جمعتني الصدفة بالدكتور أنور مغيث في مناسبة علمية بجامعة القاهرة منذ أيام، ورغم أنها المرة الأولي التي نلتقي فيها فإني - بسبب معرفتي بقامته وبانحيازاته كمثقف - لم أتحرج من مناقشته فيما يتردد منذ فترة عن نية "الوزير" تمليك صك احتكار "الترجمة" للمركز القومي للترجمة الذي يرأسه الدكتور مغيث. فيما قلته للدكتور مغيث أن ثمة خطرا ثقافيا كبيرا في هذه الخطوة، لأن هذا الاحتكار سوف يترتب عليه وقف نشر الترجمات في كل من هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة، بما فيها السلاسل الناجحة والمهمة مثل سلسلة الجوائز التي تصدرها هيئة الكتاب والتي أصدرت حتي الآن ما يزيد عن 150 رواية من عيون الأدب الحديث والمعاصر وسلسلة آفاق الترجمة التي تصدرها هيئة قصور الثقافة، والتي بدأت مشروعها "المائة كتاب" لنشر كلاسيكيات الأدب العالمي وكادت أن تنهيه. تأتي خطورة مثل هذا القرار من نواح عدة، فأولا تستطيع تلك السلاسل الوصول لقدر كبير من القراء في كل المحافظات بما تمتلكه هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة من منافذ توزيع منتشرة في كل مكان فيما لا يملك المركز منافذ لتوزيع إصداراته، فبالنسبة لي لا أعرف كيف أجد كتب القومي للترجمة إلا بزيارة منفذه بالأوبرا، وثانيا تستطيع الهيئتان طرح إصداراتها بأسعار معقولة بما يُمكّن الشباب علي الخصوص من شرائها، فالكتاب الذي يمكن أن يجده القارئ لدي بائع الجرائد في طريقه لبيته أو لجامعته أو لعمله بخمسة جنيهات مثلا سوف يضطر - إن كان ثمة من حاجة لذلك - لدفع خمسين جنيها في الكتاب نفسه، هذا بفرض أن صادفه أصلا. وأنا هنا أتحدث عن القارئ العابر المفترض استهدافه. الحقيقة أن الدكتور مغيث بدماثة أخلاقه تفهم ما أبديته من تحفظات، بل أني لاحظت بعض الحرج في كلامه ربما لأنه ليس صاحب القرار وربما لأنها ليست المرة الأولي التي يسمع فيها مثل هذه التحفظات، وربما للسببين معا. فيما قاله الدكتور مغيث أنه يسعي للإبقاء علي سلسلة الجوائز نظرا للنجاح الذي حققته، فيما يسعي لحل وسط فيما يتعلق بسلسلة آفاق الترجمة، حل يضمن تنفيذ قرار الوزير وفي الوقت نفسه الحفاظ علي السلسلة، ويتضمن الحل أن يختص المركز القومي بإصدار الكتاب في طبعته الأولي فيما تتولي السلسلة إصدار الكتاب في طبعات شعبية بعد نفاد طبعة المركز. من جانبي اقترحت أن تصدر الطبعتان معا، طبعة فاخرة من المركز لمن يرغب في اقتناء النسخ الفاخرة من الكتب وطبعة شعبية من الهيئة لمن يرغب في قراءة كتاب بسعر معقول. ما فاتني أن أقترحه علي مغيث أن يقتصر عمل القومي للترجمة علي وضع استراتيجيات الترجمة والخطط السنوية لترجمة الأعمال المهمة في كل مجال والتعاقد مع مترجمين موثوق بهم وتكليف كل من هيئتي الكتاب وقصور الثقافة بطبع هذه الترجمات والتنسيق بينها لضمان صحة الترجمة ولمنع تضارب إصدار ترجمتين للكتاب نفسه ولضمان تنوع مجالات الترجمة.. إلخ. ما فاتني أن أسأله: هل يناقش الوزير قراراته أم أنه يتخذها منفردا؟ لأن رئاسة الأخير من قبل للمركز (الذي تم اختراعه أصلا قبل الثورة ليرأسه بعد تركه أمانة الأعلي للثقافة التي تولاها 14 عاما) تجعله يبدو - حتي وهو وزير - أو خصوصا وهو وزير - كشخص يسعي لتحقيق كل أحلامه القديمة دفعة واحدة.