بقاعة الندوات بالمجلس الأعلي للثقافة أقيمت عدد من جلسات "الشهادات والتجارب الروائية"، علي مدار أيام الملتقي ، وقد جاءت شهادات الكُتَّاب مختلفة إذ لمست جوانب شتي من ماهية الإبداع وطرق الكتابة، وكانت بالطبع متفاوتة بتفاوت التجربة الشخصية والخبرة الذاتية لكل كاتب. تحدث الكاتب محمد سلماوي في شهادته الروائية عن علاقة الأدب بالثورة وكيف أوصله خياله في روايته الأخيرة "أجنحة الفراشة" إلي التنبؤ بما حدث فعلاً في ثورة يناير وكيف أن الأدب والثورة متلازمان، فالأدب في نظره ما هو إلا ثورة علي الواقع والأديب حين يمسك بقلمه ويشرُع في الكتابة فإنه يحاول طامحاً أن يُحدث ذلك التغيير الذي تسعي إليه الثورة، وبمثل ما تغير الثورات المجتمعات فإن الكتب أيضاً تغير من وجه الحياة، "ونحن لا نحتاج أن نعطي برهاناً بما حدث في ثورة فرنسا والتي أشعل فتيلها التنويريون وكتاباتهم التي أعلت من قيم الحرية والمساواة، ولم يكن الظلم والطغيان هما الوقود الذي أشعل فتيل الثورة بل ظهور كتابات فولتير ومونتسكيو وروسو هي التي وضعت الثورة في حيز الممكن، كما أن الأدب هو الرصيد الوجداني للإنسان ولذلك نجد الاكتشافات والاختراعات العلمية ذاتها تقتفي أثره". الرواية والوطن أما الكاتب العراقي محسن الرملي فجاءت شهادته لتتحدث عن علاقة الوطن بالرواية فقال إن المضمون هو ما يهم في المقام الأول والدليل أن ما قدمه في رواياته الثلاث كان العراق فيها هو البطل المكاني ولكن الأحداث والسرد والتناول كان مختلفاً وأوضح الرملي أكثر فقال: "روايتي الأولي "الفتيت المبعثر" تناولت آثار الحرب العراقية الإيرانية علي المجتمع ورواية "تمر الأصابع" دارت حول إشكاليات المهاجر العراقي والديكتاتورية وثنائيات أزمة الهوية و"حدائق الرئيس" حاولت فيها استعراض مساحة أوسع من تاريخ العراق الحديث مع التركيز علي ما حدث له قبل وبعد الغزو الأمريكي، وفي إحدي المحاضرات التي ألقيتها في المكسيك متحدثاً عن الأدب العربي عموماً والعراقي خصوصاً وتجربتي علي وجه أخص جئت علي ذكر ما نعرفه عن الأدب المكسيكي ومنه اسم "كارلوس فوينتيس" ففاجأني أحد الحضور ضن المداخلات بأنه علي الرغم من فخرهم بكاتبهم الكبير فوينتيس فإنهم ملوا من أعماله لأنها كلها تدور عن المكسيك، وهذه الملاحظة جعلتني أفكر طويلاً بنفسي وبأعمالي لأن كل ما كتبته كان عن العراق"! الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسي تحدث في شهادته عن رواية الفضاء المعرفي والتي لا تقوم علي السرد والقص والحكاية الوجدانية وقراءة النفس الإنسانية بعلاقاتها وتعقيداتها فقط ولكنها موسوعة للبشر بعلمهم وتاريخهم وطقوسهم وفلسفتهم، وأوضح عيسي أن هذه الرواية تتجاوز حدود الرواية السردية المغلقة علي عالم أبطالها وكاتبها فهي تتجاوز ذلك وتذهب نحو فضاء معرفي، ولذلك فإن براعة المبدع تكمن في قدرته علي تأليف ما هو حقيقي وعلمي وتاريخي لأن الرواية المعرفية تقدم أيضاً العلم، ولا يمكن لمبدع بمثابة مستخدم للتكنولوجيا أن يصبح روائياً عنها وفيها دون أن يغوص بعمق في أعماق رواية الفضاء المعرفي، وهذا ينسحب أيضاً علي عالم اللسانيات واللغويات وكذلك في رواية دينية عن تاريخ الدين مثلاً أو رواية سياسية عن خفايا وألاعيب السياسة،لأن الروائي في ذلك النوع من الرواية يعد عالماً بروايته أو لروايته. رواية المعلومات أما الكاتبة هالة البدري فقد قدمت في شهادتها رؤية عن رواية المعلومات والتي وصفتها بالرواية الحداثية ودللت علي ذلك بروايتها "مطر علي بغداد" فقالت " في روايتي "مطر علي بغداد" كنت مشحونة بعالم أريد استدعاءه وبعثه مما تراكم عليه من التراب، فكانت الأنباء القادمة من العراق لا تتحدث إلا عن الحرب وتلغي الحضارة والإنسان الذي صنعها وتلغي الفن وتتجاهل الموال والشعر والمقام العراقي والدبكة، وقد وجدت أن إقامتي بالعراق حينما كنت أعمل مراسلة صحفية لمجلتي روز اليوسف وصباح الخير في بغداد في سبعينيات القرن الماضي قد أمدتني بكم وفير من المعلومات، وعندما بدأت في بناء الرواية وقعت في أكبر مشكلة وهي كم المعلومات الهائل الذي أود أن أوصله للقاريء وجربت عدداً كبيراً من البني لهيكل الرواية حتي وصلت أخيراً إلي الشكل الذي يمكن أن أقدم فيه الرواية". الكاتب الشاب عبد العزيز الراشدي تحدث عن فعل الكتابة عنده فقال إنه أثناء تشكُل النص الروائي فإن الفوضي تسكنه فيضطر إلي أن يترك لنفسه حريتها، وحين يفكر في بناء النص فإنه يكون مثل رسام في خلوته يضع الفرشاة علي هذه اللوحة وينتقل إلي أخري ثم أخري ويسترسل الراشدي في شهادته فيقول " الكتابة عندي تشبه حركة الأرانب في حقل، أطلقها في حقل الروح الشاسعة وأراقب..أكتب أكثر من نص في الوقت ذاته وتنمو النصوص في اتجاهات مختلفة بوتيرة مختلفة وغالباً ما أكتب النصوص متفرقة كلمة من هنا وإحساس من هناك وحين أجلس لصياغة النص أستعين بما مزقته من أوراقي التي تراكمت، وأنا أكتب حين أخسر شيئاً ولا أكتب حين أربح شيئاً لأنه لا شيء يحتاج وقتذاك إلي التعويض، وبهذه الطريقة يجد القاريء الذي يعرفني شخصياً داخل نصوصي حيواتي التي لم أعش وطموحاتي التي لم تتحقق وأحلامي التي تسربت من بين الأصابع". الرواية والحرية تحت عنوان "القمع والحرية والرواية" تحدث الكاتب حمدي الجزار عما فعلت الثورة في المصريين فقال إنه بعد ثورة يناير كانت المواجهة عاتية بين طلب الحرية وطلب العبودية، بين قانون السمع والطاعة وقانون الإبداع وحرية الفرد فانفتحت المواجهة الشرسة التي حسمت سياسياً في الثلاثين من يونيو ولكنها علي الصعيد الثقافي والاجتماعي والواقع المعيش فإنها لم تحسم بعد ويضيف الجزار "في رأيي، الحرية هي أكبر موضوعات الرواية لأنها أحد أهم الموضوعات الوجودية في العالم وفي حياة كل إنسان، فالحرية لازمة لبحث الإنسان المضني عن لغز الوجود الإنساني وعن العدل والحب والصداقة والسلام والعدل..إن الفن والحرية جوهر واحد فلا وجود للفن بلا حرية والكاتب هو بالأساس "الحرية ذاتها" وهو الإنسان عندما يتحرر من عبودية الزمان والمكان والمجتمع والعادة والتقاليد، لهذا تجده لا يعبأ سوي بالجمال فيما يبدعه وهذه غايته ووسيلته ورسالته بل وجوده". صاحب "شوق الدراويش" حاول في شهادته أن يجد إجابة للسؤال الخالد بغير إجابة "لماذا نكتب؟ ولماذا الروايات تحديداً؟" وحاول أن يجتهد ليجيب فجاءت إجابة الكاتب حمور زيادة لتبوح بما يُبطن وتفشي بعضاً من أسراره وتُشي بجانب من جوانب شخصيته فقال في معرض شهادته: "أكتب لأتواصل مع العالم فأنا عاجز عن فهم الحياة وعن التواصل مع البشر وهذا أمر لا أخجل منه ولا من الاعتراف به فأنا لست مؤهلاً للاختلاط الاجتماعي وفقط حينما أكتب فأنا أشعر بذلك التواصل مع الناس ويكون من السهل التحدث إليهم والتفكير معهم، وقد تعلمت القراءة منذ الصغر وتعثرت بكتب الأدب مبكراً جداً وكانت جدتي تحكي لي الحكايات والأساطير وربما ما زلت حتي اليوم أحلم بأن أكتب كما كانت تحكي جدتي لكي أجعل القاريء يسمع الكلمات فيرجف في أذنيه صوت البطل وهو يواجه الأخطار التي تتهدده..الحكايات ربما لا تنسف الجبال كالديناميت ولكنها تنخر الجبال مثلما فعلت ربة الحكايات العربية شهرزاد التي لم تقطع رأس شهريار ولكنها بحكاياتها نخرت قوته حتي عاد كالطفل لا حول له ولا للسياف مسرور". الرواية والتاريخ الكاتب مكاوي سعيد قال في شهادته إن حبه للكتابة بدأ عبر جسر القراءة التي عشقها منذ نعومة أظافره وفي المرحلة الثانوية أصبح الشعر من اهتماماته ثم جاءت كتب الفلسفة وعلم النفس في المرحلة الجامعية، وفي الجامعة شارك بالعديد من الندوات وحصل في عامه الأخير علي لقب شاعر الجامعة، ثم تعرف الكاتب إلي فن القصة القصيرة وبدلاً من أن يصدر ديواناً شعرياً وجد نفسه يذهب لنشر مجموعة قصصية، وقد انشغل بالوظيفة كثيراً وأبعده ذلك عن الوسط الأدبي - كما يقول في شهادته - ويضيف سعيد أن ليس لديه ثمة طقوس خاصة في الكتابة بل فإنه أحياناً يظل طيلة أعوام دون أن يكتب، كما لا توجد عنده مواقيت للكتابة وغالباً ما يكتب وسط الناس علي المقآهي، كما أن له تجارب مع السينما وقد كتب العديد من السيناريوهات والأفلام القصيرة وقد أفاد من ذلك كثيراً في عالم الحكي والقص. الكاتب واسيني الأعرج تحدث عن كتابة السيرة وجاءت شهادته التي كان عنوانها "سيرة المنتهي..الوقوف بين حيرة ابن عربي وخوف دانتي" لتقول الكثير عن هذه السيرة فشرح الأعرج وقال "كانت رهاناتي الكبيرة في هذه السيرة كمشروع كتابي واضحة، لأن المعلومات الحياتية والذاكرة بكل ثقلها لا تكفي فهي تحتاج إلي سند فني حقيقي يحملها ويحتويها ويخلق جسراً بينها وبين القاريء وقد بنيت هذه السيرة علي أعمدة أربعة، كان الأول منها هو العمود التاريخي الذي انتمي إليه ليس سلالياً فقط ولكن ثقافياً وهذا هو الأهم، وأما بالنسبة للعمود الحكائي فقد ارتبط عضوياً بشخصية "حنا فاطنة" أو الجدة فهي معلمي الأول في العمل السردي ولقد كانت الوسيط الأسمي بيني وبين جدي الأندلسي وتربيت في حضنها..أدين لهذه القديسة بالحياة وهذا وحده يكفي لأن أقبل رأسها ويديها ورجليها بلا كلل ولا ملل..العمود الرابع الذي بنيت عليه هذه السيرة ارتبط بأول حب أتذكره جيداً بل بأول تجربة عاطفية مع مينا أو آمنة.هذا الجزء مس حياتي العاطفية الأولي لأن الإنسان لا يخلق من العدم فهو يتكون ثقافياً وعاطفياً..السيرة الذاتية ليست تنضيد معلومات فردية ولكنه فعل جمالي أيضاً وإلا ما الفرق بينها وبين التاريخ؟