متحدث الري: التغيرات المناخية تؤثر بشكل واضح على قطاع المياه في كل العالم    البورصة تُحقق أفضل أداء منذ 2016 تزامنًا مع وقف إطلاق النار فى غزة    فصل الكهرباء عن عدة قرى بالرياض في كفر الشيخ غدًا لمدة 5 ساعات    سميح ساويرس: «أنا أقل إخواتي ثروة.. ومتعة كسب المزيد من المال تختفي بعد حد معين»    وزير الاستثمار: الحكومة المصرية ملتزمة بتعزيز الشراكة مع مجتمع الأعمال الأمريكي    الصليب الأحمر: دورنا هو تسهيل تسليم رفات الرهائن    شوط سلبى بين السعودية ضد العراق فى ملحق الصعود لكأس العالم    لاتفيا ضد إنجلترا.. هجوم نارى لمنتخب الأسود الثلاثة في تصفيات كأس العالم    هند الضاوي: نتنياهو مأزوم سياسيًا وهذا سبب حضور ترامب للمنطقة    أحرج مسؤولًا عربيًا وقال ل أردوغان «تحياتي لزوجتك».. 10 مواقف غريبة ل ترامب كسرت قواعد البروتوكول    وكيل صلاح مصدق: مستحيل نتقدم بشكوى ضد الزمالك وبنتايج هيجيب أسرته مصر    «41 هدفا».. رونالدو هدّاف تصفيات كأس العالم عبر التاريخ    بالأرقام.. مكافآت لاعبي منتخب مصر بعد التأهل لكأس العالم (تفاصيل)    أسامة كمال: قمة شرم الشيخ يوم هُزم فيه المشككون وكُسرت شوكة من راهنوا على فشل مصر    طارق مصطفى يقرر مقاضاة أحمد ياسر عقب تجاوزات مسيئة في حقه    أمطار وبرودة.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    ارتفاع عدد ضحايا حادث سقوط تروسيكل أسيوط إلى خمسة طلاب    السجن المشدد 3 سنوات ل متهم بحيازة أسلحة نارية في المنيا    مومياء رفعت إسماعيل تشارك أبطال «السادة الأفاضل» في البوسترات الفردية (صور)    باسم يوسف: الحياة في أمريكا ليست كاملة.. والاعتراض واجب المواطن    زي بتاع زمان.. الطريقة الأصلية لعمل الفطير المشلتت    «مكنتش أعرف إنها مخالفة».. الراقصة «ليندا» في المحكمة غدًا بتهمة نشر فيديوهات خادشة    إنستجرام: حماية المراهقين بقصر مشاهداتهم على المحتوى بي جي-13    السفير صلاح حليمة: الاحتجاجات في مدغشقر تطورت إلى استيلاء على السلطة بحماية النخبة    منال خليفة: اعتراف باريس بدولة فلسطين مهّد لتوافق دولي بشأن حل الدولتين    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    حجازي: قمة شرم الشيخ لحظة فخر لمصر وتجسيد لنجاح دبلوماسيتها    الجغرافيا في الكوميديا الإلهية    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    سعر مواد البناء مساء اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    في هذا الموعد.. محمد فؤاد يستعد لإحياء حفل غنائي ضخم في بغداد    خبر في الجول - الزمالك يعتذر عن عدم المشاركة في البطولة العربية لسيدات الطائرة    محافظ كفرالشيخ يتفقد مستشفى قلين ويشدد على جودة الرعاية وحسن معاملة المرضى    استعدادات أمنية مشددة وقناصة على الأسطح قبل مواجهة إيطاليا وإسرائيل في التصفيات المؤهلة للمونديال    وكيل شباب ورياضة الجيزة يتابع تطوير مركز شباب الديسمي لخدمة المتضررين من السيول    ميريهان حسين: «أصور فيلم جديد مع هاني سلامة.. واسمه الحارس»| خاص    نقابة الموسيقيين: مصر راعية السلام فى المنطقة ودرع منيع للحق والعدالة    أكرم حسنى ل اليوم السابع: ما حدث فى شرم الشيخ ينم أن لدينا قيادة حكيمة    مواصفة امتحان مادة الدين فى اختبارات الشهر للمرحلة الابتدائية    تناولت مادة مجهولة.. مصرع طالبة في الصعايدة بقنا    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    حماس: تحرير الأسرى إنجاز وطني ومحطة مضيئة في مسيرة نضالنا    زيادة ربع مليون نسمة في تعداد سكان مصر خلال 60 يومًا    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    مكاسب مالية وحب جديد.. الأبراج الأكثر حظًا نهايات عام 2025    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 يبدأ يوم 23 الشهر الجاري    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    جامعة جنوب الوادي تنظم ندوة حول "التنمر الإلكتروني"    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    محافظ البحيرة تتفقد عددًا من المشروعات الخدمية بقرية الأبعادية بدمنهور    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    وكيل صحة المنيا يفاجئ وحدة أبو عزيز ويحيل طبيبة للتحقيق بسبب الغياب    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    خالد الغندور: مصر زعيمة الأمة العربية ولها دور فعال فى إنهاء الحرب بغزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوضاع الثقافة المصرية (4)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 10 - 2011

يبقي البعد السادس من الوضع الكارثي للثقافة المصرية بمعناها الخاص هذه المرة‏,‏ وهو المعني المتصل بالثقافة من حيث هي إبداعات وميراث حضاري‏,‏ وأعترف بأنني كنت أحد قيادات وزارة الثقافة‏,‏ ومسئولا نسبيا عما حدث فيها سلبا وايجابا‏,‏ رغم أني لم أكن صاحب القرار الأخير أو الأعلي‏.‏ وذلك بحكم البناء الهيراركي الذي لايزال قائما في الدولة المصرية. ولكن بما اننا نتحدث عن تحديث جذري, فما الذي يمنع من البدء بالنقد الذاتي, فأسجل عجزي عن تغيير سياسات ثقافية, لاتزال تعلو وتهتم بمركزية القاهرة أكثر من الامتداد إلي كل المدن المصرية, ولاتزال تتجاهل الريف وقراه التي هيمن عليها فكر ديني متعصب وقمعي. صحيح أن الوضع تغير وأصبح الهدف إرضاء الجماهير لا إرضاء الحاكم, لكن السياسات الثقافية المركزية السائدة أدت إلي تعميق الهوة بين النخبة الثقافية المنتجة للثقافة (أدب, فنون, علوم إنسانية, سينما ومسرح) والجماهير التي أسلمت لتيارات الإسلام السياسي منذ السبعينيات الساداتية التي شهدت تزايد المد الرجعي في الثقافة المصرية بمباركة الزعيم المؤمن الذي حاول أن يبني دولة العلم والإيمان, فسقط العلم وتحول الإيمان السمح إلي تعصب مقيت, ترتب عليه حدوث فتن طائفية للمرة الأولي في تاريخ مصر الحديثة, التي ورثت شعار ثورة 1919 االدين لله والوطن للجميعب وقد تراجع الفكر الليبرالي الذي لازم الحقبة الذهبية للفكر المصري الذي انقطع باختيار الاستبداد في أزمة مارس.1954
ولكن ظل المشروع القومي للعهد الناصري يفتح آفاق الثقافة إلي أن سقط هذا المشروع عام 1967, نتيجة تحالف غير معلن بين استبداد الصوت الواحد والفساد الذي تخفي وراء أوجه منتفعة ومنافقة. ولأن مباديء دولة المشروع القومي لم تتجذر في وعي الجماهير, كي تجد ملايين تحميها, فظلت نخبوية فوقية, ولولا ذلك لما كان سهلا علي السادات أن ينقلب عليها. وأن يتوجه بمسار الأمة وثقافتها إلي النقيض. وكانت النتيجة هجرة للعقول الرافضة لما سماه لطفي الخولي, رحمة الله عليه, بالساداتية التي نجحت في تكوين ايديولوجيتها الخاصة التي أقامت تحالفا بين الدين والسلطة, تطبيقا للقاعدة القديمة, الدين بالملك يبقي, والملك بالدين يقوي, وأصبح االرئيس المستبدب هو االرئيس المؤمنب الذي استبدل شعارات بشعارات, فانتهي أمره بأن قتله حلفاؤه الذين استعان بهم لبناء دولة العلم والإيمان, فتحول الإيمان إلي تعصب, وظل العلم شعارا فارغ المحتوي, وشهدت مصر أكبر نزوح للمثقفين اليساريين والقوميين منذ ثورة 1952 ومن لم يفر بشخصه فر بقلمه إلي مجلات وصحف الخليج أو إلي الصحف التي أسستها أموال النفط في دول أوروبا. ولولا استعادة الفكر التنويري والدفاع عنه, ومحاولة تجديده والإضافة إليه, لفقدت الثقافة المصرية ما تبقي لها من ميراث تنويري وامتداد للتيارات العقلانية التي تقصف عدد بارز من أقلامها بسبب ازدواج القمع الذي جعل المثقف المصري, للمرة الأولي في تاريخه الحديث, محاصرا بين مطرقة الإرهاب الديني وسندان الاستبداد السياسي, وظل الوضع ممتدا في سنوات حكم مبارك المتطاولة التي ختمها بئس الختام بكارثة التوريث. ولن ينسي التاريخ أن زمنه شهد اغتيال فرج فودة بعد اغتيال رفعت المحجوب, كما شهد طعن نجيب محفوظ بسكين صدئة, كادت تودي بحياته, وشهد زمنه غير السعيد الحكم علي نصر أبوزيد بالتفريق بينه وزوجه, ولولا الضغوط القوية من المثقفين لما صدر قانون الحسبة الذي أمسك العصا من المنتصف, ولكنه ترك الباب مفتوحا لمشايخ التطرف لرفع قضايا علي المثقفين, ووصل الهزل إلي أن أحد هؤلاء جعل من هذه القضايا مصدرا للكسب, خصوصا بعد أن نجحت جماعة محاميه (الإسلاميين) في الحصول علي أحكام ضد عشرات الكتاب, منهم أحمد حجازي وابراهيم أبوسعدة وجمال الغيطاني ومحمد شعير وكاتب هذه السطور وغيرهم, الأمر الذي دعاني إلي كتابة مقالين في هذه الجريدة بعنوان اهل نحن دولة مدنية حقا؟!ب وثالث بعنوان انستجير من القضاء بالقضاءب,وحتي عندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطلقت سراح المعتلقين السياسيين بمن فيهم تيارات الإسلام السياسي, نسي هؤلاء أن ما حررهم وأخرجهم من السجون هي ثورة الشبان والشابات, فأدانوا محرريهم بالتكفير الذين هم أولي الناس بالاتهام به.
والحق أن اية مقارنة بين ما ادعاه أغلب تيارات الإسلام السياسي من عداء للرئيس السابق, لم تخل من مناطق منفعة متبادلة مسكوت عنها, فقد وقفوا إلي جانبه سرا في انتخابات 2005 وحصلوا علي الثمن, أكبر نسبة أتيحت لهم في كراسي مجلس الشعب, ولكن التحالف السري انقطع مع جرائم تزوير انتخابات أحمد عز التي ستبقي وصمة عار وجريمة كبري في حق الشعب المصري, مع مشروع التوريث الذي أدانته كل القوي الوطنية. وعندما انفجر شباب مصر وابتدأ ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة, ظلت جماعات الإسلام السياسي, وعلي رأسها الإخوان تراقب إلي أن وجدت الفرصة فدخلت ميدان التحرير لا لكي تكون واحدة من القوي الوطنية التي جمعتها الثورة, وإنما لكي تكون القوج التي تسطو علي الثورة, وتتصدرها علانية مع مجيء القرضاوي وإلقاء خطبة الجمعة الشهيرة في التحرير. ولم يكن من المصادقة أن يتقربوا إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بكل السبل, وبدا الأمر للبعض كما لو كانوا يساندونه ضد الثوار من الشباب الزائغ عن العقيدة!. وفهم كثيرون أنهم يكررون ما فعلوه مع ثورة يوليو 1952, لكن أصبح من شبابهم من نادي بالدولة المدنية, فأجير بعض قياداتهم المستنيرة علي إقامة حزب للعدالة والحرية علي غرار نظيره التركي بقيادة أردوغان.
واللافت للانتباه أن جماعة الإخوان المسلمين هي القوة السياسية الوحيدة التي صاغت برنامجا ثقافيا, تعمل علي تنفيذه في صبر ودأب علي امتداد سنوات حكم مبارك الثلاثين التي أكملت ما منحه لهم السادات منذ السبعينيات, ومع المتغيرات انقسم الإخوان في السجون الناصرية والساداتية وتولدت تنظيمات وتجمعات كثيرة, عرفت طريقها إلي الإرهاب, أما البعض الأكثر مراوغة فاستعان بأموال النفط, وأنشأ محطات فضائية, في ظل التحالف المضمر مع مبارك, فظهرت قنوات دينية, لا تكف عن نشر ثقافة دينية تقليدية جامدة, سرعان ما تحولت إلي إرهاب إعلامي للمخالفين, وقد انضم إلي اللاعبين في هذا المجال سلفيون خرجوا من مكمنهم الذي اختبأوا فيه طويلا, وانضموا إلي فريق الإسلام السياسي, مدعومين بأموال نفطية, ولا أزال أري في ذلك علامة علي كارثة ثقافية فكرية, غير منفصلة عن السياسة بالقطع, خصوصا ما يتصل بالبعد السياسي من الثقافة المصرية, وهو وضع يدفع إلي السؤال الممرور: هل هانت الثقافة المصرية علي نفسها وأهلها وحكوماتها, حتي بعد الثورة إلي هذا الحد؟! وهل تحولت الثقافة المصرية في كل أوضاعها إلي تابعة بعد أن كانت رائدة ومتقدمة دائما, رغم كل شيء, إلي أن حلت السبعينيات الساداتية التي واصلها نظام مبارك فوصل بها إلي أقصي درجة من الانحدار الثقافي؟ أسأل هذا, وأنا علي يقين من أن ثروة مصر الحقيقية لاتزال في ميراثها الثقافي, وفي فكر مثقفيها الوطنيين الشرفاء الذي لا يزالوان قابضين علي الجمر حتي تظل شعلة الثقافة المصرية متوهجة لا تطفئها نفايات النفط, ولا ظلاميات المعادين للتنوير والدولة المدنية أيا كانت أزياؤهم, وأخيرا: طفيليو الثورة الذين التصقوا بها كالقراض.
المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.