يورام كانيو ك الآن قصة حرب 1948، يرويها لنا الروائي الإسرائيلي يورام كانيوك في روايته الأخيرة "تَشَح"، وهي التسمية التي تشير إلي الحرب التي تمخضت عن إعلان قيام إسرائيل والنكبة الفلسطينية سوياً. الروائي الهام، والذي ينتمي إلي الجيل العبري الذي شهد إعلان قيام دولة إسرائيل، يكتب ذاكرته الخاصة عن الحرب، التي سبق وأن شارك فيها، منذ كان صبيا في الصف الثاني عشر، عام 1947. ذاكرة مختلفة إذن تقدمها لنا هذه الرواية، ذاكرة جندي إسرائيلي كان في الحرب من أجل احتلال فلسطين، ثم تحول إلي واحد من الروائيين الكبار، ولكنها مختلفة لسبب آخر، فالرواية لا تكرر الخطاب الصهيوني بدقة، بل تحاول، بلا وعي ربما، تقويض أسطورة ولادة إسرائيل. في إحدي لحظات الرواية يرسم كانيوك صورة غير معهودة للحظة إعلان قيام الدولة: مجموعة جنود مرهقين إلي حد الموت، في موقع عسكري معزول بباب الوادي قرب القدس، يرتعشون من البرد بعد أن غطوا بمعاطفهم جثة زميلهم القتيل، والذي لم يكونوا يعرفون اسمه. وعندئذ يظهر بني مهرشيك، وهو المفوض السياسي لكتائب البالماح. يضيف كانيوك: "هذا المجنون اللذيذ... عندما تمزقت مؤخراتنا تحت وطأة حنينه وشعرنا فعلا أننا نريد أن نفعل شيئا في الموضوع ونقيم دولة لبني، كي يحل عن رؤوسنا، وجدنا أنفسنا مقطوعين في موقع ما." قام بني بإجبار الجنود علي الرقص احتفالا بقيام الدولة: "وهذا هو الشيء الأكثر إضحاكا الذي حدث في هذه الحرب، قامت الدولة أثناء نومنا وأمرنا رفيق مجهول بالرقص." في مقابل هذا، وفي واحدة من لحظات الضعف الموصوفة في الكتاب، هناك الكثير منها، ترد قصة قاسية عن مقتل طفل عربي في قرية محتلة، بعد أن وجد المحاربون صديقهم معلقا علي شجرة. الراوي، وفق شهادته، وهو يتحدث باسم الكاتب يورام كانيوك، هو من أطلق النار علي الطفل. بعد الحرب حاول أصدقاؤه مواساته: "ما يهم هو أنه لدينا دولة وأننا أقمناها بالدم، وصحيح أنه كانت هناك لحظات قاسية!" برغم هذا، في بعض المقاطع من الرواية، يضيف جولاني، يصف الراوي نفسه وكأنه الصوت الأخلاقي الوحيد أمام رفاقه الذي فقدوا التحكم في نفسهم... ويمكن القول أنه ليس الوحيد في هذا التوجه، وربما يكون من يتحدث في الكتاب هو أديب اليوم، أكثر مما يتحدث محارب الأمس. مع هذا، فهناك ازدواجية ذات طابع إسرائيلية تلوح في الكتاب، وهي ليست غريبة أيضا عن الكثيرين، كما يقول جولاني، في العلاقة بفعل الحرب بشكل عام. يقول كانيوك في جزء من الرواية: "ربما كنت أريد أن أكون الشخص الذي يقتل عبد القادر الحسيني في القسطل، وخجلت من نفسي، وآلمني أيضا العبث الرهيب في الموت."