كنا نجلس في انتظار أن يكتمل عددنا نحن أعضاء لجنة تزويد المكتبات في مبني وزارة التربية والتعليم حتي نلتقي بالوزير الدكتور أحمد جمال الدين موسي الذي كان يصر علي لقائنا والتحدث معنا. ففوجئت برجل قصير بعض الشيء لكنه سمين, ويرتدي ملابس بسيطة لكن أنيقة وبتواضع شديد سلم علي الحاضرين ثم جاء وجلس بجواري. لم أكن في حاجة إلي أن اسأله عن اسمه فقد أغنتني صوره التي كانت تصدر في الصحف السيارة وقلت في قلب فرح: أنت الأستاذ خيري شلبي! انه لشرف عظيم أن أجلس بجوارك! وبعد مجاملات سريعة قلت كان بودي أن التقيك منذ فترة وأسألك: كيف تكتب وسط المقابر؟ صحيح إننا في مصر نختلف عن الشعوب الأخري في أننا نبني بعض المقابر كالأهرامات, ويسكن بعضنا داخل المدافن, لكن أن يكتب رجل أنيق في ملابسه وكتاباته مثلك وسط المقابر فهذا لعمري ما لم أكن أتوقعه؟ فقال الرجل في هدوء, اشتهر به: انني أجلس علي مقهي مواجه للمقابر.. لذلك يحلو للبعض أن يسمني بالرجل الذي يكتب فوق الأضرحة.. لكن أرجو أن تعتقد أنني لم أكتب فوق الأضرحة قط اللهم إلا لزوم التصوير الصحفي عندما جاءني شاب وطلب مني أن يلتقط بعض الصور داخل المقابر المجاورة. لكن صدقني لم أكتب حرفا واحدا بعيدا عن مقهاي المفضل والقريب من المقابر. لم أكن في حاجة إلي أن أكذب الرجل فقد قال لي ما كنت أتوق لسماعه منه. ثم فتحنا جميعا موضوع القراءة فأسهب خيري شلبي في الحديث عن الكتب الأولي التي قرأها والمدرسين الذين كانوا ينصحونه بالقراءة والمكتبات التي كان ولازال يتردد عليها.. وكنا نستمع إليه وكان علي رؤوسنا الطير خصوصا عندما أوصي بان تشتمل الكتب علي دراسات عربية تكون في متناول أيدي الجميع ونستمع للوزير عندما قال أنه كان سعيدا بالتقريظ الذي حصل عليه بحثه عن أبي القاسم الشابي. باختصار لم يحضر خيري شلبي هذه اللجنة سوي مرة واحدة ثم اختطفه الموت من بيننا لكنه بأدبه الذي نحن في حاجة اليه ورواياته الأولي والاخيرة التي وضعها سيظل باقيا ويحطم مقولة أن الأدب العربي لم يعرف قط سوي طه حسين أو العقاد أو يحيي حقي. ألا رحم الله خيري شلبي جزءا وما قدم لأمته العربية من قلمه وفكره وأدبه الكثر والنافع والأبدي.