يبدو أن معركة الفساد في هذا الوطن.. معركة طويلة وممتدة.. فهناك قوانين ترعاه بل وتقننه.. وأشخاص لا هم لهم سوي أن يحتلوا هذا المنصب أو ذاك.. وثورتان يراد لنا أن " نكفر" بهما، ودماء لازالت تسيل حبا في هذا الوطن، فمقتل شيماء الصباغ ليس ببعيد، وأعتقد أن دماء أخري كثيرة مازالت في الطريق. بصراحة الفساد لازال مستشريا.. والرغبة في اقتلاعه أو حتي مواجهته بقوة وسرعة، ليست محل إجماع، الأكثر من ذلك أننا تناسينا العبرة من الماضي.. تناسينا شهداء محرقة بني سويف.. هؤلاء الذين رحلوا.. دافعنا عن حقوقهم لفترة.. ثم سكتنا.. هؤلاء رحلوا لأن فساد هيئة قصور الثقافة- رغم آلاف الشرفاء في هذه الهيئة- يقوي ولا يضعف.. قد تظن أنك توجه له ضربات قوية، لكن الحقيقة الموجعة أن عليك أن تنتظر الكثير من الوقت، حتي تصيب ولو مجرد هدف واحد. منذ فترة انفردت جريدة " أخبار الأدب" بنشر بعض التفاصيل الخاصة بست شركات تقوم بأعمال انشائية في عدد كبير من مواقع هيئة قصور الثقافة، إلا أن هذه الأعمال-في مجملها- مخالفة لشروط التعاقد، وهو الأمر الذي أدي إلي أن ترفع الادارة العامة للمشتريات والمخازن التابعة للإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية مذكرة بشأن عرض التقييم الفني لبعض الشركات المتعاملة مع الهيئة من الناحية الفنية، وذلك لعدد (8) شركات، وكانت نتيجة التقييم الفني أن يتم وضع (6) شركات منها علي القائمة السوداء للممنوعين من التعامل مع الهيئة ولا سيما أنه تم مخاطبة الشركات علي العناوين المدرجة في قيد الموردين، فلم يستدل لهم علي عنوان و لذا تم مخاطبة الهيئة العامة للخدمات الحكومية بهذا التقييم والتي بدورها أفادت أنه من حيث المبدأ وطبقا لأحكام القانون رقم 89 لسنة 1998، ولائحته التنفيذية فإن جهة الإدارة المتعاقدة هي المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال المتعاقدين الذين يخلون التزاماتهم التعاقدية ويقع علي عاتق الجهة مسئولية اتخاذ كافة الإجراءات حيال هذه الشركات. وواضح تماما من رد الهيئة العامة للخدمات الحكومية، علي خطاب الثقافة الجماهيرية، أن هناك مخالفات تتطلب اتخاذ كافة الإجراءات، وهذا يعني ضمنيا عدم موافقة هذه الهيئة علي قرار هيئة قصور الثقافة بمجرد شطب الموردين، بل يجب أن يستتبع ذلك بإجراءات أخري، ورغم وضوح هذا الخطاب ووضوح المخالفات، تم إحالة الموضوع لمجلس إدارة الهيئة، الذي اتخذ قرارا في 29 سبتمبر الماضي، بأن يعرض المستشار القانوني للهيئة مذكرة قانونية شاملة لهذا الوضع والقرارات التي يجب أن تتخذ، ورغم خطورة الموقف، إلا أنه للأسف لم يعرض علي المجلس مذكرة المستشار القانوني إلا بعد ثلاثة أشهر، وتحديدا في 30 ديسمبر 2014، إذ اجتمع المجلس في نهاية أكتوبر، إلا أن المستشار القانوني لم يكن قد أنهي مذكرته، وفي شهر نوفمبر لم يوجه د. سيد خطاب رئيس الهيئة المجلس للانعقاد-في واقعة غير معهودة- ثم جاءت مذكرة المستشار القانوني التي عرضت في جلسة 30 ديسمبر، تحمل العديد من المفاجآت علي رأسها، تقاعس إحدي الإدارات في الهيئة في إرسال الأوراق التي طلبها، وأثبت ذلك نصا: " وبتاريخ 2 نوفمبر 2014 طلبنا من الإدارة المختصة التعقيب علي الموضوع وارفاق المستندات اللازمة للفصل فيه، وتم استعجال ذلك بتاريخ 19 نوفمبر 2014، ولم نوف بالرد حتي تاريخه"، الغريب أن رئيس الهيئة د. سيد خطاب لم يتخذ أي إجراء ضد مدير عام الإدارة التي تعوق تقديم أوراق في مثل هذه القضية الخطيرة، والأدهي أنه لايجد حرجا من أن يذكر المستشار القانوني هذه المعلومة وتعرض علي مجلس الإدارة، دون أن يتخذ هو قرارا!!!!.، علما بأن جميع أوراق مجلس الإدارة تعرض علي رئيس الهيئة قبل اجتماع المجلس. المهم أن المستشار القانوني للهيئة وهو بدرجة نائب رئيس مجلس الدولة، استعرض المواد القانونية والأحكام التي تنطبق علي الحالة المعروضة، وأقر بأن الشركات الست-في ضوء الأوراق المعروضة عليه- قد أخلت بالتزاماتها التعاقدية في التعامل مع الهيئة، وأقترح أن تسحب الأعمال من الشركات ويتم تنفيذها من قبل شركات أخري علي حسابها بذات الشروط والمواصفات المعلن عنها والمتعاقد عليها، وذلك بأحد طرق التعاقد المقررة بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والأحكام الواردة بلائحته. إلا أن مجلس الادارة بعد أن خاض مناقشات مطولة-خاصة أن المجلس يضم خبراء من خارج وداخل الهيئة في الشئون الإدارية والقانونية- قرر بالإجماع إحالة الموضوع إلي النيابة العامة والإدارية، وذلك لثلاثة أسباب، السبب الأول هو عدم معرفة الهيئة بعناوين الشركات، فكيف تلزمها بدفع نفقات الشركات الأخري، التي سيؤل العمل لها بدلا منها، السبب الثاني هو عدم تمكن المستشار القانوني من الاطلاع علي كافة أوراق الموضوع، وبالتالي تصبح مذكرته ناقصة من الناحية القانونية، الأمر الثالث أن هناك إهدارا واضحا للمال العام، وأن أحد المواقع تمت سرقته، وهو الأمر الذي يتطلب تدخل النيابة العامة للتحقيق، ولاتخاذ ما تراه إما حفظ البلاغ أو تحويل الواقعة للمحكمة المختصة، وقد تدخل رئيس الهيئة ليصوغ قرار المجلس علي النحو التالي: "تكلف الإدارة العامة للتفتيش المالي والإداري لاعداد مذكرة العرض علي النيابة العامة والإدارية، وجمع كل الأوراق المتعلقة بهذا الموضوع". لكن المفاجأة أن محضر هذا الاجتماع تم العبث به، ليتم إلغاء قرار مجلس الإدارة ليستبدل بقرار آخر لم يصدر من المجلس، وباعتباري عضوا في هذا المجلس منذ شهور، اتصلت فور ورود هذا المحضر لي تمهيدا لعقد مجلس الإدارة يوم 28 يناير، برئيس الهيئة لأخطره بهذا التزوير، إلا أنه لم يرد، فاتصلت بالكاتب المسرحي محمد عبد الحافظ ناصف بصفته نائبا لرئيس الهيئة وأحد أعضاء المجلس وأخطرته بما تم وبعدم سكوتي علي هذا الأمر، وأنني سأتقدم باستقالتي لوزير الثقافة، وطلبت منه أن يعود ويقرأ بنفسه، وللأمانة اتصل بي ليقر أنه بالفعل تم تغيير قرار المجلس، وأنه صيغ بشكل مخالف للمنطوق الذي أتفق عليه أثناء انعقاد المجلس، وطلب مني الحضور في موعد الاجتماع ومناقشة الأمر، وأنه سيبلغ رئيس الهيئة بذلك، وسيتم تصويب هذا الأمر، إلا أنني رفضت ذلك واتصلت بوزير الثقافة وأبديت له رغبتي في الاعتذار عن الاستمرار في المجلس، وأنني- أيضا- لن أسكت علي عدم تحويل الموضوع للنيابة، ولن أسكت كذلك علي التزوير الذي شاب المحضر، فطلب مني د. جابر عصفور الهدوء، وأنه سيتخذ كل الإجراءات الخاصة بتحويل الشركات للنيابة العامة بمعرفة مستشاره القانوني، وسيستجيب- كذلك- لطلبي بإحالة واقعة تزوير محضر مجلس الإدارة للتحقيق، وطلب مني الحضور للوزارة، وعقد اجتماع رباعي" أنا .. رئيس الهيئة .. المستشار الجليل وديع حنا ناشد رئيس محكمة جنايات القاهرة والمستشار القانوني للوزير.. والوزير"، وكانت المفاجأة أن رئيس الهيئة أقر بوجود تزوير بالفعل-هكذا استخدم اللفظ- وأنه منذ أن عرف بهذه الواقعة من نائبه، أطلع علي جميع الأوراق ومعه قيادات الهيئة، حيث تصادف انعقاد مجلس القيادات ، وذكر أمام الوزير من قام بتغيير منطوق مجلس الإدارة، إلا أنني رفضت تحميل هذه المسئولية سوي له شخصيا، لأنه هو الذي يعتمد هذا الأمر، وهو الذي يوجه لنا بتوقيع منه محضر الاجتماع. كما أخطر د. سيد خطاب، الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، بأنه قبل مجيئه قام بالفعل بتحويل الموضوع للنيابة العامة، فطلب منه نسخة من هذا التحويل، كما طلبت منه ذات الطلب، وبالفعل جاءت المذكرة ومدون عليها بخط يد سيد خطاب: " الادارة العامة للشئون القانونية.. لاتخاذ اللازم قانونا والإحالة للنيابة الإدارية والعامة"، لكن حتي هذه اللحظة لا توجد إحالة فعلية. وقد انتهي الاجتماع بقرار واضح من وزير الثقافة بإلغاء دعوة رئيس هيئة قصور الثقافة بعقد اجتماع لمجلس الإدارة، الذي كان مقررا يوم الثلاثاء الماضي، إلا بعد إحالة الموضوع للنيابة العامة ويخطر هو و المجلس برقم الاحالة، وأن يحضر الوزير بنفسه هذا الاجتماع. هذا ما حدث.. لكن ماذا سيحدث.. بالتأكيد لا أعلم!.