لو نجحت المحاولة التي تسعي إلي تعديل قانون مجلس الدولة لكي تصبح المرأة قاضية فيه, فسيكون لها وجهان, وجه سلبي وآخر ايجابي, والأصوب في كل الأحوال الانتظار إلي حين صدور رأي المحكمة الدستورية في الموضوع. فهذا الرأي سيكون حاسما ونهائيا ولن يفتح الباب لأي حديث عن إستخدام الأغلبية لقوتها في البرلمان لكي تعدل القوانين التي لاتريدها علي هواها. (1) هل صحيح أن حل المسألة يكمن في تعديل المادة(104) من أحكام القانون رقم47 لسنة1972 الخاص بمجلس الدولة؟ فالمادة تتحدث عن رجال مجلس الدولة في معرض الإشارة إلي أعضاء المجلس, ويعتقد البعض أن هذا المنطوق هو الذي استندت إليه الجمعية العمومية لمستشاري المجلس في قرارهم برفض تعيين المرأة قاضية فيه. لكن لماذا لم يأخذ السادة المستشارون مثلا بالرأي الذي يقول إن استخدام صفة المذكر في اللغة العربية تنطبق عادة علي النساء والرجال معا؟ وإنها لا تعني استبعاد المرأة؟ وهناك أدلة علي هذا القول في الذكر الحكيم. فمثلا في فاتحة الكتاب ورد اهدنا, الذين أنعمت عليهم, غير المغضوب عليهم, ولا الضالين.. في هذا السياق الاستخدام واضح لصيغة التذكير, فهل معني هذا أن هذه المعاني القرآنية الكريمة لاتنسحب علي النساء! ما أريد أن أقوله إن القصة في اصلها ليست في ورود صيغة رجال مجلس الدولة بل في القيم التي يحكم بها الإنسان علي المجتمع من حوله. فإذا كانت هذه القيم تتحيز ضد المرأة فإنه يسارع إلي تصيد بعض الألفاظ التي تؤيد وجهة نظره, أما إذا كان الإنسان بريئا من هذا التحيز ومتحررا منه, فإن وجود هذا اللفظ في القانون لن يمنعه من أن يعطي المرأة حقها. (2) أما الجانب الايجابي في التعديل المقترح, فهو يشير إلي استبعاد اللفظ الذي يتحجج به البعض لكي يقف في وجه تعيين المرأة في مجلس الدولة, ولا جدال في أن وجود صياغات قانونية قاطعة, دقيقة, واضحة المعني بدون أي لبس أو غموض هو أمر جيد. والمنطق يقول: ما دمنا نستطيع أن نصيغ قوانين محكمة الألفاظ, دقيقة المعني, فلماذا لا نفعل ذلك, ولماذا نستعين مثلا بنصوص قانونية جري وضعها منذ عشرات السنين؟ ونظل نعتمد علي التأويل والتفسير لكي نعمل بها؟ خصوصا أنه من الوارد جدا أن يظهر بيننا من يكون أكثر ميلا الي الالتزام بظاهر اللفظ, فاذا تحدث عن رجال قال إن الرجال هم المعنيون بالأمر, لأن المشرع كان يستطيع ان يتحدث عن الرجال والنساء, ومادام لم يفعل هذا فلاشك انه قصد ذلك. وبمثل هذه الصياغات الدقيقة, نستطيع أن نتجنب خطر التحيز ضد جماعة من المجتمع, أو فئة, فحتي لو جاء يوم, وكانت فيه الأغلبية لمن يعارض حقوق المرأة في الوصول إلي أي منصب في الدولة وليس فقط مجلس الدولة.. فان الصياغات الدقيقة ستمنع حدوث هذا إلا إذا استخدمت هذه الفئة اغلبيتها في تغيير النصوص القانونية. (3) هكذا نصل الي الجانب السلبي في الموضوع.. فتغيير القانون عن طريق التقدم بتعديل له ثم تمريره بسرعة مثلا عبر مجلسي الشوري والشعب, يمكن ان يعتبر في عيون الناس علي انه نموذج جديد علي نمط التغيير من أعلي وهو نمط أضر المجتمع أكثر مما أفاده. إذ يتم حرمان المجتمع من دخول معركة حقيقية هو في حاجة اليها لكي يسيتيقظ ويصبح اكثر استنارة وادراكا لحقوقه ويمارس فيها متعة النصر علي خصوم المرأة في معركة حرة بعيدة عن أي وصاية من أي جهه وبذلك سيكون أمامنا نص قانوني لم يسع اليه الناس ولم يقاتلوا في سبيله وبذلك يصبح بلا قيمة. نقطة اخيرة مهمة: لسوف يستخدم خصوم المرأة في أن تصبح قاضية بمجلس الدولة هذا الاقتراح للصراخ بأعلي صوت وهم يقولون ان التعديل هو تجاوز في حق مستشاري مجلس الدولة أو عدوان علي استقلالهم وحقهم في ان يكون لهم رأي خاص بهم في قضية عمل المرأة. وعلي كل حال فمن الأفضل كثيرا الانتظار حتي ترد المحكمة الدستورية علي طلب الدكتور نظيف رئيس الوزراء لكي توضح هل يحق للجمعية العمومية لمجلس الدولة أن ترفض عمل المرأة قاضية, بالمجلس؟ ساعتها, واذا قالت المحكمة ان موقف الجمعية العمومية للمجلس خطأ وغير دستوري فيكون قد سقط عنه أي غطاء قانوني, ووقتها قد لا تكون هناك حاجة لاي تعديل قانوني, أو سوف يكون هذا التعديل أكثر اتفاقا مع رأي المحكمة الدستورية.. وهي الجهة التي لا يعلي عليها, والتي يتعين علي الجميع أن يلتزموا بقضائها علي الارض في مصر.[email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن