طالب بعض علماء الدين بتوجيه أموال حج النافلة للشعوب والدول المنكوبة كالصومال وغيرها, وكذلك المساهمة في إعمار ونهضة الدول الاسلامية في حكامها, والتي هددتها الثورات ويعجز اقتصادها عن الصمود أمام الأزمة الراهنة, وقال العلماء انه اذا كانت الدعوة لعدم تكرار الحج بعد الفريضة تطلق في السابق علي سبيل الندب من باب الأفضل, فإنها قد تصل هذا العام إلي درجة الوجوب, لاسيما في ظل ما يمر به العالم اليوم من ظروف ومتغيرات صعبة تستدعي ذلك. من أجل ذلك دعا الدكتور ناصر محمود وهدان أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة قناة السويس, أصحاب الأموال والموسرين إلي أن يتفقهوا في دينهم ويعلموا أن أبواب الخير والثواب كثيرة وليست قصرا علي باب بعينه, كما ينبغي في الوقت نفسه أن يكون المسلم مدركا للواقع الذي حوله, وعلي دراية بفقه الأولويات, ويا حبذا لو استعان المعتزم حج النافلة بعالم دين يسأله عن أوجب الأعمال وأولاها بالنسبة له, كل في حينه ومكانه.. ولو أن ذلك يحدث لما كانت تلك الأعداد الهائلة من حجاج النافلة, لا سيما أن موسم الحج هذا العام يأتي والعالم العربي والإسلامي يمر بظروف تاريخية حرجة تمثل نقطة فارقة في تاريخ كثير من الدول والشعوب العربية وعلي رأسها مصر, لا سيما في ظل ما يطلق عليه ربيع الثورات العربية والتي بدأت بثورة تونس ثم الثورة المصرية(25 يناير), ثم ليبيا واليمن وسوريا, ولا أحد يعلم إلي أين تنتهي تلك الثورات, وما خلفته من اعتصامات واحتجاجات وتدمير لكثير من ممتلكات الدولة, كما شلت عجلة الانتاج وتخسر البلاد والبورصة يوميا المليارات, وما أكثر المنشآت الخدمية التي تحتاج إلي إعادة بناء. والمستشفيات المكتظة بالجرحي ومستشفيات الأورام تحتاج مساعدات مالية طائلة, كل ذلك والبلد جريح لم يتعاف بعد من مرحلة المخاض التي يمر بها, حتي إن بعض قطاعات الدولة تنادي رجال الأعمال الغيورين علي هذا الوطن لمساندته حتي يتعافي. هذا بالاضافة إلي ما تعانيه بعض الدول الاسلامية جراء الصراعات والحروب وعوامل الطبيعة المختلفة, وما خلفته تلك الظروف من فقر وأمراض وباتت تلك الشعوب تستجدي الدواء والغذاء والكساء, وكلنا يتابع يوميا الأزمة الفلسطينية, كما شاهدنا بالأمس القريب أزمة شعب الصومال الشقيق التي أدمت القلوب المتحجرة حيث زهقت أرواح أطفال كثيرة قبل أن تصل إليها شربة ماء أو كسرة خبز. وأضاف د. ناصر وهدان أنه في ظل هذا الواقع الذي لا يغفل عنه أحد, وبالاضافة إلي الأزمات الاقتصادية العالمية التي وقعت فيها كبريات دول العالم, ناهيك عن أزمات الدول المنكوبة ودول الربيع العربي التي ثارت فيها الشعوب علي طغيان الحكام, يجب علي الموسرين أصحاب الأموال الذين اعتادوا أداء الحج نافلة كل عام ويستعدون حاليا لأدائه للمرة الثانية أو الثالثة وربما المرة العاشرة.. وينفقون في سبيل ذلك مبالغ طائلة, لا سيما أن معظمهم يذهبون بالحج السياحي والفاخر.. يجب علي كل مسلم أنعم الله عليه بنعمة المال أن يكفل إخوانه الذين حرمهم الله وابتلاهم, فكفالة هؤلاء أمر واجب وفرض علي الأمة بأسرها, بل من أوجب الواجبات التي ينبغي أن توليها الدول والأفراد اهتمامهم ورعايتهم, وإذا كانت رؤوس الأنظمة مشغولة بما يهددها من اضطرابات سياسية فلا ينبغي أن يشغل ذلك الأفراد, ويحرمهم من إغاثة إخوانهم ومد يد العون لهم. أما الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الفلسفة الاسلامية فأشار إلي أن الذين يذهبون لأداء الحج النافلة ينقسمون إلي عدة أنواع, فمنهم من يحج بنية العبادة والطاعة الصادقة, ومنهم من يكرر الحج للتجارة وملء الفراغ أو التسلية والسياحة.. ونظرا لضخامة أعداد الحجاج هذه الأيام, فإن العلماء كثيرا ما ينصحون بالاكتفاء بالحج مرة واحدة, لإفساح المجال لإخوانهم.. ولنتذكر أن النبي صلي الله عليه وسلم حج مرة واحدة واعتمر أربع مرات.. فمن تاقت نفسه للصلاة في الحرمين الشريفين, له أن يكرر أداء العمرة, وزيارة المسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة.. ولنتذكر أن شدة الزحام لها أضرار وخيمة.. فلطالما هلك عدد كبير من الحجاج عند رمي الجمار بسبب التدافع الشديد وسقوط الضعفاء من الشيوخ والنساء, وقتل عدد كبير في حوادث الطرق, وبسبب الحرائق التي اجتاحت مني وأحرقت الخيام.. ولا شك أن الزحام يجعل تنظيم الحج عسيرا جدا, ولذلك تحدث فوضي بلا حدود أثناء الطواف والسعي, وفي الموانيء والمطارات والمعسكرات.. وهذه الفوضي تسبب متاعب كثيرة للحجاج, خصوصا للشيوخ والنساء, وهي تسيء إلي المسلمين في العالم, ونحن نري التلفاز وهو ينقل الصور في كل مكان, في مكةالمكرمة, وفي مني, وعرفة, وفي الطريق إلي مني وعرفة, وأثناء رمي الجمار وفي كل مكان. وبسبب الزحام من حجاج النافلة يفسد حج بعض الناس, لأنهم يفقدون السيطرة علي انفعالاتهم, فيسبون إخوانهم الحجيج أو يضربونهم أو يدفعونهم بعنف, بدلا من معاونتهم, ومساعدة الضعفاء منهم من النساء والأطفال والشيوخ. والله تعالي يقول الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله.. وفعل الخير يحتم مساعدة الحجيج لا اذاهم وضربهم.. هذا فضلا عما قد يصحب حج النفل المتكرر, حيث نسمع أحيانا نغمة الفخر من البعض حين يقول أحدهم متباهيا: أنا حجيت سبع مرات أو خمس مرات مثلا!! ويضيف د. أحمد عبد الرحمن أنه لهذه الأسباب قرر كثير من العلماء أن الانفاق علي المحتاجين من المسلمين أفضل, وهذا ما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية, ويقوله اليوم كثير من علماء المسلمين.. مشيرا إلي أن العبادات المالية لها ثوابها العظيم في حكم الاسلام, وما أحوج المسلمين اليوم إلي الأموال, لا سيما في ظل المجاعات والحروب والزلازل والأوبئة, بالاضافة إلي الثورات العربية والأزمات الاقتصادية التي استجدت, هذا الثواب والأجر من الله وابتغاء مرضاته التبرع لهذه المصارف المتنوعة بدلا من طلب العون والمساعدات من الدول والمؤسسات الأجنبية.. وقد تكون هناك جمعيات للحج وهي تحتاج للأموال لمساعدة أعضائها علي أداء فريضة الحج.. وكثير من الأمم المسلمة تقاتل الاستعمار حتي الآن, مثل الشعب الفلسطيني وشعب الشيشان وشعب كشمير الذي يجاهد ضد الوثنية وعبادة الأبقار.