أدركنا أن النقود الحديثة مجرد نظام للمعلومات ووسيلة للتقييم النسبي تمكن من تبادل السلع والخدمات وتخزين القيمة, مثل إمساك الدفاتر تماما, كما ظهر واضحا بعد انتشار الحسابات الإلكترونية. وكل النقود المتداولة أصدرت في أول الأمر كقرض بإيجار زمني من بنك ما. وفعل الاقتراض ينقل النقود لحيز الوجود. وهي نوعان, النقود الرأسية أو الأساسية ويصدرها البنك المركزي بالتعاون مع وزارة المالية بصورة تبدو وكأن الوزارة التي لاتملك شيئا تقترض من البنك المركزي الذي لايملك شيئا هو الآخر, مقابل سندات دين كمبيالات حكومية! وتصدر وزارة المالية شيكاتها لتنفيذ خطط الحكومة, كما يطبع البنك المركزي ويسك النقود المطلوبة في المجتمع للتداول المادي, الذي يقل كلما زادت تسوية الحسابات إلكترونيا بالشيكات والكروت وغيرها. وإذا ظلت هذه النقود متداولة, فسيبدو وكأن الحكومة مدينة. رغم أنها إذا سددت هذه الديون, فستختفي النقود من التداول! تصدر القوانين لفرض احترام النظام النقدي, ويشرف البنك المركزي عليه, ويقوم بإدارة السيولة النقدية والائتمان وسوق الصرف الأجنبي واحتياطيات الدولة. كما يتحكم في كمية السيولة المتداولة ببيع السندات للعامة أو شرائها بنقود توجد أيضا بمجرد كتابة شيكات البنك المركزي. ويحدد نسبة الفائدة ونسبة احتياطي البنوك والقاعدة الرأسمالية, أي مقدار القروض الممنوحة. ويعمل علي استقرار الأسعار(بصورة ليست ناجحة بدليل الواقع)! ويقوم بإقراض الحكومة لتغطية عجز الموازنة. وضجة عجز الموازنة مؤداها كأن البنك المركزي يقول لوزارة المالية: أقرضتك الكثير ولن أقرضك المزيد, اجمعي الضرائب والرسوم واستقلي عني, أو اقترضي من البنوك التجارية وتكبدي الفوائد! ويصدر البنك المركزي تراخيص البنوك وفروعها,وقانون اتحاد البنوك ونظامه الأساسي.ولهذا فالجهاز المصرفي بقيادة البنك المركزي, يدير نفسه ويضع أهدافه ويضم أعضاءه. كما يقوم بتطبيق القواعد والمعايير العالمية للمصارف التي يضعها ويفرضها البنك الدولي( بازل1 وبازل2 وبازل3) كأنها قوانين طبيعية, رغم أنها تطلق الاقتصادأو تقيده!فهل نظرنا لمصلحة من تصمم تلك القواعد والمعايير, وما هي أهدافها؟ وتصدر البنوك التجارية نقود الائتمان أو النقود الأفقية كقروض علي قاعدة النقود الأساسية. وهي نقود مؤقتة مقابل ضمانات. وتعطي البنوك تفويضات للمقترضين لكي يأتمنهم المجتمع علي توجيه استخدام بعض الأصول والسلع والجهود في حدود قيمة القروض أو الائتمان الممنوح لإقامة مشروعات معينة, مقابل أوراق دفع يصدرونها, ومتابعتهم واسترجاع القروض كمدفوعات نقدية منهم مضافا إليها الفوائد المقررة, مقابل ضمانات لهذا الاسترجاع. وفرض الإيجار الزمني علي القروض( الفائدة أو الربا) ينتج عنه إعادة توزيع النقود الأساسية من العامة إلي النخب التي تقترض من البنوك وإلي أصحاب البنوك. ولايتعدي دور البنك عن كونه مانحا لتراخيص الائتمان ومسئول حسابات ومحصل ديون مدعم بترسانة قوانين فرض احترام النقد والشيك والائتمان, وكل جبروت الدولة والشرطة والمدعي العام والمحاكم. رغم أن الفاعلين الحقيقيين لعملية انتاج وتوزيع السلع والخدمات هم أفراد المجتمع بمن فيهم المقترضون. وتستطيع البنوك إيجاد أي كمية من النقود يقترضها الناس, لأنها توجدها من لاشيء بمجرد كتابة قيمتها علي شاشة الحاسب أمام اسم المقترض. وإذا أصدر بنك قروضا تجاوز نسبة الاحتياطي المسموح, غطي موقفه بالاقتراض المؤقت من البنوك الأخري. وكلما مولت البنوك الأنشطة غير الإنتاجية, بالقياس بالأنشطة الإنتاجية, زاد التضخم وانخفضت القوة الشرائية للنقود; التي تسعي للحصول علي سلع لا تزيد بمعدل زيادة النقود المتداولة. ولأن البنوك توجد أصول النقود المقترضة فقط, ولاتوجد ما يكفي لدفع الفائدة أيضا, فإن نقود الفوائد تأتي من الآخرين. فيتصارع المقترضون مع الجميع في هذا النظام القاسي للظفر بما يكفي لدفع الفوائد وإنقاذ ضماناتهم, في صورة مأساوية لحرب الجميع ضد الجميع. فيتمكن البعض من دفع فوائدهم, ويعجز آخرون حتي عن دفع أصول قروضهم, فيفلسون ويفقدون الضمانات التي رهنوها للبنوك. ولهذا فالنظام يسبب تيارا مستمرا من الإفلاسات, ونقلا للثروة من العامةومن العاملين المنتجين إلي النخب المتميزة غير العاملة غير المنتجة, ومن العامل المدين إلي الدائن المسيطر. ويؤدي أيضا إلي مضاعفة أسعار السلع والخدمات, وخفض قيمة النقود في أيدي الجميع, أغنياء كانوا أم فقراء; لأن الفائدة تضاف لكل شيء وفي كل مراحل الإنتاج والعمل. وكدح الإنسان في الأرض هو أصل الثروة( سابق تحول لأصول مملوكة, وحالي) وماعدا هذا مجرد حسابات. والنقود أداة لإطلاق جهود إنتاج الثروة وإعمار الأرض وتبادل السلع والخدمات( أو لتقييدها, إذا لم تطرح كمية مناسبة منها للتداول!) وكوبونات توزيع الثروات والمحاصيل بين الناس, ومحاباة البعض بإعطائهم المزيد منها, وتنشيط بعض المجالات علي حساب غيرها, وزيادة جاذبية بعض الأنشطة بالنسبة لغيرها بتوفير التمويل لها( مثل الرياضة والفن والإعلام وغيرها). والبنوك بإشراف البنك المركزي هي جهات إصدار النقود ورخص الائتمان, وهي التي تقرر من الذي سوف يحصل علي النقود, وسيعطي تفويضا للاستحواذ علي الأصول وتوجيه أصول المجتمع وطاقاته وسلعه وخدماته لإقامة المشروعات, وفي أي مجال, ومن سيحرم هذا التفويض. والعجيب أن معظم البنوك المركزية والتجارية في العالم مملوكة ملكية خاصة يديرها أصحابها كأي شركة, لتحقيق الربح!