سراي الحقانية أو مبني المحكمة الحقانية ليس مجرد مبني خرساني أو قاعة محاكمات عادية ولكنه رمز للعدالة التي حاول حكام الأسرة العلوية أن يرسوا قواعدها وهو جزء لا يتجزأ من تراث المدينة المعماري والحضاري. وقد أنشئ المبني عام1886 ليكون قصرا للحق والعدالة وليعمل كمحكمة مختلطة للقضاء علي المحاكم القنصلية.. هذا القصر الذي كان علامة مضيئة للمدينة متعددة الثقافات يقف حاليا في مكانه بميدان المنشية متداعيا يوشك علي الانهيار.. يصرخ ويشكو من الإهمال واللامبالاة حتي بدأت أحجاره تتساقط وكل حجر يسقط يحكي جزءا من تاريخ القضاء في مصر كلها.. كانت المفاجأة حينما أطلق الدكتور محمد عبد المقصود أمين عام المجلس الأعلي للآثار السابق صرخة تحذير من خطورة انهيار مبني سراي الحقانية في أي لحظة خاصة بعد توقف العمل في مشروع درء الخطورة بسبب احتياج المشروع لنحو40 مليون جنيه وهو المبلغ الذي لم يعد متوافرا في الآثار بسبب سوء الأحوال الاقتصادية, وأكد عبد المقصود أن المبني آيل للسقوط فعلا ومعرض للانهيار في أي لحظة بعد سقوط بعض الأحجار داخل إحدي القاعات وهناك خطورة حقيقية علي أرواح المتعاملين معه, وأكد سوء حالة البدروم بسبب المياه الجوفية مما يستلزم تدخلا عاجلا وتوفير سيولة مالية للمشروع, و أضاف عبد المقصود أن حماية هذا المبني كانت علي رأس اهتماماته وقد تم مخاطبة المستشار محمد عبد العزيز الجندي. وزير العدل بهذا الشأن ولكن هذا المشروع لم يخرج الي النور. ويقول الأثري أحمد عبد الفتاح إن مبني سراي الحقانية ذو طراز إيطالي ويرجع لعصر الخديو توفيق وهو من أقدم المباني التي أقيمت كمحاكم مصرية وعمل كمحكمة مختلطة للفصل بين المصريين والأجانب في محاولة للقضاء علي المحاكم القنصلية الظالمة وقد احتفل الخديو إسماعيل بافتتاح المحاكم المختلطة في سراي رأس التين بالإسكندرية يوم28 يونيه1875, وقال إني واثق من أنه بعناية الله وحسن توفيقه سيكون مستقبل هذه المحاكم وطيد الأركان وبعدها ب11 عاما تم افتتاح سرايا الحقانية ولكن ما لم يتصوره الخديو إسماعيل أن تمتد يد الإهمال للمبني وتتوالي عليه الكوارث بدءا من الإهمال مرورا بالحرائق وإنتهاء بالانهيار.. ويؤكد عبد الفتاح أن سراي الحقانية تضم العديد من المقتنيات النادرة ومنها تمثال نصفي للخديو عباس حلمي الثاني ولوحة زيتية نادرة للفنان العالمي تروجية قدرت بنحو75 مليون جنية وأكثر من1200 مخطوطة نادرة تحكي تاريخ القضاء المصري, وتقول المهندسة أميرة أبوبكر مدير عام ترميم آثار الإسكندرية ان القصة بدأت في عام1002 عندما كان المستشار عبد السلام تمراز المسئول عن المكتب الفني والمتابعة لمحكمة استئناف الإسكندرية يقوم بعملية أرشفة لقضايا المحكمة فعثر في بدروم المحكمة علي كنز يضم ملفات وسجلات تؤرخ للقضاء المصري والمختلط منذ إنشاء سراي الحقانية6881 وحتي5491 ومن أهمها فرمانات تعود للأسرة العلوية, ومجموعة من الأختام ولائحة القضاء المختلط وسجلات لأشهر القضايا مثل حادث دنشواي وقضية ريا وسكينة وسفاح الإسكندرية ونماذج لتوقيعات حكام المماليك جمعها الملك فؤاد ومجموعة من القطع الفنية النادرة, مثل السيوف والميزان رمز العدالة, وخاتم الملك فؤاد وساعات قديمة نادرة و50 لوحة لحكام مصر من الأسرة العلوية أبرزهم الملك فاروق وأعضاء ورؤساء المحاكم المختلطة ومنها صورة جون جاكسون أول رئيس لمحكمة الاستئناف والمحكمة المختلطة والرئيس التالي موريس بيليه من عام1894 حتي عام.1902 وعلي الفور قامت الآثار بتشكيل لجنة لفحص هذا الكنز الذي تبينت قيمته الأثرية الكبيرة وصدر قرار وزير الثقافة الأسبق بضم مبني سراي الحقانية الي قائمة المباني الأثرية وإنشاء متحف الحقانية.