نظن أن انحسار الحديث عن الجماعات المسلحة في سيناء, والدور المهم الذي يقوم به( الجيش) هناك منذ أغسطس الماضي(2012) بعد استشهاد ال16 جنديا وضابطا وهم يتناولون طعام الإفطار في شهر رمضان أن الأمن قد استتب, وأن الأمور قد استقامت, وأن انشغال النخبة هنا في القاهرة, بصراعاتها وأطماعها وسرقاتها المتتالية للثورة. قد أوقف الخطر القادم من سيناء, لا نظن ذلك فالأمر هناك مازال يمثل خطرا كبيرا يستدعي حوارا موسعا, دعونا نبدؤه بهذه الدراسة( والمقال الموجز). في البداية يبدو أن ثمة خلطا وعدم دقة علمية للأوضاع الأمنية المتردية في سيناء سواء علي مستوي الرصد العام لهذه الجماعات أو علي مستوي أفكارها, ورؤاها التي أوصلت بعضها إلي حد استحلال دم ضباط وجنود الجيش والشرطة المصرية, والذين سقط منهم خلال النصف الثاني من العام2012 وحده قرابة ال40 ضابطا وجنديا, ولوضع الأمور في نصابها, دعونا نؤكد أن أقصي تقدير لإجمالي عدد أفراد تلك الجماعات في كل سيناء هو5 آلاف عنصر أي ما يعادل1% من تعداد السكان تقريبا( تعداد السكان نحو400 الف مواطن)وهي جماعات متداخلة وعنقودية ومن الصعب جدا اكتشافها دفعة واحدة, وهي نتاج بيئة صحراوية شديدة الخصوصية, وقد تتحول في لحظة إلي( نار الله الموقدة) التي إن لم يتم التعامل معها بحكمة ووفق رؤية استراتيجية واعية, واذا تم التعامل معها كظاهرة أمنية فقط دون فهم لابعادها السياسية والدينية فإنها قد تصبح الخنجر الذي سيفصل سيناء عن مصر في أقل من عام واحد وستكون أداة لاستنزاف الجيش المصري في حرب استنزاف جديدة, ولكن هذه المرة مع عدو من داخلنا وليس عدوا من الخارج, كما كان أيام الاحتلال الصيوني, أما ملامح الخريطة الأساسية للحركات( الإسلامية) المقاتلة فتتمثل مبدئيا في الآتي: 1 الجماعات السلفية الجهادية: وهي الأقرب لتنظيم القاعدة سواء علي مستوي انتهاج فعل العنف المسلح ضد الجيش والشرطة, أو علي مستوي الأفكار أو طريقة التنظيم العنقودي حيث هي عبارة عن جماعات صغيرة منتشرة في أرجاء سيناء وبخاصة( في مناطق العريش رفح ومناطق الحدود مع الكيان الصهيوني والآن بدأت توجد في جنوبسيناء) وهذه الجماعات علي اتصال ببعض الجماعات السلفية الجهادية في فلسطين 2 الجماعات التكفيرية: ومن أبرزها في سيناء جماعة( التوحيد والجهاد)( جماعة التكفير والهجرة)- جماعة( أصحاب الرايات السوداء), وينسب إلي هذه الجماعات المشاركة في عمليات قتل الجنود المصريين, بمن فيهم ال16 جنديا وضابطا في أغسطس الماضي(2012) ويري المراقبون أن هذه الجماعات تعد من أكثر الجماعات الإسلامية في سيناء عرضة للاختراق الإسرائيلي, ومن هنا تأتي عملياتها العشوائية العنيفة ضد الجيش والشرطة المصرية. 3 الجماعات السلفية: وهي جماعات متنوعة يقول قادتها إنها تنتهج العمل الدعوي السلمي, بعض هذه الجماعات السلفية مختلف فقهيا مع البعض الآخر, وهي تتأثر في مجملها بأفكار الدعوة الوهابية التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في السعودية والتي يساند دعاتها اليوم في المملكة الأسرة السعودية في كل سياساتها وقراراتها, هذه الجماعات هي الأكثر انتشارا في سيناء لاقتراب فقههم من حياة البداوة والروح القبلية في سيناء. 4 الطرق الصوفية: للطرق الصوفية وجود معلوم في سيناء, وإن كان قليل العدد ولعل وجود بعض الأضرحة لشيوخ يمتدون بنسبهم لآل البيت والصحابة مثل الأضرحة في منطقة الشيخ زويد, والتي فجر بعض عناصر التيار السلفي المتشدد احداها منذ عدة شهور, يؤكد وجود جماعات وطرق صوفية داخل قبائل سيناء ولكنها ليست بالعدد الكبير أو النفوذ المالي والسياسي الذي يقارب التيارات السلفية والتكفيرية. 5 جماعة الإخوان المسلمين: للإخوان المسلمين وجود ملحوظ في المدن الرئيسية في سيناء وخاصة في( رفح العريش بئر العبد وغيرها), ولحركة حماس ذات الجذور الإخوانية علاقة مباشرة في تنمية وترسيخ هذا الوجود الإخواني, وأيضا للإرادة السياسية دور فيه, وخاصة بعد ثورة25 يناير حين خفت القبضة الأمنية عن تنظيم الإخوان فأعادت إحياء الخلايا النائمة وأعادت تأسيس وجودها في المناطق التي كانت بعيدة عن نفوذها المباشر. والملاحظ أن الوجود الإخواني في سيناء في تنام مستمر وله علاقة بالأوضاع السياسية المشتعلة في أرجاء مصر, والتي دفعت الإخوان وسواها من قوي الاسلام السياسي لإعادة ترتيب الصفوف لدخول عشرات المعارك الجديدة ومن ابرزها معارك انتخابات الرئاسة ولاحقا البرلمان. تلك هي الخريطة التقريبية لجماعات الاسلام السياسي في سيناء, وهي بالتأكيد ليست كل الخريطة, ولكنها خريطة تقريبية, وتلك أبرز ملامحها وذلك لأن الواقع السيناوي معقد للغاية, والمخطط الصهيوني لإعادة احتلال سيناء أو إبقائها في حالة فراغ استراتيجي وتوتر ديني/ أمني مستمر خاصة بعد العدوان الأخير علي غزة ومن مصلحة الجميع سواء كانوا اسلاميين او علمانيين أن يفهموا جيدا خريطة الواقع السيناوي السياسي والديني أولا قبل أن يتحدوا في مواجهة الخطر الأكبر( الإسرائيلي والأمريكي) والذي يستهدف فصل سيناء عن مصر أو علي الأقل جعلها بمثابة خنجر( توترات) مستمرا في ظهرها ولذلك حديث آخر.