يبدو أن ثمة خلطاً وعدم دقة علمية للأوضاع الأمنية المتردية فى سيناء سواء على مستوى الرصد العام لهذه الجماعات أو على مستوى أفكارها ، ورؤاها التى أوصلت بعضها إلى حد استحلال دم ضباط وجنود الجيش والشرطة المصرية ، والذين سقط منهم خلال النصف الثانى من العام 2012 وحده قرابة ال 40 ضابطاً وجندياً ، ولوضع الأمور فى نصابها ، دعونا نؤكد على أن أقصى تقدير لإجمالى عدد أفراد تلك الجماعات فى كل سيناء هو 5 آلاف عنصر أى ما يعادل 1% من تعداد السكان تقريباً (تعداد السكان حوالى 400الف مواطن)وهى جماعات متداخلة وعنقودية ومن الصعب جداً اكتشافها دفعة واحدة ، وهى نتاج بيئة صحراوية شديدة الخصوصية وقد تتحول فى لحظة إلى (نار الله الموقدة) التى إن لم يتم التعامل معها بحكمة ووفق رؤية استراتيجية واعية ، واذا تم التعامل معها كظاهرة امنية فقط دون فهم لابعادها السياسية والدينية فإنها قد تصبح الخنجر الذى سيفصل سيناء عن مصر فى أقل من عام واحد وستكون أداة لاستنزاف الجيش المصرى فى حرب استنزاف جديدة ولكن هذه المرة مع عدو من داخلنا وليس عدواً من الخارج كما كان ايم الاحتلال الصيونى ، أما ملامح الخريطة الأساسية للحركات (الإسلامية) المقاتلة فتتمثل مبدئياً فى الآتى : 1 – الجماعات السلفية الجهادية : وهى الأقرب لتنظيم القاعدة سواء على مستوى انتهاج فعل العنف المسلح ضد الجيش والشرطة ، أو على مستوى الأفكار أو طريقة التنظيم العنقودى حيث هى عبارة عن جماعات صغيرة منتشرة فى أرجاء سيناء وبخاصة (فى مناطق العريش – رفح ومناطق الحدود مع الكيان الصهيونى – والآن بدأت تتواجد فى جنوبسيناء) وهذه الجماعات على اتصال ببعض الجماعات السلفية الجهادية فى فلسطين وأبرز هذه الجماعات (تأتى جماعة مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس – أنصار الجهاد وينسب للأخيرة عمليات تفجير خط الغاز الطبيعى الممتد إلى الكيان الصهيونى والتى وصلت إلى 15 عملية تفجير منذ ثورة يناير 2011 وحتى اليوم) .
2 – الجماعات التكفيرية : ومن أبرزها فى سيناء جماعة (التوحيد والجهاد) – (جماعة التكفير والهجرة) - جماعة (أصحاب الرايات السوداء) ، وينسب إلى هذه الجماعات المشاركة فى عمليات قتل الجنود المصريين بمن فيهم ال 16 جندياً وضابطاً فى أغسطس الماضى (2012) ويرى المراقبون أن هذه الجماعات تعد من أكثر الجماعات الإسلامية فى سيناء عرضة للاختراق الإسرائيلى ومن هنا تأتى عملياتها العشوائية العنيفة ضد الجيش والشرطة المصرية وتنفيذها عمليات قتل ثلاثة من دورية من رجال الشرطة وقتل مفتش الأمن العام بمحافظة شمال سيناء ورفع الأعلام السوداء على مبنى المحافظة وإعلانها تحويل شمال سيناء إلى إمارة مستقلة شبيهة بإمارة طالبان فى أفغانستان وغيرها من العمليات القديمة (مثل طابا – دهب – شرم الشيخ) أو الجديدة بعد الثورة وهى عمليات لم تخدم الاسلام ولا الوطن الذى تدافع عنه.
3 – الجماعات السلفية : وهى جماعات متنوعة يقول قادتها انها تنتهج العمل الدعوى السلم ، بعض هذه الجماعات السلفية مختلف فقهيا مع البعض الآخر ، وهى تتأثر فى مجملها بأفكار الدعوة الوهابية التى أسسها محمد بن عبد الوهاب فى السعودية والتى يساند دعاتها اليوم فى المملكة الأسرة السعودية فى كافة سياساتها وقراراتها ، هذه الجماعات هى الأكثر انتشاراً فى سيناء لاقتراب فقههم من حياة البداوة والروح القبلية فى سيناء ، وأيضاً للدعم المالى الكبير الذى تضخه السعودية والجمعيات المتصلة بها فى مصر ، وهذه الجماعات السلفية (السلمية) سرعان ما تتحول إلى العنف عندما يحدث صدام واسع مع أحد عناصرها ضد الجيش ، وهى لا تختلف فى بنيتها الدعوية الأصيلة وأفكارها عن الجماعات العنيفة ، سوى فى درجة وتوقيت إظهار العنف ليس إلا ، وهذه الجماعات السلفية (السلمية) على اتصال وثيق بالأحزاب والجماعات السلفية خارج سيناء وتحديداً فى القاهرة مثل حزب النور والأصالة والسلامة والتنمية والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد ، وسلفى سيناء (السلميين) يعدون مخزناً جاهزاً باستمرار لتوريد من يسموا خطأ ب(الجهاديين) فى الصدامات السابقة مع الجيش والشرطة خاصة فى مرحلة مابعد الثورة .
4 – الطرق الصوفية : للطرق الصوفية وجود معلوم فى سيناء وإن كان قليل العدد ولعل وجود بعض الأضرحة لشيوخ يمتدون بنسبهم لآل البيت والصحابة مثل الأضرحة فى منطقة الشيخ زويد والتى فجر بعض عناصر التيار السلفى المتشدد إحداها منذ عدة شهور ، يؤكد على وجود جماعات وطرق صوفية داخل قبائل سيناء ولكنها ليست بالعدد الكبير أو النفوذ المالى والسياسى الذى يقارب التيارات السلفية والتكفيرية .
5 – جماعة الإخوان المسلمين : للإخوان المسلمين وجوداً ملحوظاً فى المدن الرئيسية فى سيناء خاصة فى (رفح – العريش – بئر العبد وغيرها) ، ولحركة حماس ذات الجذور الإخوانية علاقة مباشرة فى تنمية وترسيخ هذا الوجود الإخوانى ، وأيضاً للارادة السياسية دور فيه خاصة بعد ثورة 25 يناير حين خفت القبضة الأمنية عن تنظيم الإخوان فأعادت إحياء الخلايا النائمة وأعادت تأسيس وجودها فى المناطق التى كانت بعيدة عن نفوذها المباشر .
والملاحظ أن الوجود الإخوانى فى سيناء فى تنامى مستمر وله علاقة بالاوضاع السياسية المشتعلة فى ارجاء مصر والتى دفعت الاخوان وسواها من قوى الاسلام السياسى لاعادة ترتيب الصفوف لدخول عشرات المعارك الجديدة ومن ابرزها معارك انتخابات الرئاسة ولاحقا البرلمان .
* تلك هى الخريطة التقريبية لجماعات الاسلام السياسى فى سيناء وهى بالتأكيد ليست كل الخريطة ، ولكنها خريطة تقريبية ، وتلك أبرز ملامحها وذلك لأن الواقع السيناوى معقد للغاية ، والمخطط الصهيونى لإعادة احتلال سيناء أو إبقاءها فى حالة فراغ استراتيجى وتوتر دينى / أمنى مستمر خاصة بعد العدوان الأخير على غزة ومن مصلحة الجميع سواء كانوا اسلاميين او علمانيين ان يفهموا جيدا خريطة الواقع السيناوى السياسى والدينى اولا قبل ان يتحدوا وهذة هى( الفريضة الغائبة) بالفعل فى مواجهة العدو الصهيونى الذى يتربص ليس بسيناء وحدها بل بمصر كلها ..والله اعلم .