في معرض الكتاب السابق والذي تزامن مع أربعينية طه حسين طبعت هيئة الكتاب 20 كتاباً من أشهر كتبه، لم يمنع ذلك قيام جهات أخري في وزارة الثقافة نفسها من أن تطبع هي الأخري كتباً للراحل الكبير! سبق ذلك التخلي عن سلاسل بحجة التطوير ثم اختراع أخري بحجة التطوير أيضا ثم اقتراح بالتخلي عنها لأنها ترهلت وأصبحت غير ذات جدوي، طوابير انتظار طويلة وأسباب تأخير واهية، وطباعة رديئة، وتوزيع لايشعر به أحد. حوادث كثيرة في وقت قصير تشير إلي خلل في منظومة النشر بوزارة الثقافة، حتي جاءت الأزمة الأخيرة لتصريحات الوزير حول توحيد جهات النشر - بغض النظر إن كان متمسكاً بها أو تراجع عنها- لتؤكد أن الاشكاليات ليست متعلقة بعملية النشر فقط بل تمتد لتشمل تقبل محاولات الإصلاح ! "بالطبع لدينا مشكلات وليس من مصلحتنا إخفاؤها" يقول الشاعر مسعود شومان رئيس هيئة قصور الثقافة ويضيف: لابد من مناقشة المشكلات والبحث عن حلول غير تقليدية لها، لدينا مشكلات في التوزيع وشكل الغلاف وطبيعة العمل داخل السلاسل، واللجان، وهيئات التحرير كل هذا به مشكلات، لكنها بطبيعة الحال ليست منفصلة عن منظومة العمل في مصر عموما، ولا يعني ذلك أبدا أن نلغي مشروع النشر، فقط سنعيد صياغته، من حقنا كمؤسسة أن نعيد تنظيم الأمور من الداخل. هذا ما أوضحته في البيان الذي نشرته بعد أن كثر الحديث حول هذا الأمر يضيف، شومان- فقلت إن مراجعة المشروع لا تعني أننا سنقلصه أو ننتقص من جوهره، بل إننا سنعمل علي صياغته بما يحقق دوره الثقافي وخدماته الجادة لأدباء الأقاليم، وإن التطوير والدراسة سوف يمتدان ليشملا تطوير النشر الإقليمي، وأكدت علي أن وزارة الثقافة تساند النشر في قصور الثقافة منذ إنشائه، لأن أحد أهدافه دعم الثقافة التنويرية والدفاع عن الدولة المدنية، وقلت إنني أؤمن بأن نشر الكتاب وإتاحته حق أصيل لكل مصري، وبخاصة للأدباء والكتاب والنقاد والمفكرون، وهو ما يقدّمه النشر في قصور الثقافة بالفعل منذ إنشائه قبل ثلاثين عاما. يعترف شومان أن هناك سلاسل متشابهة داخل الوزارة "لكن هذا لا يعني الإلغاء" يعود ليؤكد. ويضيف: لابد من الدراسة بحيث يحدث تناغم وتكامل بين السلاسل، نحن نبغي التكامل والعدالة في نفس الوقت، حققنا خلال السنوات الماضية رقعة من الحرية في نشر الإبداع نحاول تطويرها لا الغاءها، لأنه في نظري مع كل منبر يغلق يزرع ارهابي مكانه، وإظلام هذه الأماكن يفتح الباب للتطرف الديني، لذا ما نريد مناقشته فعلا هو زيادة مساحة النشر لا إغلاق منابر النشر في الوزارة. أساله: لكن البعض يري أن التوسع في الماضي كان حجة البعض لإنشاء سلاسل لم يكن الهدف منها أكثر من المجاملة؟ ويجيب: أتابع كل ما يقال عن الفساد والمجاملات ولا أغضب أبداً لأنني مهتم بالإصلاح، رغم أن كل المجاملات تأتي من خارج الهيئة لأن معظم لجان القراءة ورؤساء السلاسل من خارج الهيئة، وهذا موضوع محير في الحقيقة إذا استعنّا بالخارج يقولون وأين ابناء الهيئة، واذا استعنا بهم يقولون إن ابناء الهيئة "واكلينها والعة" والحل في نظري هو الاستعانة بالاثنين لتحقيق أعلي درجات التوازن. أما الحلول التي يقدمها شومان لتنظيم عملية النشر فتتلخص في تطوير معايير النشر "وهو ما نعمل عليه الآن" بحيث يكون هناك آلية معروفة ومحددة للنشر تسري علي الجميع ولجان للقراءة متوافق عليها تقدم تقارير علمية توضح كل شيء ويمكن الاحتكام إليها، يقول أيضا: نعمل علي تنمية مهارات القارئ نفسه من خلال مشروع "مصر تقرأ" سنخرج من خلاله الكتب من المخازن ونوزعها علي القري والأماكن التي لا يصل إليها الكتاب، أوزعها علي الأطفال أيضا، أريد أن أكسب قارئاً جديداً وأن أضيف إليه لا أن انتزع منه حقه في المعرفة. "هناك فوضي في النشر بوزارة الثقافة وكل ما نقوم به الآن هو مجرد عملية تنظيمية" يقول د.محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة ويضيف: طبعا أثارت هذه العملية بعض المنتفعين وأربكت حساباتهم لكن هذا لن يوقفنا، ودورنا أن نقوم بعمل "كنترول" ولن توقفنا المزايدات التي يقوم بها البعض، فلا مجاملة علي حساب الثقافة. هناك لجنة عليا للنشر أرأسها وتضم في عضويتها رئيس هيئة الكتاب ورئيس دار الكتب ورئيس هيئة قصور الثقافة ومدير المركز القومي للترجمة ورئيس المركز القومي للمسرح بحكم نشره لكتب تخص المسرح، هذه اللجنة لم تجتمع بتشكيلها الجديد سوي مرة واحدة وفي هذا الأسبوع سيكون اجتماعها الثاني. اتفقت اللجنة حسب د.عفيفي علي بعض النقاط أهمها أن تكون الأولوية للنشر في هيئة الكتاب "هي رقم واحد في النشر" وأن توكل كتب التراث لدار الكتب بحكم أن بها مركزاً متخصصاً لتحقيق الكتب، "وهذا لا يعني أن الجهات الأخري ليس لها حق النشر، لكنها لا تنشر بدون تنسيق مع الجهات الاخري التي لها الاولوية في النشر". يستطرد: قصور الثقافة يجب أن تستمر أيضا لكن بالتركيز علي الأقاليم والثقافة الشعبية، ويجب أن يعاد النظر في بعض سلاسلها لأن بعضها لا يواكب العصر. اتفقنا أيضا علي أن تكون الأولوية في الترجمة للمركز القومي للترجمة مع استمرار السلاسل المختصة بالترجمة في الجهات الأخري، وهذه النقطة بالتحديد لابد من الانتباه لها لأن صدور أكثر من ترجمة للكتاب الواحد ليست في مصلحة أحد، فالوزارة لا تنافس نفسها والأفضل أن أوفر جهد الترجمة لكتاب آخر ومصاريف الترجمة لطبع أعداد أكبر من الكتاب الواحد، وضمان مستوي جيد للكتاب المترجم. أما المجلس الأعلي للثقافة فهو ليس جهة نشر، لكنه سينشر فقط الأعمال التي لا تستطيع الجهات الأخري نشرها كالأعمال الثقافية عالية المستوي. بمعني؟ أساله ويجيب: كإبداعات التفرغ مثلاً، أو الكتب ذات التكلفة المرتفعة، وكتب المؤتمرات ولجان المجلس. للتدليل علي عبثية عملية النشر في الوزارة يقول د.عفيفي عندما استلمت المجلس علمت أن هناك 1200 كتاب علي قوائم الانتظار! هل تعرف ما معني هذا؟ يعني أنني احتاج لتخصيص الميزانية كلها للنشر لمدة عامين ونصف بالاضافة لشراء مطابع، مع الوضع في الاعتبار أن هيئة الكتاب وهي الأولي في عملية النشر تنشر 500 كتاب فقط في العام، بالطبع هذا وضع لا يجب أن يستمر. التوزيع مشكلة أساسية وبعض إصدارات الوزارة لن تجدها إلا بالصدفة، حول هذه النقطة يقول أمين المجلس : بحثنا مشكلة التوزيع واكتشفنا أن هناك تبذيراً في النشر علي حساب التوزيع. النظام السابق كان يحب ذلك، وامتلأت المخازن بالكتب وأصبحنا نواجه مشكلة في المخازن رغم أن هناك أماكن كثيرة لاتصلها الكتب علي الإطلاق، ولم يكن يوجد تعاون "لأن كل واحد كان متصوراً أنه الوزير القادم"! الآن لايوجد هذا التنافس، فهيئة الكتاب بما أن لها المنافذ الأكبر ستوزع كل مطبوعات الوزارة بدون المنافسة الغريبة التي كانت موجودة. يضرب عفيفي مثالا علي التنسيق فيقول إن المجلس سينظم مؤتمراً عن لويس عوض في يناير، وحرص علي أن يضم تشكيل لجنة الاعداد رئيس دار الكتب وهيئة الكتاب، من أجل ضمان التنسيق في عملية النشر "هشوف الكتب موجودة فين وأطبع الناقص فقط"، الشهر القادم سينشر المجلس أعمال فتحية العسال بالطريقة نفسها سينشر ما لم تنشره الهيئة. التنسيق امتد أيضا ليشمل المشاركة في المعارض الخارجية حيث تشارك هيئة الكتاب في معرض فرانكفورت بمشاركة كل فروع الوزارة شاركت في التكاليف وستكون كلها ممثلة. أخيراً وقع أمين المجلس بروتوكولات تعاون مع الأهرام والأخبار والجامعات لعمل منافذ في الجامعات لتوفير الكتب بخصم 50٪ للطلاب. المسئول عن جهة النشر الرسمية الأولي في الوزارة د.أحمد مجاهد أكد علي ما قاله د.عفيفي فيما يخص تطوير عمليتي النشر والتوزيع وشرح بعض النقاط تفصيليا، لكنه قبل الخوض في التفاصيل قال إن كل ما ينشر من كتب سواء في دور النشر الحكومية أو الخاصة أقل بكثير مما يليق ببلد كمصر، لذا فمن غير المنطقي من وجهة نظره أن يكون الحديث عن التقليص، "فالمنطق أننا نبحث عن الزيادة في الاثنين الحكومية والخاصة، لكن ما يستوجب الحديث هو التنظيم، والتنظيم بالتأكيد يختلف عن التقليص". يضيف مجاهد: من غير اللائق أن أطبع كتابا في الهيئة ثم يصدر بعدها في قصور الثقافة أو العكس، أو أن أطبع كتابا لشخص ثم يصدر للشخص نفسه كتاب آخر في مؤسسة أخري في الوزارة، هذا يحدث، وهو خطأ يجب أن نتجنبه، والغرض الأساسي للجنة العليا للنشر التي شكلها الوزير هو التفاهم بين المؤسسات التي تتولي عملية النشر في وزارة الثقافة، وتم الاتفاق بالفعل علي الاستمرار في النشر ولكن "النشر النوعي" بمعني أن لكل مؤسسة الحق في النشر لكن تنشر الأشياء التي تتعلق بدورها في المقام الأول، بالإضافة إلي التنسيق العام "بالبلدي كده محدش هياخد حاجة من حد"! ماالذي تحضره للهيئة؟ أسأله ويجيب: الهيئة مسألة مختلفة فهي الأصل في النشر، وليس معني ذلك أن سياسات النشر فيها ليست محل دراسة، بالعكس نحن نعمل من الداخل وأيضا من خلال اللجنة العليا للنشر، وبالتأكيد سيكون هناك تغيير لكن ليس بهدف التقليص بالعكس تغيير من أجل الزيادة. وماذا عن التوزيع؟ اتفقنا مع الوزير علي مشروع توزيع لكل كتب الوزارة، وإنشاء مخازن علي أرض أكتوبر لكل قطاعات الوزارة وكل منشوراتها، واستخدام سيارات الهيئة في عملية التوزيع، واتفقنا علي خطوات محددة هي: تطوير منافذ بيع الهيئة والبداية مع منفذ الهيئة أمام دار القضاء يتم الان تجهيزه علي أعلي مستوي وسيكون هناك أماكن للندوات وحفلات التوقيع. استحداث منافذ في المحافظات التعاون مع مشروع "اقرأ" التابع لصندوق التنمية الثقافية لتوزيع الكتب في الجامعات بأسعار مناسبة إنشاء منافذ بيع لائقة في أكبر قصور الثقافة في المحافظات. "أنا مع التخصص في النشر" يقول حلمي النمنم رئيس دار الكتب والوثائق القومية لذا هو ضد فكرة النشر الموحد وضد الازدواجية في النشر، يؤكد أن التنسيق هو أقصر الطرق لتحقيق معادلة نشر ناجحة "أريد 3 كتب لا 3 طبعات من كتاب واحد". المفترض أن هيئة الكتاب هي الناشر الرسمي، لكن طبيعة التوسع تفرض المشاركة، فلا توجد هيئة تستطيع أن تقوم بكل شيء، لذا يقول رئيس دار الكتب أن مراعاة التخصص سيكون في مصلحة الجميع "لدينا مركز قومي للترجمة مهمته الاساسية هي عملية الترجمة هذه قضيته الاساسية لا يجب أن يزاحمه فيها مكان آخر" ، بالمنطق نفسه يفكر لدار الكتب فدورها في نظره تحقيق التراث لا ينافسها في ذلك مؤسسة أخري، حتي سلسلة الذخائر التي تصدرها هيئة قصور الثقافة فهو يراها مسألة مختلفه فالذخائر تعيد نشر فقط بسعر ارخص في حين تحقق دار الكتب في مركزها المتخصص. النمنم يحمل المؤلفين جانباً من المشكلة، يقول إن بعضهم يوزع كتابه علي أكثر من جهة وينتظر، وربما يتصادف أن يصدر الكتاب من عدة أماكن في وقت واحد. أما التوزيع فهو في نظره مشكلة الجميع، الكتب والصحف لأنه لا توجد شركة توزيع واحدة "وهذا لايوجد في أي مكان في العالم هذه نظم القرن ال19"! ورغم هذا كله يقول إنه ضد فكرة الغاء السلاسل "أنا مع الضبط، لكن لو سلسلة غير ناجحة يمكن اعادة النظر فيها". د.سهير المصادفة طرف أساسي في معادلة النشر بوزارة الثقافة، فهي ترأس سلسلة "الجوائز" وهي واحدة من السلاسل المهمة التي تصدر عن هيئة الكتاب وتختص بالترجمة، ومن جهتها تقول: النشر يحتاج إلي إعادة هيكلة ورؤي جديدة، وأشخاص تعرف فن صناعة الكتاب، ما يحدث ليس بنشر بل عبء علي المخازن وتسديد خانات ورشوة مبدعين. تري صاحبة "لهو الأبالسة" أنه ليس هناك استراتيجية نشر في وزارة الثقافة حتي الآن "نشرت روايتي في المجلس وظهرت بأخطاء جمة وبيعت في منفذ بيع المجلس فقط، وأنا شخصيا عندما أحب أن اشتري الإبداع الجديد أذهب لميريت ودور النشر الجديدة ولا أذهب لوزارة الثقافة، فالأعمال الإبداعية خرجت من الوزارة هربا من السقف الرقابي، ولم يتم إنقاذ سوي سلسلة الجوائز والناس تذهب لمنافذ الوزارة من أجلها فقط". بشكل عام تري المصادفة أنه لا توجد صناعة كتاب في وزارة الثقافة تقول:هناك سلاسل متشابهة، وسلاسل بلا شخصية، وسلاسل مجاملات، وصل للجميع أن النشر عبء علي كاهل وزارة الثقافة، والمركز القومي للترجمة كارثة، فماذا تقدم؟ وكيف ستوزع؟ والتوزيع كارثي وأصبحنا مطاردين من كم كبير من المبدعين والمفكرين وهذا حقهم، لكن هل ثمة طرح بديل لهم؟ أنا أريد أن تكون هناك رؤية واضحة، أريد عناوين جيدة، ولا أهتم من أين تصدر، فبالكتب الرديئة لا تستطيع أن تنافس في أي مكان، أنا أعمل برؤية واضحة خذها ونفذها في أي مكان. الكل يترجم تضيف- هذا دور قومي، والهيئة في تعريفها القانوني "تأليف وترجمة" هل يريدون تغيير توصيفها القانوني؟ الأفضل أن يكون هناك تنسيق، فمن بعد د.جابر عصفور لم ينسق أي مدير لمركز الترجمة مع أي جهة حتي الان! كل واحد يعمل في جزيرة منعزلة، وجهودنا كلها مهدرة، والحقيقة أنني أنسق مع دور النشر العربية أسهل من التنسيق مع وزارة الناشرين في وزارة الثقافة. أخيرا اتصلنا بالدكتور حسن عطية مسئول النشر بأكاديمية الفنون فطلب إعادة الاتصال بعد ساعة ولم يرد من وقتها، ووعدنا د.أنور مغيث مدير المركز القومي للترجمة بالمشاركة بعد عودته من باريس خاصة أنه كان قد طرح حلولاً غير تقليدية كالنشر المشترك مع دور نشر خاصة.