جواسيس يرتدون ثياب الوطنية (3) في يناير عام 1962 وصل إيلي كوهين الذي يعد أخطر وأهم جواسيس إسرائيل في القرن العشرين إلي دمشق يحمل اسم كامل أمين ثابت... كانت أوراقه المزيفة بدقة تقول إنه ولد في بيروت لأبوين سوريين ثم هاجرت الأسرة كلها إلي الأرجنتين حيث احترفوا صناعة النسيج وأصبح كامل رجل أعمال ناجحا ومرموقا بين أفراد الجالية السورية في بيونس إيرس عاصمة الأرجنتين لكنه آثر العودة إلي وطنه سوريا. هذا ما قالته الأوراق المزيفة بحرفية عالية يصعب التشكك في صحتها... ولكن الحقيقة التي لم تعلمها المخابرات السورية إلا بعد عدة سنوات كانت مختلفة تماما. لقد اكتشف السوريون- بدعم من المخابرات المصرية- أن كامل أمين ثابت هو في الأصل يهودي يحمل الجنسية المصرية اسمه الحقيقي إلياهو بن شاؤول كوهين واسم الشهرة إيلي كوهين من مواليد عام 1928 بمدينة الإسكندرية ورغم أن أبواه وثلاثة أشقاء له هاجروا إلي إسرائيل عام 1949 فإنه بقي في الإسكندرية ليساعد علي تهجير أكبر عدد ممكن من اليهود المصريين. في عام 1955 تمكن كوهين من مغادرة مصر واللحاق بأسرته في إسرائيل حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز الاستخبارات العسكرية أمان الذي أوفده إلي مصر في مطلع عام 1956 باعتباره مواطنا مصريا عاد إلي بلده ولكن المخابرات المصرية وضعته تحت عيونها منذ لحظة عودته إلي أن تم اعتقاله مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في 29 أكتوبر عام 1956 بعد انتهاء العدوان الثلاثي ضد مصر بالفشل وانسحاب إسرائيل من سيناء أفرجت السلطات المصرية عن كوهين في منتصف عام 1957 وأبعدته إلي خارج البلاد حيث عاد إلي إسرائيل. بعد عودة كوهين إلي إسرائيل عمل محاسبا في بعض الشركات وانقطعت صلته لفترة من الوقت مع جهاز الاستخبارات العسكرية أمان الذي كان وراء طرده من كل عمل يلتحق به حتي يدفعوه إلي معاودة طرق أبواب جهاز أمان الذي كان مدركا أن حاجته الملحة للعمل سوف تقنعه بقبول أية مهام يكلفه بها جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وهو ما تحقق بالفعل! كانت الخطة المعدة لكوهين هدفها إعادة تجنيده للعمل في مصر مرة أخري واستمر تدريبه علي هذه المهمة عدة أشهر ولكن الخطة ما لبثت أن تعدلت ورئي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو سوريا التي كانت تعيش عاصفة من الانقلابات العسكرية ومن ثم تغيرت خطة التدريب لتلائم المهمة الجديدة ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التحدث باللهجة السورية لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: ليس أسوأ ممن يعرف أخطاءه ويعجز عن تصحيحها! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله