الصدفة، لعبت دورا كبيرا في تغيير مسارها، فقد التحقت مي بالجامعة الأمريكية لدراسة السياسة، ولكن ذات يوم سرقت منها حافظة النقود بالكافيتريا، ولم تتخيل قط حدوث ذلك هناك، فانفعلت وكتبت مقالا باسم "احذروا السرقات في أرقي الجامعات" وقدمته لمجلة الجامعة، التي ذهبت إليها من قبل لكي تعمل بها في وظيفة "رسام"، فأخبروها أنهم ليسوا بحاجة لها في ذلك المكان وإنما يريدونها معهم في الكتابة، فعملت صحفية في مجلة القافلة التي تصدر عن الجامعة الأمريكية منذ زمن طويل، فقد خرج منها مصطفي وعلي أمين ولويس جريس، وجميع الأسماء اللامعة ممن تخرجوا من الجامعة، وكانت هوايتها أن تخرج الأعداد القديمة لتشاهد ما كان يفعله القدامي وسيرتهم بالمجلة، حتي أصبحت في وقت قصير رئيس تحرير للمجلة، وبناء عليه قررت دراسة الإعلام في التخصص بالسنة الثالثة. ولكن ذلك لم يستمر، فتقول خالد: "بعدما توليت رئاسة تحرير المجلة كرهت الصحافة، فقد كانت مسئولية في سن صغيرة، جعلتني أشعر بكثير من التوتر لم أحسه وأنا أكتب مقالات كمحررة، ومن حينها طردت فكرة الصحافة من بالي نهائيا ولم أعمل يوما واحدا كصحفية بعد تخرجي، ولكن في تلك الأثناء تولدت عندي فكرة الكتابة، فبدأت أكتب خواطر وزجلا وقصصا قصيرة، وأضعها جانبا، لأني لم أعرف إن كانت تستحق النشر أم لا، بقيت هكذا 11 عاما، وتزوجت وأنجبت أبنائي، ولم أفكر في الكتابة سوي أنها هواية، حتي رأي أحد أصدقائي القصص وعنفني بشدة، ووجهني لأن أنسخ قصصي علي "سي دي" وأذهب بها إلي هيئة الكتاب لنشرها، فعلت ذلك ولكني لم أكن أهتم، فرغم أنه استغرق سنتين ونصف السنة حتي تم النشر إلا أنني لم أشعر بهما، وعندما صدرت المجموعة الأولي كنت كتبت بالفعل مجموعة قصصية أخري ورواية، وبدأ الأمر يتخذ منحي أكثر جدية، وتوالت الأعمال". رغم أنها درست الصحافة، إلا أنها تعمل في الإذاعة الإنجليزية الموجهة، فهو حلم الطفولة، منذ كانت في الصف الثاني الإعدادي، كانت تسمع البرنامج الأوروبي وتنتظر مذيعينه بشغف، في الوقت الذي كانوا يمثلون فئة من النجوم، وعندما عملت بالصحافة وذهبت لعمل حوار مع هالة حشيش زاد انبهارها بها وأرادت أن تكون مثلها، تستطرد مي: "وقد يكون السبب أيضا هو تعلقي بمبني ماسبيرو من فيلم (صغيرة علي الحب)، لم أدرك ذلك إلا مؤخرا عندما شاهدته بعد عملي كمذيعة، مثلما تعلقت بالجامعة الأمريكية والتحقت بها بسبب فيلم (أنا حرة)". بمجرد تخرجها تحقق الحلم وعملت في ماسبيرو، بدأت بترجمة الأفلام الأجنبية، وهي فترة تعتبرها من الأكثر إمتاعا في حياتها، لأنها كانت تمكنها من إدراك أجزاء في الأفلام لا يمكن ملاحظتها أثناء المشاهدة العادية، لأن أساس عملها كانت الكلمة، كما عملت في (دوبلاج) الأعمال الدرامية وتمصيرها، بالإضافة إلي أنها تغني؛ وحتي الآن، في كورال الجامعة الأمريكية وفرقة عماد حمدي بالأوبرا، وتعلمت العزف علي العود لكي تفك شفرته، لكنها عندما اندمجت في الكتابة تركته لأنه يحتاج تدريبا كبيرا ووقتا، فهي تضع الكتابة قبل أي عمل آخر. تضيف خالد: "أنا أحب أن أجدد في حياتي وأعمل كثيرا، في لحظة ما تأتيني فكرة عمل أدبي أترك كل ذلك وأتفرغ لها، لكني لا أحب الفراغ، عندما أجد وقتا أفعل شيئا جديدا، مثلما تعلمت اللغة الفرنسية والعزف والرسم، وعملت في الدوبلاج، وكل ذلك كان له تأثير علي كتاباتي وتداخل مع الأدب، فما يميز كاتب عن آخر بخلاف اللغة والأسلوب هو خصوصية كل منهما، فالحدوتة تخرج من خصوصية حياة الكاتب، وكل ما أفعله يفيدني علي المستوي الشخصي ومستوي الكتابة". صدر لمي خالد حتي الآن 3 مجموعات قصصية و6 روايات، الأولي "أطياف ديسمبر" عام 1998 عن الهيئة العامة للكتاب، ثم رواية "جدار أخير" عام 2001 عن دار ميريت، ومجموعتي "نقوش وترانيم" عام 2003 من دار شرقيات و"مونتاج" عام 2009 من دار العين، وهي أيضا التي نشرت لها رواية "تانجو وموال" 2011، بالإضافة إلي روايتي "مقعد أخير في قاعة إيوارت" عام 2005 و"سحر التركواز" عام 2007 من دار شرقيات، إلي جانب كتاب أدب رحلات بعنوان "مصر التي في صربيا" عام 2013 عن دار العربي، التي أصدرت لها أحدث رواياتها "جيمنازيوم" 2014. "جيمنازيوم"، كلمة يونانية أصلها "جيمنوز" بمعني العري، وفي الوقت ذاته كان مكانا لاستعراض جمال الأجساد الذكورية في العصور اليونانية القديمة، في الرواية تتعرّي الشخصيات ليس من ملابسها فقط، ولكن من أسرارها وهمومها أيضا، فالبوح وقول السر تعرّ، فالبطلة تنتحل صفة طبيبة نفسية لمعرفة أسرار رواد الجيمنازيوم، وهو ما تمكنت خالد من التعبير عنه بسهولة، لأن تخصصها الثاني في الجامعة كان علم النفس، كما أنها تدربت من قبل في عيادة دكتور خليل فاضل النفسية أثناء كتابتها لرواية "تانجو وموال"، وهذه المرة اختارت خالد اسم "جيمانزيوم" من بداية تفكيرها في الرواية ولم تفكر في تغييره، فتقول: "ولدت الفكرة عندما أخبرتني ابنتي أنها تريد الذهاب للجيم، فأنا لدي اعتقاد بأن المكان يخلق حدثا، ولم أكن وقتها أكتب شيئا، فذهبت ولم أتعامل مع أحد، كنت أراقب فقط، فالبداية دائما