منذ عام 1840 حيث انعقد مؤتمر لندن الذي أسفر عن ردع مصر وإعادتها إلي حدودها الطبيعية بعد أن دكت مدافع محمد علي قلاع القسطنطينية الحصينة، وامتد النفوذ المصري من جبال طوروس شمالاً حتي منابع النيل جنوباً ومن السعودية شرقاً إلي الجزائر غرباً.. منذ هذا التاريخ وضعت الدول الغربية مصر وقوتها العسكرية ونفوذها السياسي تحت أبصارهم وبالذات القوتان الأعظم في ذلك الوقت إنجلتراوفرنسا، حتي تمنع مصر أن تقوض أركان الامبراطورية العثمانية «الرجل المريض» وأن تحل مصر الفتية محلها. وتنفيذاً لهذا الحصار العالمي الغربي لمصر حرص الغرب علي إدخال مصر في سلسلة من الصراعات التي لا تفيق منها أبداً.. والعمل علي إنهاكها اقتصادياً، وما أشبه اليوم بالبارحة، وليست ديون الخديو إسماعيل وما نجم عنها من التدخلات الأجنبية في مصر علي النحو المعروف ببعيد، ثم جاءت ثورة عرابي، ثم الحماية البريطانية علي مصر، ثم تقسيم العالم العربي كغنيمة بين الفرنسيين والبريطانيين، بعد حادثة فشودة عام 1904، وكانت مصر وفلسطين والعراق من نصيب الانتداب البريطاني، وسوريا ولبنان والمغرب من نصيب فرنسا. بعد ذلك تم إدخال مصر في صراعات ضد الاحتلال البريطاني الذي كلفها مادياً ومعنوياً الكثير حتي تم التخلص من الاحتلال البريطاني.. بعدها نجحت القوي العربية الرجعية في نصب فخ لبدء معركة تقضي علي قوة مصر الفتية عام 1967 أو نكسة 67. ومع تعاظم دور الولاياتالمتحدة عملت أمريكا علي إخضاع نفوذ مصر والدول العربية لإرادتها، ونجحت أولاً في وقف صراعها ضد الدول الشيوعية وعلي رأسها الاتحاد السوفيتي مما أدي إلي تفكك الاتحاد السوفيتي إلي دويلات، وبذلك انتهت الحرب الباردة بينهما، ثم اتجهت إلي السيطرة علي الدول التي كانت موالية للاتحاد السوفيتي كأفغانستان والعراق ودول الخليج ومصر، وحلحلة أوضاع السودان وخلق المشاكل والصراعات حتي يخلو لها الجو لامتلاك المنطقة بأكملها بعد نجاح نظرية الفوضي الخلاقة في تقسيمة جديدة تقوم علي أساس طائفي. وجاءت حادثة الفيلم المسيء إلي الإسلام، وفي هذا الوقت بالذات لتكمل مسلسلات الهيمنة، وقد نجحت السياسة الصهيونية في تفجير هذه المشكلة وفي هذا الوقت لسببين، الأول: عقاباً للولايات المتحدة لإحجامها عن مساندتها في ضرب المفاعل النووي لإيران، ومن ثم انعكاس الإضرابات والمظاهرات التي قامت بها الشعوب الإسلامية التي تندد بهذا الفيلم والإضرار بالمصالح الأمريكية والتأثير سلباً علي فرص نجاح أوباما في الانتخابات الأمريكية. والثاني: إظهار المسلمين بطريقة واضحة أنهم إرهابيون وهمجيون لترسخ صورة الوجه القبيح الذي غرسته الصهيونية في أذهان الرأي العام الغربي، كما استفادت الولاياتالمتحدة بزيادة عزلة إيران دولياً، والعمل علي زيادة نفوذها في دول الشرق الأوسط تحت دعوي حماية سفاراتها ورعاياها وهي نفس الدعاوي التي كانت إنجلتراوفرنسا تلجآن إليها في احتلالها لدول الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر ومنها مصر عام 1881. أيها المصريون انتبهوا.. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإلي جانبها عقلها المدبر إسرائيل تدفع مصر إلي مخطط الانقسام إلي دويلات صغيرة بعد أن فرغت من حولها دول الجوار ليبيا والسودان وفلسطين وسوريا، ويتحقق بوسيلتين أساسيتين: الأولي: إغراقها بالديون والقروض التي تنوء بها وبأعباء سدادها قدرة مصر المالية. الثاني: تقديم مساعدات أمنية ليكون لها قدم داخل مصر تتوسع فيه كما فعلت في العراق وأفغانستان وفي ليبيا تمهيداً لامتلاكها بالكامل وتمكين إسرائيل من تنفيذ مخططاتها التي أفصحت عنها مراراً وأعلنت الولاياتالمتحدة بمساندتها وهي إقامة دولتها اليهودية من النيل إلي الفرات وعاصمتها القدس. أيها المصريون استعدوا لخوض معركة الوطن الحقيقية ضد هذه المخططات ولن يتأتي ذلك إلا بعد فض الإضرابات والاعتصامات بكافة أنواعها والتوجه بقوة إلي الإنتاج ووحدة الصف بين أطياف المجتمع في مصر. ------- رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الوفد