منذ اندلعت ثورة25 يناير وحتي الآن, بلغت حالات التعدي علي الأرض الزراعية أكثر من165ألف حالة, كما أعلن أحد الخبراء أن مصر تخسر كل ساعة ما يقرب من خمسة أفدنه. هذه الكارثة التي لا أجد الوصف المناسب لها, أصبح من المستحيل التصدي لها من أجل القضاء علي هذه التعديات. وبالأرقام, فإن كل حالة تعد تحتاج إلي عشرة أفراد من رجال السلطة من أجل استخلاصها من براثن الكتل الأسمنتية, ومن أيدي المعتدين الذين استغلوا حالة الغيبوبة التي تعيش فيها السلطة منذ اندلاع الثورة وحالة العجز المزري التي تسود في أوساط المسئولين. وإذا ما ضربنا رقم حالات التعدي في عدد الأفراد المطلوب فسنعرف أن الأمر يتطلب مليونا و650 ألف فرد, وهذا هو المستحيل. وإذا ما أضفنا إلي ذلك انتشار حالات التعدي في أرجاء المحروسة وعدم توافر الامكانيات. فسنتأكد أن الكارثة تتطلب حلولا بعيدا عن القوانين الحالية. وتتطلب قبضة قوية قادرة علي استخلاص هذه المساحة الهائلة من أيدي المعتدين بمصادرتها وفرض عقوبات صارمة علي كل معتد. وهنا يجب أن ندرك أن هذه الأرض السوداء التي تعد قوام الوادي والدلتا, والعمود الفقري للتقدم والرخاء طوال تاريخها القديم والمعاصر هي الثمرة الرائعة لعشرات الآلاف من الفيضانات وتوالي ترسيب الطمي عاما بعد عام, ومثل هذه الثروةالمصرية هي ملك لمصر أولا وملك لمالكها الحالي, ومثل هذا الوضع يفرض علي المالك الحالي ألا يتصرف فيها رغم أنها ملكه تصرفا يسيء أو يؤثر علي ملكية مصر لها, وأعني أنه ليس من حقه تجريف أي مساحة من الأرض تحت أي مبرر, والأهم ليس من حقه الاعتداء عليها بالبناء بالمخالفة للقوانين المنظمة لذلك, والأمر الأخطر أن التعدي علي هذه الأرض يحرم مصر من أرضها الخصبة المنتجة, ويؤثر علي الانتاج الزراعي تأثيرا سلبيا ومدمرا, خاصة أن عدد السكان قد تجاوز ال80مليونا, ويلقي عبئا هائلا علي موارد الدولة لاضطرارها إلي زيادة حجم الاستيراد لتلبية احتياجات الناس. ولو استمرت التعديات بهذا المعدل في ظل هذه الغيبوبة السلطوية التي طال أمدها ستخسر مصر أرضها السوداء, فالأهالي الذين يبحثون عن حلول لاسكان أبنائهم وبناتهم لايفكرون في مصر ولا في أهمية هذه الأرض لها, فكل ما يعنيهم هو بناء المساكن والبيوت التي يحتاجونها, والآن, لأنهم إذا لم يستغلوا هذه الفرصة, فستضيع عليهم إمكانية التوسع في البناء لحل مشاكلهم الأسرية أو حتي الاستثمارية. وكان الحفاظ علي هذه الأرض يتم بقوة السلطة وقدرتها علي فرض إرادتها. وكان الناس في المقابل يحاولون الالتفاف حول القوانين والقرارات باستغلال نواب البرلمان وأصحاب النفوذ, خاصة خلال مواسم الانتخابات, وبجانب ذلك هناك مئات من حالات وضع يد بالقوة علي أملاك الدولة واحتلال آلاف الشقق بالقوة. وهذه الكارثة ليست الكارثة الوحيدة التي تعيشها مصر الآن, فهناك الآن خارج السجون أكثر من ثمانية آلاف مجرم من بين الذين خرجوا من السجون يوم28يناير الماضي, وكان الرقم قد تجاوز24 ألفا, ولكن الجهود التي تم بذلها أسفرت عن إعادة16ألفا. والذين خرجوا من السجون تمكنوا من الاستيلاء علي أكبر كمية من أسلحة الشرطة. وبجانب هؤلاء هناك الآلاف الذين تم إخراجهم من أقسام الشرطة التي هوجمت في هذه الليلة والتي بلغ عددها99, وبعد أيام ارتفع الرقم إلي120قسم شرطة. هؤلاء المجرمون ينشرون الفزع في أنحاء مصر ويروعون الناس في ظل عجز أو شلل الشرطة بعد كل ما تعرضت له. وإذا ما توقفنا قليلا أمام هجوم أكثر من مائتي ملثم علي قسم شرطة العريش, واستمرار المعركة لنحو تسع ساعات, ولو أضفنا إلي ذلك كل عمليات الهجوم الارهابية علي أقسام الشرطة في سيناء وخطوط أنابيب الغاز, وقطع الطرق والتعرض للدوريات, فإننا أمام محنة صعبة, فزمام الأمور يفلت في سيناء. إننا امام اطراف مصرة علي زعزعة الاستقرار في سيناء, وهناك عمليات استفزاز متصلة. والذي لاشك فيه أن المسئولين يعرفون هذه القوي التي تتآمر علي مصر وسيادتها, ويعرفون الأهداف التي تسعي اليها, ويبقي السؤال, ولماذا لايكون التحرك بقدر المتوافر من المعلومات؟ وكما يعرف الجميع, فأن البورصة تتعرض لخسائر هائلة وبشكل مستمر, واذا ما حققت مكاسب اليوم, فأنها تحقق خسائر لأيام متتالية. ومع كل اعتصام او انقسام او احتشاد هنا او هناك, ومع كل صدام بين القوي المختلفة, تتضاعف الخسائر. أما الاقتصاد الذي يعاني تراجع أرقام الانتاج والصادرات والاستثمارات فيعد كارثة أخري. ويبدو أن السلطة مكسوفة من اعلان الحالة المتردية للانتاج والاستثمارات, والكذب هو سيد الموقف والمفجع أن هناك من لايبالون بالوضع الاقتصادي, وينشرون أن تحقيق أهداف الثورة كاملة, سيكون بداية نهضة اقتصادية شاملة ترتفع بمصر الي آفاق لم يسبق أن يلغتها من قبل, ولكن لايقولون لنا من أين ستتدفق الاستثمارات علي مصر؟ وكيف؟ او يخبروننا بموعد دوران عجلة الانتاج بكامل طاقتها؟ وامام أرقام الأموال التي تخرج من مصر, يحق لنا أن نتساءل, هل يمكن أن تعود هذه الأموال مرة أخري؟.. إن عودة الأموال وعودة الاستثمارات ودوران عجلة الانتاج واستقرار الأوضاع في البورصة لن يتحقق إلا اذا استقرت الأوضاع في مصر. ولكن ليس هناك خبير أو عالم أو سياسي يمكنه أن يتنبأ بموعد تحقق هذا الاستقرار, فالمجتمع السياسي في حالة فوران. وفي مثل هذه الحالة يصعب التنبؤ بالمستقبل, أو حتي بالحاضر. وأقل مايوصف به مثل هذا هو انتشار الفوضي, فالجرائم من الاعتداء علي الأراضي الزراعية إلي الاعتداء علي البشر وممتلكاتهم وقطع الطرق وشل حركة المواصلات وقطع خطوط السكك الحديدية بحيث أصبح في استطاعة أي مجموعة غاضبة أو ساخطة الخروج إلي الطريق وقطعه وإحراق السيارات وقتل من يعترض طريقهم.. وعلينا ألا ننسي أن عمليات القتل تضمنت سلخ جلد مواطن والقاء ضباط أمن الدولة بالاسكندرية من الدور الرابع وقتل بعض الضباط سواء في اقسام الشرطة او في السجون بالسيوف وتمزيق أجسادهم, ويبقي أن المناخ الذي يفلت فيه المجرم بجريمته, ويمضي بدون عقاب, هو الفوضي, وهذه الفوضي تشجع علي المزيد من الفوضي. لقد أفلت الذين تعدوا علي الأرض الزراعية من الجرائم التي ارتكبوها حتي الآن, واذا كانت الدولة تلقي القبض علي عشرات البلطجية والمجرمين يوميا فإن المئات لاتطولهم يد السلطة, والذين قطعوا المواصلات والسكك الحديدية بقنا وغيرها أفلتوا من العقاب بأذن المسئولين الكبار, والذين هاجموا9 سجون و120قسم شرطة و38 نيابة وثلث عدد المحاكم وقتلوا المئات وساعدوا علي تهريب مجرمي حزب الله ومنظمة حماس والجماعات الدينية واخرجوا أكثر من24ألف مجرم الي الشوارع واهانوا الكبرياء المصرية أفلتوا بجرائمهم, بل لم يقل لنا مسئول:, من هم؟ ومن أين أتوا؟ ومن شاركهم في التخطيط والاستعداد والتنفيذ بالرغم من مرور أكثر من نصف العام؟ واذا لم يكن كل ذلك هو الفوضي, وهو النذير بما يمكن أن تعيشه مصر غدا, فما هي الفوضي أذن؟! المزيد من مقالات عبده مباشر