الغضب البورسعيدي بشأن القضية الأولي يجب أن يوجه إلي النيابة العامة التي أعدت أوراق القضية بهذه الصورة, وإلي الشرطة التي تولت إجراء التحريات وتحديد المتهمين وجمع الأدلة. وتجب الإشارة هنا إلي أن أحد المتهمين المحالة أوراقهم إلي المفتي للمشاركة في قتل عشرات من مشجعي الأهلي, هو مشجع أهلاوي تم القبض عليه وهو يحاول النجاة بحياته من المذبحة. وهو نموذج صارخ يكشف قصور التحريات وعدم كفاية التحقيقات وتهافت الأدلة التي يضمها ملف القضية, علي الأقل لبعض المتهمين. لكن إذا كانت السلطة السياسية الحالية غير مسئولة بشكل مباشر عن قضية بورسعيد الأولي, فإن مسئوليتها عن أحداث الأول من فبراير وبعده لا تقبل تشكيكا أو جدلا.. وبعد أن وقعت الكارثة فإن تحرك هذه المؤسسات بلا استثناء كان بطيئا وتقليديا فزاد الأمر سوءا بدلا من إصلاحه وتطويقه. ورغم مرور ثلاثين يوما منذ بدأت أزمة بورسعيد- الثانية إلا أن الدولة لم تتحرك لاستباق انفجار الأزمة وتحولها إلي كارثة كبري. القرار الرئاسي بتفعيل المنطقة الحرة لم يرض أهل بورسعيد, إذ لم يحقق لهم العدل المفتقد في القضية الأولي ولا القصاص المطلوب في الأزمة الحالية. وإن كانت دعوات العصيان لم تحقق هدفها, إلا أن العنف لم يتوقف وسقف المطالب والمواقف يتطور. والشواهد علي ذلك جديرة باهتمام وقلق كل ذي عين تري أو عقل يعي. الأسابيع الماضية لم تشهد خطوات فعلية مؤثرة لتخفيف الاحتقان أو لتطبيق عدالة ناجزة أو حتي لتهيئة وتحضير بورسعيد لحكم المحكمة. لا من السلطة ولا من المعارضة. ففي حين قصرت السلطة في أداء دورها, انشغلت المعارضة بتوظيف الاحتقان لا تخفيفه, وحرصت علي تحميل السلطة كل المسئولية فيما لم تضطلع هي بمسئولياتها الوطنية, فلم تقم بأي مبادرة أو تحرك إيجابي لحل الأزمة. الخطر أن انفجار الموقف هذه المرة سيكون أسوأ وأشد ضررا ودمارا, لأن شرارة التفجير ستنطلق من الوضع الراهن المشتعل أصلا. وسيكون المجال مهيأ ومثاليا لمن يريد وقوع عنف وأعمال تخريب وصدامات دموية. ولن يقتصر الانفجار علي بورسعيد, فالمحافظات الأخري تشهد بالتبادل صدامات واشتباكات غير مبررة, لكن عند انفجار الموقف في بورسعيد, فلن يبحث أحد في أسباب أو مدي منطقية انضمام محافظات أخري إليها. ما لم يتم استباق الحدث المتوقع يوم السبت, فإن الخطر علي بورسعيد سيعم مصر كلها, أو سيتم تعميمه. فإلي كل من يريد لمصر الاستقرار والأمان: أدركوا بورسعيد الآن.