ثمن الحماقات ما أسهل ارتكاب الحماقات, وما أفدح الثمن المتعين دفعه بسببها, ومن أسف أن مصر الثورة تعيش لحظة خانقة من الحماقات, التي لا يفكر مرتكبوها ولو لثانية واحدة في الفاتورة المفروض علي الشعب المصري تسديدها, فغواية الوقوع فيها الحماقات تكون في الغالب أقوي وأشد من فضيلة التفكير في عواقبها ومآسيها علي البلاد والعباد. أخر تلك الحماقات كان الاقتحام غير المبرر للسفارة الإسرائيلية, ثم مهاجمة مديرية أمن الجيزة ومبني وزارة الداخلية في لاظوغلي, كل هذا تم علي يد عناصر مشبوهة متذرعة بالحماسة الثورية, لبيان أن دم جنودنا الذين قتلهم الإسرائيليون في سيناء ليس رخيصا, وانه علي إسرائيل دفع الثمن. وانتهي بنا الحال أننا من سيدفع الثمن وليس تل أبيب, فمصر في الدوائر العالمية صورت كبلد ينتهك الأعراف والمواثيق الدولية وغير قادر علي حماية البعثات الدبلوماسية علي أرضه, وأن الفوضي تنتشر وتتغلغل, وأن الدولة المصرية تفقد هيبتها, بعد أن أفلت الزمام منها. المحصلة حملة تشويه لسمعة ثورة الخامس والعشرين في الصحافة العالمية, وظهور إسرائيل كضحية بريئة, وعوضا عن السعي لتدعيم مطالبتنا باعتذار إسرائيلي عن قتل جنودنا, أصبحنا في موقف الباحث عن مبرر لتصرفات ثلة من المغامرين المتعطشين لبطولة زائفة. الأبشع أنها ربما تفقد ثورتنا التعاطف الدولي معها, وهو معني صارحنا به وزير الخارجية الايطالية فرانكو فرايتني, الذي كتب في مدونته: أن الصور القادمة من القاهرة تثير خيبة أمل كبيرة لكل الذين أشادوا ولا يزالون بالربيع العربي باعتباره انتقالا حاسما نحو سيادة الحرية. كلام فريتني لا يحتاج لشرح مستفيض, فهو واضح وضوح الشمس, والنتيجة المباشرة إحجام المستثمرين الأجانب عن القدوم لمصر, لحين جلاء الغمة, بناء عليه سيبقي اقتصادنا الوطني رهينة الأزمة لوقت أطول. ثم هل جهاز مناعتنا قوي بدرجة تؤهله لمحاربة إسرائيل سياسيا الآن؟ الجزء الآخر من ثمن حماقات الجمعة الماضية وما تلاها تواصل الانفلات الأمني, فرجل الشرطة المتهم بالتقاعس كيف سيعمل وهو يهان صباح مساء ويحس بان كرامته مبعثرة ويعتدي عليه في موقع عمله؟ أيضا خسارة أموال الشعب, فما احرق من سيارات للشرطة ومنشآت عامة دفع ثمنها من عرق وكد المواطنين وتعويضها سيكلف الخزانة الكثير. أما عن الحماقات السياسية والإعلامية فتحدث براحتك عن ثمنها المدفوع آنيا وعاجلا, فمثلا هذا مرشح محتمل للرئاسة من التيار الديني طالب بمواجهة المجلس العسكري, الذي اتهمه بتدبير أحداث السفارة الإسرائيلية, فهل هذا منطق, أفرغنا ياشيخنا من حل كل مشاكلنا ولم يبق سوي الدخول في حرب ضد المجلس؟ بالله عليكم أنقذوا وارحموا مصر من تحمل ثمن حماقاتنا. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي