كنت كطفلة متابعة لسلسلة كتب "اختر مغامرتك" كل كتاب مكتوب بصيغة المخاطب مقدما للقارئ مختارات من البدائل للسرد التي يمكن أن يحيلك إليه الاختيار. وعند العودة إليها الآن تبدو رجعية إلي حد طفيف كنموذج لألعاب الحاسب المصممة طبقا للموارد المتاحة حينها حتما ستبعد عن الحداثة مع ظهور ألعاب " سوبر ماريو" و" القنفذ سونيك" بفضل الرب، ثم آلي سميث، التي جاءت بنسخة راشدة، بروايتها السادسة "كيف أكون كليهما". يحتوي الكتاب علي قصتين متضافرتين. لدينا بنت مراهقة تدعي جورج والتي قد توفيت أمها منذ وقت قريب وتركتها تعاني صراعات لتجد معني للموت، ومع أخيها الأصغر ووالدها المنفصل عاطفيا عنها. ثمّ لدينا فنان إيطالي من عصر النهضة، فرانسيسكو دل كوسا، شخصية مليئة بالحياة مسئولة عن الجداريات المدهشة في قصر Schifanoia in Ferrara بإيطاليا. بناء علي الجزء الذي ستلتقطه عشوائيا من الرواية سوف تلتقي أولا بقصة جورج أو بقصة فرانسيسكو. نوعا السرد يلتفان حول بعضهما مثل نباتات متشابكة في واحدة من رحلات جورج الأخيرة مع أمها كانت لتشاهد جداريات فيرارا ودِل كوسا، كانت مسكونة برؤي غريبة لفتاة مراهقة تستخدم لوحة خشبية للوفاء بالنذر وترفعها للسماء "مثل قس يرفع الخبز". وحقيقة أن اللوح الخشبي هو عبارة عن حاسب لوحي "آي باد" تُبقي القارئ في مُزحة بينما فرانسيسكو لم يكن موجودا، وتلك واحدة من اللمسات البارعة التي ضمت سميث بها أجزاء الرواية. في قلبها، "كيف أكون كليهما"، وقد وصلت الرواية إلي القائمة الطويلة لجائزة البوكر، هي التحدي البليغ للثنائيات التي تحكم وجودنا. لماذا تبدو سميث كمن يسأل، هل نتوقع كتابا يسير من ألف إلي باء، بطريقة الحبكة والحبكة الثانوية المعروفة، يتم تشخيصها بأناس من السهل فهمهم بأن يكونوا شيئا أو آخر؟ شخصيات سميث تستمتع بمفاجأتنا - جورج لها اسم ولد ولكنها فتاة والتي اكتشفت جنسها حديثا؛ فرانسيسكو وُلِد بنتا، قيد نهديه وعاش كرجل. وعندما دُعي فرانسيسكو من صديقه الرجل إلي بيت دعارة لم يشأ الفنان أن ينام مع العاهرة ورسمها بدلا من ذلك. بعد ذلك بقرون عندما درست جورج وأمها جداريات دِل كوسا لم يفرقا في أعماله بين الذكر والأنثي. وفي النهاية قررتا أنه لا يهم. حين رأي فرانسيسكو جورج لأول مرة ادعت أن جورج ولد فقط لتدرك في النهاية أنها أخطأت . في نسختي "كيف أكون كليهما" أدركت قصة جورج أولا. فتجربتها قدمتها سميث بقوة تامة، حيث تتذكر المؤلفة بوضوح ما الذي تفقده فتاة مراهقة حادة الذكاء بدون أن تعترف به. إن حزن جورج علي أمها وحيرتها في فهم كيف أن محبوبا يتوقف ببساطة عن أن يكون موجودا، هذه الفكرة المتحركة تقود إلي أسئلة لا تتوقف لتبحث أين تقع الحدود بين ما هو حادث الآن وما سيحدث. هذه الثنائية هي قلب الكتاب: حيث يتزامن وجود الميت مع الحي وتتشابك قصصهما، أحيانا بطريقة ليس لها معني إلا أنها شاعرية . عندما كانت جورج في إيطاليا أخبرت أمها أن التاريخ يفزعها، وهذه فقط ميزة للتعويض عازمة أن تكون بخير وأن تتغلب علي الآتي. ردت أمها علي سلسلة من الأسئلة: "هل ذهبت الأشياء؟ هل ما حدث لم يكن موجودا؟ أم توقف عن وجوده هذا لأننا لم نعد نراه يحدث أمامنا؟" المتعة تكمن في لعبة سميث التي اتخذتها في شكل الخيال التقليدي وهي أن القارئ يتفهم إثارة المشاعر قبل أن تعرفها شخصيات الرواية . لأنه، بالطبع، كل الأحداث مازالت تحدث ذ في تذكرها لأمها، استحضرت جورج حياة أمها وفي بحثها عن جداريات دِل كوسا، الفنان أيضا، مازال حيا ويتنفس من خلال أعماله. في هذه النصوص المليئة بالمرايا لاشيء مؤكد. في منتصف كتاب جورج، هي وصديقتها ه كان لديهما تصميم لمشروع مدرسي عن موضوع " التعاطف". وقررتا أن يكون علي لسان فرانسيسكو دِل كوسا بتخيل حياته. هل يمكن أن يكون الجزء الخاص بفرانسيسكو مجرد نتاج تخيل عقل فتاتين مراهقتين؟ يُترك القارئ عالقاً بين الأسئلة. إنها حيلة مدهشة أن تلعب. هل تمكنت سميث من جذبك، هذا يعتمد علي نوعيتك كقارئ. نصوص فرانسيسكو متناثرة في شكل شظايا شعرية ساحبة التسلسل الزمني للأمام وللخلف بعيدة عن الشكل الذي يبدو أحيانا من الصعب أن تفهم ما يحدث.لكن جملة مثل" في الأسفل من/هذا الخط الرفيع/مصنوع من لاشيء /أرض وحصي / اجتماع القذر والأرض/وحبات الحجارة .." لا يمكن إنكار جمالها، ولهذا هل يهم أن تستنتج ما يحدث؟ شخصيا فضلتُ سرد جورج وبسعادة قرأت رواية متكاملة تحتوي علي أكثر من الحبكة التقليدية لقصتها. أُعجبت بنصوص فرانسيسكو وانهمكت فيها ومن حين لآخر تشعر كما لو كانت أفكار سميث الماهرة للغاية في خطر إزعاج القصة . ولكن لا شك أن سميث رائعة في جرأتها وقوتها المطلقة في إبداع روايتها تجذبك وتجعلك تلهث حتي الصفحة الأخيرة. عن الجارديان