لو قلت لأي مصري من الثوار ان ما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا الآن.. هو عين ما حذرنا منه من خطط الغرب لتقسيم دول الجوار وحصار مصر من الجهات الأربع.. سيقولون لك انك من الفلول وان الثورة المصرية مستمرة وأنك كنت من أنصار القذافي ومبارك ومن سدنة الطغاة! وللأسف فإن هؤلاء الثوار لا يدركون حجم المخطط ويعيشون في ضباب الثورات والربيع العربي الذي سيصبح خريفا قاسيا قبل أن ندخل الشتاء الأخير إذا لم ندرك حقيقة ما يجري. صحيح أن أنظمتنا التي كانت حاكمة وتلك التي ما زالت في الحكم هي السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه بما ارتكبوه في حق شعوبهم.. لكن من الغريب أننا وفي سبيل تغيير واقعنا المرير نتوافق بمثل هذا التوافق المرعب.. مع ما يحاك لنا ولمنطقتنا.. ومن المؤلم أن نكون نحن أدوات هؤلاء في تنفيذ مخططاتهم التي تساق إليها تحت دعاوي ثورية براقة.. والمؤلم أكثر أننا نفعل ذلك وكثيرون منا يصدقون ويؤمنون أنهم يحسنون صنعا.. وهي خية نصبت بإحكام لشعوبنا المبتلية مرتين.. مرة بحكامها وأنظمتها ومرة بما يراد لها ولأوطانها. والمتأمل لما يجري منذ حرب الخليج الأولي وإلي اليوم يدرك بكل يسر أن هذا الذي يحدث لا يمكن أن يكون ابدا مجرد صدفة.. ومن يظنه كذلك هو ببساطة غائب أو مغيب الوعي.. فأمريكا دفعت العراق والعرب للحرب علي إيران تحت دعاوي الخوف من ثورتهم الوليدة.. فلما لم تنجح في الإجهاز علي الدولتين أوعزت سفيرتها( جلاسبي) لصدام حسين بفكرة غزو الكويت.. ولما لم تنجح في الإجهاز علي العراق شنت عليه الحرب مباشرة بحجة أسلحة الدمار الشامل حتي انتهي العراق إلي ما هو عليه الآن من تقسيم.. ولما فرغت من العراق استدارت إلي السودان وقسمته وما زالت القسمة تقبل المزيد.. ولما فرغت من السودان ولو مؤقتا ظهر لنا الربيع العربي ليستكمل الكماشة التقسيمية حول مصر.. فكانت ليبيا هي الضلع قبل الأخير في الكماشة.. وسوريا الآن علي ذات الطريق مع الأسف الشديد.. وسوف ينجحون مادامت قد عميت أبصارنا وبصائرنا.. ومادمنا لم نتعظ يوم أن أكل الثور الأبيض.. أقصد العراق!! ومصر هي الوحيدة التي بقيت عصية علي مخططاتهم.. ليس لأن ثوارنا سواء من هم في الحكم أو من هم في الميادين مختلفون عن ثوار ليبيا وسوريا واليمن.. ولا لأي شيء من هذا الكلام الكبير الذي لا قيمة له.. وانما لأن لدينا جيشا وطنيا محترما.. ولأن التاريخ يذكر أن لمصر رجالا أوفياء في كل لحظاتها الحاسمة.. وإذا كانت العراق قد ضيعت والسودان قسمت واليمن علي الطريق وليبيا بدأت وسوريا في الطابور.. وإذا كانت مصر هي الجائزة الكبري كما يخططون.. فقد فات علي هؤلاء أن مصر ومصر بالذات عصية علي التطويع.. كانت كذلك وستظل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومهما ضغطتنا الأيام أبدا لا نموت.. ومهما ضغط علينا العدو أبدا لا نلين.. فنحن شعب قديم وجيناته تحمل سر صلابته.. ومصر هذا المخلوق الأسطوري ستنفض يوما عنها غبارها لتخرج لنا من أعماق التاريخ السحيق عملاقة.. عفية.. فتية.. قوية.. حضارية.. وملهمة كما كانت فقط ثقوا في أنفسكم أيها المصريون.. ولا تجعلوا من ثورتكم مطية يمتطيها كل طامع في هذا البلد أو حاقد عليه. د.أحمد الجيوشي أستاذ بجامعة حلوان