يليق برضوي عاشور أن يصدر الجزء الثاني من سيرتها الذاتية «الصرخة» في ذكري ميلادها وليس في ذكري رحيلها .البكاء والنحيب والعويل لا يليق برضوي عاشور مطلقا، وليس هذا معناه أن أصدقاءها وقراءها ومحبيها وتلاميذها لم يتألموا بسبب رحيلها الذي كان معروفا للجميع، ولرضوي أيضا، أنه اقترب، لكن رضوي تظل أكبر من العويل والنحيب، وماتركته من روايات ومجموعات قصصية (عشرة أعمال، فضلا عن ثلاثة كتب في السيرة الذاتية، وستة دراسات نقدية، إلي جانب ترجماتها) يعني أنها سوف تعيش معنا حتي لو كنا فقدناها فعلا. وإذا كانت الراحلة قد تناولت سيرتها الذاتية علي مدي ثلاثة أعمال، فيمكن اعتبارالأول "الرحلة" الصادر عام 1983 مقصورا علي رحلتها الي الولاياتالمتحدة لإعداد رسالتها للدكتوراه، أما "أثقل من رضوي "الصادر عام2013 ثم الجزء الثاني "الصرخة" الصادر في ذكري ميلادها خلال هذا الشهر فهما كتاب واحد، سبيكة محكمة متماسكة مضفورة برهافة نادرة لرحلة منازلة المرض وإلحاق الهزيمة به، حتي لو كان قد غافلها في نهاية الأمر بجُبن ودون مواجهة حقيقية. سبيكة لآلام ولادة الثورة المصرية وانتصارها ثم هزيمتها، إلا أن الصفحات الأخيرة تلمس من بعيد أطفالا يولدون وتقو م نوارة نجم بإرضاعهم جميعا وسوف يشبّون ويعودون مرة أخري، يدافعون عن الكرامة التي انتهكت وعن الحرية التي غاب من أجل الدفاع عنها وعن العدل والعيش زهور وزهرات هذا البلد، حتي لو كانت كل هذه المعاني قد هُزمت، إلا أن الكاتبة تملك ذلك اليقين بأن الهزيمة مؤقتة، وليس غريبا أن يكون هذا المشهد هو ختام الجدارية الشاهقة التي شيّدتها للثورة والمرض، وصبية الألتراس، وصعود أحمد الشحات أعلي البناية التي تحتلها إسرائيل وإنزاله العَلَم، عن الجدران العازلة الضخمة التي يتم تغطيتها كاملة بعد لحظات من إقامتها برسوم الجرافيتي، وعن مذابح محمد محمود 1و2 و3، وعن مجزرة ماسبيرو ومشرحة زينهم، عن هجوم قوات الأمن علي المستشفيات الميدانية والاعتداء علي الأطباء والمرضي علي السواء، عن طارق معوض ومايكل كرارة حاملي العلم في الصفوف الأولي، عن مالك عدلي الذي فقد إحدي عينيه علي يد قناص ومدوناته عما جري في مشرحة زينهم، وهو نفسه مالك عدلي الذي نراه مثلا في صفحة 174 من الجزء الثاني "الصرخة "وهو يحتفل مع أصدقائه الذين واجهوا الموت معا ايام الثورة، يحتفل مع زوجته أسماء علي بسبوع ابنتهما البكر بعد أن أجّلاه ثلاثة أشهر حتي يخرج صديقهما علاء عبد الفتاح من السجن ويحتفلون معا. لامجاز هنا ولاتحليق في السديم، إنه واقع حقيقي يشي بأن الثورة لن تموت. والحديث موصول. النحيب والعويل لا يليق برضوي عاشور مطلقا، وليس هذا معناه أن أصدقاءها وقراءها ومحبيها وتلاميذها لم يتألموا بسبب رحيلها