الحزن الكبير الذي اجتاح كل من يعرفها. وكل من قرأ لها كتابا أو تعلق بمرثياتها للأندلس في ثلاثية غرناطة.أو كل من تعلم منها شيئا في حرم الجامعة.. ذلك الحزن الكبير الذي ملأ قلوب محبيها يليق بها وأكثر..فقد د. رضوي عاشور أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس. والكاتبة والروائية هو أكبر من اي فقد واكثر إيلاما من أي حزن..وداعا صاحبة المواقف المشرفة. والكتابة الجميلة. والثراء الإنساني. والمحبة التي تغمر كل محبيك وقرائك وطلابك.. الروائية رباب كساب.. مات الكلام معك يا رضوي. أتعرفين كنت في الفترة الأخيرة أود زيارتك لكن لم تهيئ لي الظروف ذلك. حل عليِّ الصمت والدموع فلم أتمكن من قول أي شيء سوي مات الكلام معك يا رضوي. بقيت لي ابتسامتك ورقتك وآخر مرة التقيت بك في الميدان. ذهبت إليك حين رأيتك عند مجمع التحرير. كم كنت رقيقة ودودة. بعينيك قوة وأمل يعكسان صلابتك. ثورتك. إيمانك. بقي لي حرفك الذي أمتعني أيما امتاع. فأنت ساحرتي التي تركتك تمارسين عليِّ سحرك دون رغبة في الفرار. أو الفكاك من أسر حروفك. أنت تكتبين وأشعر بك تُسكنيني طيات حروفك بلا مشقة. جعلتيني أشاهد وأعي وأعرف وأفهم أبطالك وأحس مشاعرهم وأحيانا أبكي معهم وعليهم. حين شاهدتك في أحد البرامج تتحدثين عن طريقتك في الكتابة قلت في نفسي إن كانت رضوي تفعل ما أفعل فلن أضل. أنت صنعت محبتك بداخلنا وتأكدت من ذلك حين قرأت ما كتبه ولدك تميم عنك "الحب في قلبها والحرب خيط مضفور". رحمك الله وأسكنك فسيح جناته. الكاتبة رضوي أسامة.. أحمل اسمك ربما الآن فقط بإمكانك أن تدركي أني أحمل إسمك. أسماني أبي رضوي. منذ أعوام قررت قراءة جميع كتبك. أصابتني رغبة محمومة في قراءة كل أعمالك. كلما انتهيت من رواية دفعني الشغف إلي قراءة الأخري. عندما وصلت للطنطورية منذ أربع سنوات تقريبا شعرت بالاكتمال. شيء ما داخلي كان يبحث عن جذورة . كانت تمتد يد دافئة داخل روحي لتصل جذوري ببعضها. وعندما أصدرت روايتك الأخيرة ¢أثقل من رضوي ¢ قطعت مسافة طويلة من شقتي في أكتوبر إلي مكتبة الشروق بسيتي ستارز لأشتريها في اليوم الأول لصدورها. ربما الآن بإمكانك أن تدركي أنني كنت أسعد إنسانة في الدنيا لمجرد الحصول علي روايتك قبل الكثيرين. أدركت وقتها كلماتك في رواية "فرج" عادة ما أشعر أني خفيفة قادرة علي أن أطير وأنا مستقرة في مقعد أقرأ رواية ممتعة. حين أشعر بنفسي ثقيلة أعرف أني علي مشارف نوبة جديدة من الاكتئاب. كنت أعرف أنني علي أبواب الفرح وأنا أقرأ روايتك. كانت روحي خفيفة وهي تتصاعد مع إيقاع كلماتك.. حبيبتي رضوي أعرف أنك صعدت إلي السماء. لكني مدركة أن الكتاب والشعراء لا يصعدون إلي أعلي. دوما يظلون بيننا. عندما عرفت بمرضك الأخير أحضرت جميع كتبك بجواري. كنت أعرف أنك لن تصعدي ما دامت كتبك هنا. أستاذتي رضوي أعرف أنك ما دمت اخترت ذلك العالم الآخر. فاسمحي لي ببضع دقائق كلما سنحت لك الفرصة لتطلي فيها علي امرأة أحبت كلماتك وحملتها في روحها لتنبت جذور جديدة وتشرق روحها. القاصة دينا يسري "سآتي إليكِ وبيدي مريمة" .. من منَّا لم يهب الموت. الفقد. الوحشة. الآن أدرك مريد الإنسان وتميم الابن أن الملاك التي كانت تخبئهم تحت جناحيها من خيبات الحياة قد رحلت. وأن الشجرة التي كانت تظلل عليهما في أحلك الأيام وتنزل عليهما رطباً قد ولت.. أما أنا فأدرك حجم خسارتي..دون سلام فعلتها رضوي وأنا كان علي طرف لساني أن أحدث اللة مناجية ¢يارب اشف كل مريض ومن بينهم رضوي عاشور¢ تراني تأخرت في الدعاء لذلك رحلت. أنا أقمت في القاهرة علي أمل لقائك ذات يوم لكنني أيضاً تأخرت وأنت أبكرت الرحيل وما من عودة. لم أعرفك عن قرب ولم يسعني الحظ لحضور إحد لقاءاتك. ولكنني عرفتك من خلال رواياتك وأرائك المناصرة للحق. وقعت في غرام أبطال ¢ثلاثية غرناطة¢ روايتك المفضلة لي علي الإطلاق تلك التي أجريت قرعة من أجل الانتهاء منها أو الذهاب لعرس صديقتي. فانتصرت ¢مريمة¢. يا رضوي كم أحببت عائلتك الصغيرة وكم أشتهيت أن أسير علي خطاكِ وكم بئست لفقدان أحد ضلوع المثلث. يا رضوي لو شاهدتِ قدر المحبة التي يكنها لكِ قراؤكِ تلك المحبة التي أعرف أنها لن تدعك وحيدة في عالمك الآخر لفضلتِ البقاء. من قلبي أضيء لكِ الشموع وأصلي وأدعو أن تكوني بخير وأعلم أنه في اللحظة التي سأشتاق لكِ فيها سأجلس فيها بجوار ¢مريمة¢ ونذكرك. القاصة ضحي عاصي: "في الأصل كانت الحرية" هذا الفضاء الانساني الرحب في عالمها الروائي والذي جعل كتابات رضوي عاشوربعيدة عن النزعة النسوية فلا يمكن تصنيف كتاباتها كفيمنست فان تجربة رضوي عاشور الانسانية الخاصة والسياسية وتنوع دراستها وعوالمها وخبرتها الاكاديمية في مجالات النقد الادبي والترجمة والثقافة جعلت منها كاتبة تبحث عن الحرية في نطاقها الاوسع والأعم حرية الاوطان وحرية الانسان في وطنه. اكثر ما يدهشني في كتاباتها هو سهولة الانتقال بين الخاص والعام بين الفردي والشمولي هذا المزج الرائع بين الفرد والوطن بين الوطن الجغرافي والوطن الانساني ونري هذا بوضوح في روايتها الطنطورية حيث تعرض القضية الفلسطينية من خلال حياة هذة السيدة الفلسطنية في مدن الشتات. الرصيد المعرفي الوافر والخبرة الانسانية التي امتلكتهما رضوي عاشور جعلت كتاباتها شديدة الواقعية مسطرة بلغة انسانية عميقة ناعمة. اما انا بشكل شخصي تربطني برضوي عاشور قصة لايعلمها احد كنت اتحدث في يوم ما مع احد اصدقائي المولعين بالقراءة قلت لة كم كنت اتمني ان اكون كاتبة ولكن الحياة اخذتني العمل السياحة الترجمة سألني صديقي وماذا يمنعك ان تبدئي ضحكت بحسرة قائلة انا في منتصف الثلاثينات من عمري وليس لي اي علاقة بهذا العالم نظر الي قائلا هل تسمعين عن رضوي عاشور اجبتة بالتاكيد نعم اجابني هل تعلمين انها لم تبدأ مشوارها الابداعي الا في منتصف الثلاثينات. جهزي بعض كتابتك وساعرفك ببعض دور النشر سيقيمون اعمالك واذا كانت جيدة سينشرونها ثم استطرد ضاحكا حتي اسمك يشبة اسمها تشجعي وان شاء اللة ستكونين مثل رضوي عاشور. لقد كررت هذة الجملة عشرات المرات.. رضوي عاشور لم تبدأ مشوارها الابداعي الا في منتصف الثلاثينات ¢مع كل سيدة كانت تحكي لي عن حلمها الذي نسيته احيانا مع الاسرة وتربية الاولاد والعمل وكان لهذة الجملة تاثير سحري عليهن وبعضهن فعلا لهن اصدارات رضوي عاشور كاتبة الرقي والانسانية والتحرر الوطني ايضا كانت قدوة وحافزا ومثلا لكثيرات ممن تملك منهم حلم الكتابة وعلي رأسهم انا. القاصة أسما عواد "وداعا رضوي عاشور" أول لقاء لي معك كان مع ثلاثية غرناطة.. كانت مفاجأة وصدمة لم أعشها في حياتي سوي مرتين أولهما بعد قراءتي لأعمال الروائي الكبير عبد الرحم منيف وأنا في الثامنة عشر عندما استغرقت في البكاء سبعة أيام متتالية نتيجة اكتشافي لواقع لم أتصور أننا نعيشه.. والثانية عندما بكيت لأربعة أيام متتالية بعد قراءتي لثلاثية غرناطة... تحولت مع لغتها الكاشفة إلي جزء من الحدث وتفاعلت مع مشاعر الشخصيات فأحسست بالظلم واليأس والاضطهاد وبكيت عدم حيلتي. قرأتها منذ أحد عشر عاما ولا زلت أذكر أحداثها. القشتاليين وما فرضوة علي مجتمع غرناطة من طقوس لمسح هويتهم المسلمة. تتابع الأجيال وإخفائهم لكتبهم ومصاحفهم بالدفن كي لا يطالهم العذاب. أوجعتني الرواية ولكن ليس مثل وجعي برحيلك.. أجلت لقائي بك سنوات وسنوات منشغلة بأمور الحياة. لم أتوقع رحيلك المفاجئ وأنت لا زلت شابة في نظري. متألقة حنونة واعية صادقة ومعطاءة. اليوم أقرر قراءتك من جديد لأعزي نفسي بكتبك أقترب أكثر وأزداد حسرة فأسأل نفسي لماذا أعطيت الأمان لغولة مثل الحياة تقتات علي حيوات الآخرين لتستمر هي ويتوارون هم وراء التراب.. لم تموتي. أؤكد لم تموتي فقد رأيت اليوم كتابك ثلاثية غرناطة في يد شاب في الثامنة عشر.. جيل جديد تسلم الراية ممن قبلة وسيسلمها لمن بعدة مثلما كتبت في روايتك عن أجيال غرناطة..إنة الخلود وداعا أيتها الرائعة رضوي عاشور. الروائية نسرين البخشونجي عدت للكتابة عندما اصطدمت بالسؤال: ماذا لو أن الموت داهمني؟ ساعتها قرّرت إنني سأكتب كي أترك شيئاً في منديلي المعقود.¢ هكذا كتبت رضوي في شهادة عن الكتابة. يوم وفاتها أحزنني الخبر ولكني أعتدت ان لا أرثي المبدعين لأنهم يغيبون بالجسد و تبقي حروفهم خالده. لكن المرثيات التي قرأتها عنها أثبتت أن رضوي عاشور نجحت ووصلت لما أرادته حقاً. أول تعارف بيني و بين رضوي عاشور كان من خلال روايتها القصيرة¢سراج¢ منذ سنوات طويلة لكنها - الرواية- ظلت تلح علي ذاكرتي منذ اندلاع ثورة يناير و حتي الآن. يقولون ان أساس الإبداع يكمن في استشراف المستقبل أظن انها فعلت. ستظل ابتسامتها الحنونة تطل علينا من بين سطورها.