نعرف أن النقود هي مجرد وسيلة للتقييم النسبي تمكن الناس من تبادل السلع والخدمات وتخزين القيمة, ونظام للمعلومات مثل إمساك الدفاتر تماما, كما ظهر واضحا بعد انتشار الحاسبات والكروت الشخصية, حيث لايحتاج الناس إلي استخدام النقود الورقية إلا نادرا. وكنا ومازلنا نتعجب عن المسئول عن التضخم والانهيار المستمر لقيمة الجنيه, ونلقي بالتهم جزافا علي الجميع, تارة علي التجار الجشعين وتارة أخري علي كسل المصريين وعدم إنتاجيتهم, وربما نلقيها علي الأداء الحكومي, فنصب جام غضبنا علي هذا الوزير أو ذاك. ونعرف أن توجيه الائتمان البنكي إلي أنشطة غير إنتاجية يسبب التضخم, فمن يا تري هو المسئول عن هذا. وكيف نحسن اختياره؟ ومن يشرف علي عمله ويحاسبه, ويغيره إذا لم يكن هناك بد؟ ينص قانون البنك المركزي رقم88 لسنة3002 في مادة5 علي أنه يعمل علي تحقيق الاستقرار في الاسعار في إطار السياسة الاقتصادية للحكومة, ويختص بوضع وتنفيذ السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية, وتنص المادة41 علي أن مجلس إدارة البنك المركزي هو السلطة المختصة في هذا, وله في ذلك جميع الصلاحيات. كما تنص مادة5 علي أنه يضع أهداف السياسة النقدية بالاتفاق مع الحكومة من خلال مجلس تنسيقي يشكل بقرار من رئيس الجمهورية( ومجرد إخطار) مجلسي الشعب والشوري بهذه الأهداف! كما تنص مادة6 علي أنه يختص بإصدار الأوراق النقدية وإدارة السيولة النقدية والتأثير في الائتمان للوفاء بحاجة الاقتصاد, وإدارة سوق الصرف الأجنبي واحتياطيات الدولة. ويقوم البنك المركزي بإصدار النقود في الاقتصاد بإحدي الطرق الآتية: تحويل سندات إيصالات دين الحكومة إلي نقود بإصدار شيكات بنفس القيمة( مواد701 و801و901), أي أن البنك المركزي الذي لايملك شيئا( رأسماله المدفوع مليار جنيه مصري) يقوم بإقراض الحكومة نقودا تدفع عليها فائدة لحين سدادها, وذلك بضمان إيصالات الدين الحكومي والرصيدالقومي من الذهب والنقد والأوراق المالية الأجنبية. بل إن المادة62 تسمح بأن ينوب البنك عن الحكومة في إصدار سندات الدين الحكومي! وهو الذي يمول الحكومة أيضا لتغطية عجز الموازنة بنقود يصدرها بنفس الطريقة( مادة72). التحكم في كمية السيولة النقدية المتداولة في الاقتصاد( مادة6 من القانون88 لسنة3002 ومادة01 من قرار رئيس الجمهورية رقم46 لسنة4002 بإصدار النظام الأساسي للبنك المركزي المصري), وذلك بشراء السندات الموجودة بحوزة العامة بنقود توجد أيضا بمجرد كتابة شيك البنك المركزي فتزيد السيولة المتداولة, أو بيع السندات فتنخفض السيولة المتداولة بسحبها من التداول. خفض نسبة الاحتياطي في البنوك القاعدة الرأسمالية( مادة65 ه ومادة95 أ) فتنطلق لإصدار المزيد من القروض وتزيد النقود المتداولة, أو زيادتها فيحدث العكس. خفض نسبة الفائدة علي قروض البنك المركزي( مادة41 أ) مما ينشط الائتمان ويزيد النقود المتداولة, أو رفعها فيحدث العكس. إقراض البنوك عند الحاجة( مادتا7 و8) لإطلاقها لإصدار المزيد من القروض وزيادة السيولة في الاقتصاد. البنك المركزي هو المنوط به إذن إيجاد النقود من لاشيء وإدارة السيولة النقدية في الاقتصاد وتوجيه الائتمان وتنشيطه وضبط التضخم. الآن عرفنا إلي من نوجه اللوم! فإذا كانت هذه هي مسئوليات البنك المركزي, فمن يحاسبه علي أدائه المتواضع بالنظر إلي أحوال الاقتصاد المصري المتردية والجنيه الهزيل؟ ومن المثير للدهشة أن البنك المركزي والبنوك التجارية العاملة في مصر تبدو كما لو كانت تكتلا مستقلا يدير نفسه بنفسه. حيث تنص المادة03 علي أن جميع البنوك تخضع لأحكام قانون البنك المركزي, وأنها تسجل في سجل خاص بالبنك المركزي بعد موافقة مجلس الإدارة عليها وعلي نظامها الأساسي( مادة23), كما أن البنك المركزي هو الذي يصرح لها بالفروع( مادة63). وتقرر المادة44 بأن ينشأ اتحاد بين البنوك الخاضعة لهذا القانون, يصدر مجلس إدارة البنك المركزي نظامه الأساسي. وفي الماضي السحيق, كانت علوم الطب والتداوي بالأعشاب أسرارا يحتفظ بها كهنة المعابد لأنفسهم ويتوارثونها, وذلك للتأثير بها علي العامة واستخدامها لإخضاعهم لنفوذهم. ومع تقدم البشرية وإدراكها.0 لأهمية علوم الطب والتداوي, تم التخلص من هذا الاحتكار وجعله علما إنسانيا مشاعا يدرس في معاهد الطب والصيدلة للجميع. ولكن يبدو أن الأمر لم يتطور تطورا مشابها في علوم الإدارة المالية والمصرفية والاقتصادية. ألا تتفقون معي أن الجهاز المصرفي بقيادة البنك المركزي يتصف بكل صفات التكتل, يدير نفسه ويضم أعضاءه ويدرب أبناءه ويضع أهدافه, ويتبع جهة لا تستطيع في حقيقة الأمر فهم عمله, ناهيك عن إحسان توجيهه. ولهذا يمكن أن نفترض مطمئنين أنه حالما يتم اختيار محافظ البنك لمركزي ومجلس إدارته والمجلس التنسيقي, وفي ضوء حقيقة أن البنوك مؤسسات خاصة, فإن أحدا لايقوم في حقيقة الأمر, بل ولايستطيع متابعة وتقييم أداء الجهاز المصرفي برمته, ولاحتي مجلس الشعب, رغم خطورة مهامه وحيويتها بالنسبة للشعب المصري وللوطن. أي تفويض بلا انتخاب أو مسئولية, فإذا خربت مالطة, فهو قدرنا, وليس في الإمكان أبدع مما كان. هل عرفتم إلي أين يجب أن تتوجه جهود الإصلاح الاقتصادي؟ باحث في الاقتصاد السياسي