عبد العزيز السماحي، ابن الغربية الذي ولد في القاهرة، ويعتز بأصوله الريفية، درس الفن التشكيلي في كلية التربية الفنية، وتتلمذ علي أيدي فنانين كبار. هو فنان تشكيلي وروائي وكاتب قصة قصيرة وشاعر، لا يستطيع أن يحب فنا أكثر من الآخر، يستمتع بكل لوحة عند رسمها، وبكل قصيدة أو رواية أو قصة عند كتابتها، أقام 8 معارض فردية، آخرها "أشياء بسيطة مبهجة"، إلي جانب مشاركته في عشرات المعارض الجماعية، أول كتاب صدر له كان للأطفال "القوي والثري والحكيم"، بعدها نشرت له مجموعة قصصية بعنوان "أسرار البصطامي" عام 2006 وأعيد إصدارها في طبعتها الثانية مطلع هذا العام، وله روايتان، الأولي "جريدة علي ظهر قارب" والثانية التي صدرت مؤخرا "ميمي.. زهرة أرمينيا البيضاء"، وتعد آخر أعماله أغنية تحمل اسم "مش وحداني" ترصد معاناة الفقراء والمحتاجين واليتامي والمرضي. درست الفن التشكيلي، فكيف كانت بدايتك مع الأدب؟ أثناء دراستي كنت أهتم بنواح أخري من الإبداعات، كنت أشتري مجلتي إبداع وأخبار الأدب، إلي جانب وجود مكتبة لدي في البيت، ونسبة كبيرة جدا منها كتب تاريخية؛ التي أعشق قراءتها، فاستفدت منها جدا في كتاباتي وفني، حتي أن أول معرض أقمته كان له علاقة بالتاريخ، وفي حياة كل منا كتابات أولية، يمكن أن تخرج منها أفكار عظيمة، لكن في تلك الفترة لا يكون المرء بالخبرة الكافية لإخراج عمل قوي يتسم بالاحترافية، كما أن الحجم الأكبر من وقتي كنت أقضيه في القراءة، سواء الروايات أو الصحافة أو الفن التشكيلي أو التاريخ، الذي يتضمن عبرا وأحداثا تثري فكر الإنسان وتجعله عميق الرؤية. بماذا يمكن أن نصفك، فنان تشكيلي أم روائي أم قاص أم شاعر؟ هناك نظرية شهيرة تقول "الفن يغذي الفن"، فيمكن قراءة فكرة في كتاب تصلح لرسمها بلوحة أو تحويلها لقصيدة أو فيلم، هناك تكامل واتحاد بينهم جميعا، أفضل أن أكون فنانا، فهو لفظ أشمل وأعم، يضم الكاتب والشاعر والرسام والسينمائي وكل صاحب رسالة، ومن وجهة نظري الفن عموما كيان واحد مثل النسيج، كل من لديه موهبة في جزئية معينة هو فنان في مجاله، والشخص المثقف لابد أن يكون متذوقا وملما بكافة أنواع الفنون الأخري، لا أفرض ذلك علي أحد، ولكن الشخصية الفنية لا تكتمل إلا إذا كان صاحبها ثريا في الفكر والوجدان، فالفنان يتذوق الشعر ويحب السينما والقراءة وليس مجرد أنه مبدع في شيء واحد، فكوني كاتبا مثلا، الرواية أو القصيدة تتضمن مشاهد وخيالا، ذلك يغذيه الفن التشكيلي، الشعر، الرؤية، الفنون كلها كيان واحد متصل. هذا كان تعريفك للفنان، ماذا عن عبد العزيز السماحي؟ أنا لا أعرف لشخصيتي حدودا أو تصنيفا، أحب الفنون ككل وأعشق خلق الفكرة من لا شيء، ثم أتركها لتخرج بالشكل الملائم لها، فهناك فكرة تصلح للرسم وأخري عن طريق الكتابة أو قصيدة، لا أهتم بالتصنيف بقدر ما يهمني أن يكون الناتج جيدا، لوحة جميلة أو رواية متميزة وغيره، فروايتي الأولي مثلا استغرقت فيها خمس سنوات، هناك أناس يهتمون بمسألة الكم دون الالتفات للجودة، لكنني لا أفعل ذلك، وممن أحترمهم بشدة المخرج الراحل يوسف شاهين، فقد كان يهتم بكل التفاصيل الصغيرة في العمل، حتي وإن أدي ذلك إلي إخراجه أفلاما قليلة واستغراقه لفترات طويلة في كل منها، لأن العمل سيظل سنوات وتشاهده أجيال مختلفة. مثله أيضا ليوناردو دافنشي، أعماله كثيرة ولكن الغالبية لا يعرفون سوي الموناليزا، فعمل واحد قوي ومحترم وعميق وثري يبقي لسنوات ويمتد لأجيال أفضل من عشرة أعمال لا يسمع عنها أحد، بالنسبة لي ، أنا أكتب قصيدة منذ عام، تصلح وحدها كديوان، لأنها كبيرة جدا، ولكن فكرتها موحدة؛ أتنقل فيها من مرحلة لأخري ومن مكان لآخر، تتحدث عن علاقة البشر ببعضهم في أزمنة مختلفة، الرجل بالمرأة والأب بأسرته والناس بأرضها، أردت أن أكتبها بغض النظر عن كيفية نشرها. أول كتاب نشر لك كان للأطفال، ثم اتجهت بعيدا لعالم القصة القصيرة والرواية. لماذا؟ مجموعة "أسرار البصطامي" القصصية كتبتها قبل كتابتي للأطفال ولكنها لم تنشر، بقيت عشرين عاما دون نشر، من بين قصصها ما هو مؤرخ عام 1990، رغم أن الطبعة الأولي منها جاءت في سنة 2006، عندما صدرت ضمن سلسلة الكتاب الأول عن المجلس الأعلي للثقافة، وكان ذلك أجمل حدث في حياتي، أن أحقق حلمي بنشر مجموعة قصصية، ودافعا لي أن أستمر في الكتابة. كيف نسجت "أسرار البصطامي"؟ هي تضم 9 قصص، ومعظمها يدور في جو الريف، منها قصتان أو ثلاث فقط عن المدينة، لأن جزءا من تكويني ريفي، فأنا من كفر الزيات، ورغم أنها مدينة وليست قرية، للأسف كنت أتمني وجودي في قلب قرية، ولكن أطرافها كانت ريفية، وكنت أعتز بذلك جدا، فعبقرية مصر أنها مؤلفة بين أكثر من مكان وثقافة وبيئة، الريف مع الصعيد مع الدلتا والساحل، لذلك أعتبر نفسي أكثر عمقا لأنني أحمل ثقافتين، الريف والمدينة، فتلك الأصول الريفية هي التي استمددت منها المجموعة القصصية، جزء كبير من حياتي قضيته فيها وعشت تفاصيله، الغيطان والمزارع والأولياء والأضرحة والنيل والترع، كنت أتنقل بينها في صغري، وكنت أري الفلاحين يجمعون الثمار وأسمع حكايا الكبار في الأرض أثناء الاستراحة، كنت أجلس بشغف ولا أعلم أنه مخزون سيخرج فيما بعد. سنوات مرت ما بين هذه المجموعة ورواية "جريدة علي ظهر قارب". لما تأخرت هكذا؟ الوقت قاتل، فبعد المجموعة القصصية أقمت معرضا، وقد استهلك كثيرا من الوقت حتي أنتج العدد الذي قدمته من اللوحات، فتقلبي بين الرسم والكتابة يجعل أحدهما مظلوما أمام الآخر حتي أعود إليه لإنصافه، وأري أن ذلك نعمة من الله، أن يكون لدي أكثر من وسيلة للتعبير، وأن تكون لدي المهارة أن أعبر عن الأفكار بأكثر من شكل، فذلك لا يحدث لي تشتيتاً، لأنني من البداية أحدد مسار الفكرة وأركز فيها حتي أنتهي منها. المكان والشخصية دائما ما يكونان أهم عناصر الرواية، لكن في كتاباتك نشعر دائما أن الزمن أهم منهما؟ لقد قال الأستاذ يوسف القعيد كلمة عن رواية "جريدة علي ظهر قارب" في حفل توقيعها بدار العين؛ لا أنساها أبدا، بأن السحر في الرواية أنها تسافر في الزمن، وأنها روايتان في واحدة، وتعجب كثيرا من أن تلك هي روايتي الأولي، فأنا أرتبط بالزمان، رغم أنني أحب الأماكن جدا، إلي درجة أنه أثناء الجامعة كان زملائي يتندرون عليّ عندما نذهب للرسم في الغورية وما شابهها من المناطق، كنت ألمس الأحجار بشغف، أشعر أن الأماكن بها روح، وأن هناك إنسانا مر من قبلي وترك بصمة، فأترجم ذلك بالكتابة، لأن إيماني بفكرة الإنسان في كل الأعمال إيمان مطلق، البشر بأفراحهم وعذاباتهم وأحزانهم ونشواتهم ونزواتهم، هذه هي الحياة، والفن هو الحياة؛ يستمد أعماله من قصص الناس. إلام أردت أن تصل بالناس من خلال معرضك الأخير؟ هو رسالة بأننا نستطيع الابتهاج ومازالت حياتنا مليئة بالتفاصيل المبهجة التي نسيناها في زحمة الحياة وموجة الغضب والكراهية،