بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 9 مايو 2024    ارتفاع كبير.. مفاجأة في سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 9 مايو بالبورصة والأسواق    بتحريض من الكونجرس، الشرطة تخلي مخيم طلبة متضامنين مع غزة بجامعة جورج واشنطن    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    موعد مباراة روما وباير ليفركوزن في الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    ميدو يكشف مفاجأة بشأن شيكابالا حال التتويج بالكونفدرالية    حرارة قاسية وتدهور الرؤية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر    بكلمات مؤثرة.. منى زكي تنعى والدة كريم عبد العزيز    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    شوبير يكشف مفاجأة بشأن تجديد عقد علي معلول في الأهلي.. خلاف حول الراتب.. عاجل    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    جريمة تهز العراق، أب يقتل 12 فردا من عائلته ثم يتخلص من حياته (صور)    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    إبراهيم عيسى: الفكر السلفي معطل للاقتصاد المصري وخطر على الدولة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    خوان ماتا: عانيت أمام محمد صلاح.. وأحترمه كثيرا    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    متحدث الوزراء: المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال مستمرة حتى 20 يوليو    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيث أنا سنوات التيه
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 01 - 2015


مقدمة:
دفتر أحوال السنين الثقيلة
ليس من قبيل الصدفة أن تحمل معظم أسماء الناس في سيناء دلالة خاصة, أسماء مثل سالم, سلَّام, سليمان, سلامة, مسلَّم, سليم, كلها مشتقات من "سلام". إنه طموح فطري نحو الأمان, الناس هنا تعبوا من الحروب, تعبوا من الوقوف علي حافة هاوية, يرغبون في الخلاص من الحالة التاريخية التي رهنتهم بجغرافيا سياسية وأمنية حادة القسوة. يخطئ من يظن أن أهل سيناء عدائيون بطبعهم, الظروف التي سنفصلها في هذا الكتاب, في سنوات قريبة وعصيبة، هي ما وضعتهم في تلك الخانة قسرًا, أذكر منذ سنوات ليست بالبعيدة جدًا كنَّا »كلما تزايدت الضغوط« نحزم أمتعتنا, نأخذ سيارة أحدنا ونهيم علي وجوهنا في وديانها, جبالها, جهاتها الرحيمة, دون أن نجد من يضايقنا أو ينكِّد علينا رحلتنا, ثمة مواقف محفورة في الذاكرة, مرة كنا نمرح (نبيت) في أحد المطارح, يومها لم تكن الأغطية معنا كافية، حيث لم نكن نتوقع هذا البرد, تنبهنا علي من ينادي: "يا ولاد!", رحَّبنا بالصوت الغريب الذي عرفنا من هيأته أنه من أهل المكان, قال لنا: قوموا معي إلي المقعد، الجو الليلة بارد, تحججنا خجلًا: "معنا أغطية كافية", لكنه أصرَّ، ولمَّا كان "الضيف أسير المحلي ذهبنا معه, في آخر الليل بعد أن عشَّانا وقَهْوانا جلب أغطية كان من نصيبي أحدها, دفء الغطاء أكد لي أنه سحبه من فوق أحد أطفاله أو أهل بيته, تألَّمت صامتًا لتخيلي كيف سيقضون ليلتهم الباردة دون غطاء! لم أنمْ, ظللت طيلة تلك الليلة أؤنِّب نفسي, عرفت فيما بعد أن هذا لم يكن حالي وحدي, كان حال اثنين آخرين من أصدقائي لم يتكلما هما أيضًا خوفًا من أن يجرحا الرجل الذي كان ينام بيننا. أين ذهب كل هذا؟ الآن، لم نعد نجرؤ حتي علي التفكير بمثل هذه الأحلام, مخاطر لا حصر لها ستطاردك لو فكَّرت, ليس انتشار السلاح وحده المسئول, التحولات الدرامية التي حدثت في هذا المربع الحرج هي الأب الروحي لهذا الظلام الكثيف.
علي مدي سنوات أقل ما توصف به هي أنها سنوات ثقيلة كنت مثل غيري أعيش هنا, أراقب وأشاهد التحولات العميقة في المكان وناسه, كيف بعدما كنا نسمع عن حادثة قتل أو نزاع قبلي في سيناء بطولها وعرضها علي مدي سنوات متقطعة ومتباعدة جدًا أصبحنا نعيش مأساة حوادث القتل المتواترة بشكل شبه يومي؟ كيف صعدت شرائح اجتماعية لتقلب الطاولة وتحيل طابع الحياة الهادئ الرزين في سيناء إلي هوس "4"4تاللاندكروزر؟ المارادونا! الأسلحة الثقيلة! كيف نمت ثقافة اللامبالاة في مجتمع محافظ ومنضبط كالمجتمع السيناوي؟ كيف اختلطت ذقون الملتزمين دينيًا بذقون أخري استوعبت سريعًا شرعية اللحظة التي تمر بها سيناء بعد سيطرة حماس علي غزة وتواتر بزنس الأنفاق؟ كيف أغرق طوفان الترامادول الواقع العطشان للحظة نجاة من اللهاث وراء الأخبار الدرامية التي تلاحق الناس هنا؟ كيف اختلط البزنس بالسياسة والأمن وكل مناحي الحياة في هذا المربع الحرج؟ في هذه الفانتازيا التي سميتها في أحد المقالات "فانتازيا المنطقة ج" كنت أعيش وأري بعيني كما يري غيري, وكان أمامي أحد خيارين, الأول الصمت والاكتفاء بالكتابة الأدبية، وهو خيار وجيه ومريح, حجارة العثرة عديدة يا صديقي, ماذا ستفعل كتباتك في واقع يندفع كسيل خارج مجراه؟ لكن قناعتي بهذا الخيار لم تصمد طويلًا, قوة دفع هائلة كانت تحركني لأنحاز للخيار الثاني, الكتابة! نعم الكتابة, حتي ولو لم يقرأ أحد؟ حتي ولو لم يقرأ أحد.
لكن أين أنشر ما سأكتبه؟ لن يقبلوا ما تكتبه يا عزيزي, قلت لنفسي: ما الحل إذن؟ هل أكتفي بدفنها في الأدراج؟ ثم كانت الصدفة التي أظنها أحدثت خدشًا في واقع خشن, مدونة صغيرة علي الإنترنت أكتب فيها مقالاتي وانطباعاتي عن اللحظة التي تمر بها سيناء حصرًا, سميتها "سيناء حيث أنا", بدأت في كتابة المقالات بها عام 2007, وشيئًا فشيئًا انتبه الناس لها, في ظني وفي ظن الكثيرين ممن تابعوها كانت مثل دفتر أحوال سيناء الأخري التي لا يعرفها الإعلام, سيناء التي من دم ولحم, علي هذا النحو استمرت المدونة (2007 2012) حاولت من خلالها أن أحدث ثقبًا في حائط سوء الفهم السميك والعالي، فكانت خمس سنوات هي عمر المدونة التي استمرت واستمر تداول الناس معها, تفاعلوا وتفاعلت, لحظة بلحظة دونت المحطات الأساسية, شقت دربًا صعبًا خارج الدروب المُعَبَّدة, باختصار فعلت ما ينبغي عليها أن تفعله, استدعاني الأمن مرتين بسببها، إحداهما كانت في عيد ميلاد صغيري مهند الثالث، وبالمصادفة العجيبة كان ذلك نفس يوم الاجتياح الإسرائيلي لغزة! حذرني, أخرج خطاب اعتقال جاهزًا من درج مكتبه حتي أصدق, قال - وصوته يتداخل مع صوت المذيع الذي يتحدث عن أخبار الاجتياح - خليك في حالك وربِّ عيالك, هززت رأسي، لكنني لم أفعل, لم تكن بطولة, كان أحساس بالمسئولية يتحرك في رأسي كدودة تخدرني وتدفع عني »ولو مؤقتًا« شرور الخوف, توقفت فقط في لحظة كثيفة العتمة لم أستطع الكتابة فيها فأغلقت المدونة, كان ذلك بعد انتخابات 2010, ثم عدت لفتحها مرة أخري بعد الربيع التونسي.
هي تجربة أظنها - بالنظر إلي كل ظروفها - رحلة ضرورية في حقل ألغام, سرد يومي تغذي فقط علي قطعة السماء التي كم تمنيت لو يتركوها علي حالها بعيدًا, سرد استمر رغم حجارة العثرة التي لم يكن الأمن وحده من وضعها في الطريق, في حقل الألغام تعثرت قدمي بحجارة عثرة أخري عديدة حتي كان عام 2012 الذي انتهت فيه رحلتي مع مدونتي "سيناء حيث أنا"، حيث قررت إغلاقها إلي الأبد, كانت قناعتي هي أن هناك جيلًا جديدًا في سيناء باستطاعته أن يفعل ما عليه, ثمة وعي نما وينمو وهذا صحيح, ثم هناك مشاريعي الإبداعية التي توقفت، وليس من المنصف استمرار هجرها, باختصار هي رحلة أدعوكم للسفر عبرها وقراءة محطاتها بتأنٍ وحياد، راجيًا أن تكون عونًا في فهم ما يحدث في سيناء فهمًا موضوعيًا بعيدًا عن التشنج.
أخيرًا، أود أن أشير إلي أن ترتيب المقالات زمنيًا هنا هو ترتيب تنازلي من الأحدث للأقدم، وهو ترتيب مقصود, ثم هناك 4 مقالات في بداية الكتاب ليس لها علاقة بالمدونة ستجدونها من دون تاريخ, تمت كتابتها بعد إغلاق المدونة، وأظن أن نشرها هنا يفيد في إضافة تفاصيل تعين علي رسم صورة أظنها كافية للفهم.
الشيخ زويد: 23 أغسطس 2012
أن تعيش في سيناء: جنة اللاطمأنينة وجحيمها
قبل سنوات ليست بالبعيدة جدًا كنت أسمع بأذني وأري بعيني ما يقوله ويكتبه العابرون عن سيناء, عن دهشتهم أمام المناظر الخلابة التي تخطف الروح وتغسل الحضور الإنساني, الصحراء التي هي صحراء, البحر, السماء التي هي سماء, لم أكن أتحفظ علي تلك الدهشة, هي حق طبيعي للهاربين من عجلة المدنية الطاحنة التي تدهس بلا رحمة إلي لحظة صفاء تسرقهم من لهاثهم, فقط كنت أسأل نفسي دون صوت: ماذا إذن لو لمسوا بأجنحة أرواحهم المياه الجوفية للمكان بتعبير صاحب ورد النيل ومالك الليل الحزين؟ هل كانت نظرتهم ستظل هكذا مستسلمة لذلك السطح الهادئ الناعم؟ أم سريعًا ما ستتكشف لأقدامهم خرائط لحقول ألغام لا تبدأ كي تنتهي، ولكن كي تستمر من شرم الشيخ إلي سعسع.
الذين يعيشون هنا تتجاوز علاقتهم بالمكان الدهشة إلي المصير, هو مصيرهم, مربع وجودهم, وهم أسماكه التي لا تحتمل مغادرة الماء, لكنهم يعرفون تلك الخرائط عن ظهر قلب, يعرفون أين ينبغي للقدم أن تحاذر, وأين للقلب أن يحترس, أن تعيش في سيناء وتصير هي جزءًا منك وأنت جزءًا منها لا يعني أن تلبس الزي التقليدي وتضع "العقدة والمرير" فوق رأسك مثلما يفعل بعضهم وهو يتجهم للكاميرا أو يشد بأريحية علي يد مسئول, ثمة شروط أخري أهمها أن تعرف خرائط اللاطمأنية التي هي الجنة لمن يعرفها والجحيم لمن يجهلها.
بحذر يتحرك الكائن هنا, ثمة حجارة لا حصر لها جاهزة كي تصبح حجارة عثرة, هي نفسها ستصبح جسرًا لتعبر فوقه بشرط أن تعي وتفهم وأهم من ذلك تحترس, الواقع هنا معقد, سيقول لك البعض, القبلية والعادات والتقاليد سيقول آخرون, التشدد الديني سيقول غيرهم عن المتغير الجديد, جميعهم علي حق، ولكن هل هذا كل شيء؟ بالطبع لا.
في مصر سيناء ليست مكانًا استثنائيًا تعيش فيه الثقافة الصحراوية العربية بعاداتها وتقاليدها التي تبدو للأغيار صارمة وطاردة, في مطروح والواحات والبحر الأحمر وعلي حدود السودان, بل حتي في أرياف مصر في الفيوم والبحيرة ومناطق أخري تعيش نفس الثقافة, فما الذي يميز سيناء إذن؟ إنه قلق الجسور, قلق البوابات التي تصفعها الريح علي الدوام, لا تفتح ولا تنغلق, في حركة تاريخية دائبة, هي حالة اللاطمأنينة التي تتلبس المكان ويعرفها أهلها كما يعرفون أسماء أبنائهم, سيقول لك بعضهم: لكن 1973 كانت آخر الحروب وقد مضي عليها ما يقرب من أربعين عامًا! نعم هي آخر الحروب ومضي عليها أربعون عامًا، لكنها لم تنتهِ بعد, هذا الغليان الذي يتواصل كل يوم هو حصة أساسية من حصص اللاطمأنينة وثيقة الصلة.
أن تعيش في سيناء فهذا يعني أنك ابن هذه اللاطمأنينة, ابن القلق, ابن التوجس, ابن الخطوة المسكونة بحذر صحراوي يعرف أن عادة الرياح هي أن تأتي بما لا تشتهي السفن, إذا كنت تنتمي لهذا المكان بصلة الولادة فإنك سترث هذا في جيناتك, لن تبذل مجهودًا يذكر لتتآلف وتعرف وتفهم وتصبح تلك اللاطمأنينة جنتك, أما إذا شاءت الصدفة وساقتك الظروف فعليكَ أن تبذل مجهودًا ليس باليسير علي مثلك أن يتكبده, قد تفلح فقط لو أنصت, لم تتعجل, لم تتحرك بالقدم الواثق المغمض العينين, شفرة روحك عليها أن تظل هكذا مشحوذة, وشيئًا فشيئًا ستقترب من اللاطمأنينة لتأخذ من عنقها سلسلة مفاتيح الشفرات المغلقة دون أن تتذمر هي منك أو تحنق عليك.
علي هذا الحال يعيش أبناء المكان, ماذا إذن لو أضافت الحياة عليك عبئًا إضافيًا وأصابت روحك عدوي الكتابة؟ منذ سنوات بعيدة أتم صديقي روايته الفاتنة, أذكر قضينا العديد والعديد من الليالي، وبالحماس نفسه نتحاور حول الزمن الروائي, حول شخصيات الرواية, حول التفاصيل وتفاصيل التفاصيل, حتي اكتملت ليحدثني عما لم يكن مفاجئًا لي, قراره بعدم النشر, إنها اللاطمأنينة في أحد وجوهها المتجهمة, قلت كمحاولة أعرف أنها مجرد ضمادة لجرح قديم لا يمكن تجميله: ماذا لو نشرتها في الخارج باسم مستعار؟ لم يرد, أنا الآخر اكتفيت بتلك الجملة التي لم يتعدَّ دافعها أن يكون محاولة للسلوان.
وحده المجاز/ خِباء المعني يفعل ما عليه, يستر روحك ويقيها شرور اللاطمأنينة, هل لهذا السبب يتزايد عدد الشعراء هنا في سيناء ويتراجع عدد من يقفون علي أعتاب أشكال أخري من الكتابة يتراجع فيها المجاز لتنكشف الروح وتتعري؟ ربما, لكن ما أنا علي يقين منه هو أن اللاطمأنينة في حالتنا هذه عدوانية بشكل لا يقارن.
في مديح الملثَّم
أمس وفي تمام الثانية بعد منتصف الليل, انتابتني حالة استثنائية وأنا أتابع من شرفتي ارتفاع ألسنة اللهب من علي بعد أكثر من 25 كيلو مترًا, إنه التفجير الخامس عشر لخط الغاز الذي يعبر سيناء إلي إسرائيل, بعينيَّ أشاهد من بعيدٍ وفوق كثيبٍ عالٍ ظلالَ أجسادٍ آدميةٍ تصعد لتتابع المشهد, في الخلفية ضوء اللهب الباهر الذي يبدو في العتمة وكأنه شمس تشرق قبل ميعادها, حسنًا عاد الملثَّم من جديد, قلت لنفسي, في الصباح ستحتل الصورة الافتراضية له صدر الميديا, بخطي مترددة استدرت لأغادر الشرفة وفي البال "علي كل حالٍ يمكنني - أنا وهؤلاء الذين صعدوا - أن نقسم بأغلظ الإيمان أننا لمسنا أثره الساخن بأم أعيننا في ليلة صيفية رمضانية لا تقل سخونة, بعدها بدقائق قلَّبت الصفحة الرسمية للوكالة علي الويب وهتفت في نفسي - بعد أن تأكدت من خلوها من إشارة ولو حتي مقتضبة - "ها قد قهرتك يا رويتر.. كلي هواء!".. عاد الملثَّم إذن، ولكن عن أي ملثَّم أتكلم أساسًا؟
-1-
حدث هذا منذ صباحين, لم يخلعا بزَّتيهما العسكريتين اللتين أمضيا معهما الليل كله في الحراسة, أيديهما علي السلاح وفي البال أمنية صغيرة بأن تسمح لهما القيادة بإجازة قصيرة ولو لليوم الأول من رمضان ليفطرا هناك بين أهليهما, بعد أن أتما خدمتيهما تخففا من واقي الرصاص والسلاح والذخيرة, غادرا نقطة التفتيش مشيًا علي الأقدام لجلب طعام الإفطار لهما ولزملائهما الذين تسلموا الخدمة, الرجل الذي أعطاهما الخبز حكي للناس - فيما بعد - أنهما كانا يضحكان علي أمر لم يتبينه أحد, بعيدًا جدًا عن ثكنتهم، وفي منتصف الشارع العام بالشيخ زويد انشقت الأرض عن ملثَّم من نوع آخر, لم يفهما في البداية, لكن الطلقات التي تواصلت بغلٍ لم تترك لهما المجال للفهم, حاولا الهرب، ولكن كيف لأعزلٍ أن تسعفه قدماه.. "حسبي الله ونعم الوكيل"، قال الرجل الذي لم يجد غير جريدة الصباح ليستر بها جسدين بريئين.. "حسبي الله ونعم الوكيل"، رد آخر وهو يتطلع لأرغفة الخبز التي اصطبغت بالدم, لو كانوا رجالًا بالفعل لهاجموهم هناك والسلاح في أيديهم, قال آخر, أسئلة أخري ترددت في هذا الصباح الثقيل في الشيخ زويد, لكن الملثَّم الذي اختفي لم يترك للشيخ زويد وأهلها سوي الأثر الفادح ل"حسبي الله ونعم الوكيل".
-2-
غير بعيد عن بيتها كانت تحمل حقيبتين, في إحداهما أغراض بيتية، وفي الأخري مرتبات الموظفين الذين تعمل معهم في المدرسة كصرافة, 13 ألف جنيه مبلغ هزيل لا يدعو للمغامرة، لكنَّ ملثَّمًا من نوع ثالث أقنع نفسه "ريحة البر ولا عدمه", من علي دراجته الهوائية خطف حقيبة النقود وترك الأخري, ثم اختفي ليستقبل الناس الخبر بقليل اهتمامٍ من كثرة تكراره, بينما تنشغل هي بتدبير مرتبات الموظفين من مدخرات أسرتها وعون معارفها, هي تعرف جيدًا أن الإبلاغ عن حدث كهذا سيضعها مباشرة مع السؤال الأساسي: لماذا لم تتركيها في خزينة المدرسة؟ لن تشفع لها السرقات التي تكررت لأثاث المدرسة وللحواسيب الآلية, عدا إجبارها علي رد المبلغ سيجازونها ويضعون في ملفها الوظيفي ما لا حصر له من النقاط السوداء لذا آثرت السلامة وتكتَّمت علي الأمر وكأنها تكافئ الملثَّم بالصمت.
-3-
في كتابه "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلي بلاد الشام ومصر والحجاز"، (بدأ رحلته من دمشق غرة محرم 1105 هجرية/ سبتمبر 1693 ميلادية)، يقول عبد الغني النابلسي:
"سرنا علي بركة الله تعالي مع جماعة من ذلك الخان، منهم رجل من عرب البوادي اسمه حسب الله يدلنا علي الطريق فنسير بسيره مع الإخوان، فلم نزل سائرين في ذلك الرمل السهل الصعب حتي وصلنا إلي المكان المسمي الزعقة، بفتح الزاي وسكون العين المهملة بعدها قاف وهاء ساكنة، وليس هناك لا قرية ولا خان ولا عمارة وإنما هي برية قفرة من الرمل". وأشار إلي ذلك السيد محمد كبريت في رحلته، حيث قال:
"ثم أتينا بعده للزعقا أقبح به ماء تجافي الرفقا
ما فيه من خان ولا أنيس، بل بير ماء مالح حبيس
وإنما رأينا هناك قبة بيضاء وعمارة عظيمة مدفون فيها الشيخ زويد, بضم الزاي وفتح الواو وتشديد الياء المثناة التحتية مكسورة ودال مهملة, رجل ولي صالح كان من أعراب البوادي، ولهم عليه اعتقاد كثير حتي إنهم يضعون الواديع عنده من الذهب والفضة والحلي والمتاع وما يخافون عليه من الأمتعة وباب مزاره دايمًا مفتوح ولا يقدر أحد أن يأخذ منه شيئًا، وقد جرب ذلك العربان وغيرهم، ويحتمي بمزاره الخائف والقاتل، فلا يجسر أحد أن يهجم عليه ويأخذه، فقرأنا له الفاتحة، ودعونا الله تعالي، ثم سرنا قليلًا وجلسنا قريبًا منه في مكان هناك وأكلنا ما تيسر من الزاد وشربنا القهوة علي المعتاد".
إذن، ليس من قبيل الصدفة أن تحمل المدينة اسمه, في كتب الرَّحالة الذين مرَّوا من هنا ستجد اسمًا آخر, هو "الزعقة", الزعقة هو اسم بئر شهيرة انطمرت الآن, روايات شفاهية أخري تقول إن المدينة حملت لفترة اسم "البسطة" لأن التجار في سوق المدينة الشهير كانوا يبسطون بطول شارعها الرئيسي بضائعهم, لكنَّ الشيخ زويد صمد أمام المنافسة ليربح الجولة الأخيرة, فتحمل البلدة التي تتحول ببطء إلي مدينة اسمه.
لم يخبرنا الملثَّم حين فجَّر قبَّة المزار مرتين متتاليتين عن حل للورطة التي أوقعنا فيها: بماذا سنسمي البلدة التي تتحول ببطء إلي مدينة لو افترضنا أنه نجح في إزالة أثر المزار من الوجود؟ أما صخرة ديان (مسمار جحا الإسرائيلي في سيناء كما يحلو للبعض تسميتها)، هذا النصب التذكاري الذي لا يبعد سوي مرمي حجر عن مزار الشيخ زويد، فالله وحده يعلم سر عدم وصول أقدام الملثَّم الثابتة إليه!
-4-
في ثقافة الصحراء, ليس في سيناء وحدها، بل في معظم الصحاري العربية باستثناء لافت هو صحراء الطوارق, الأصل هو ألا يتلثَّم الرجل, لا يستر وجهه, المرأة هي التي تتخفي, تستر وجهها خلف برقع (للمرأة) أو غشوة (للبنت), هناك أيضًا القنعة السوداء (الوقاة) لكلتيهما, إذن الأصل أن يستتر وجه المرأة فلا يبين سوي عينيها (بالنسبة لسيناء في الأصل عين واحدة المسموح لها بأن تبين), هذه هي القاعدة، وإن كانت هناك حالات مألوفة، كأن يأخذ الرجل طرف عقدته (غطاء رأسه) ليلفه حول أنفه وفمه ليتقي ريحًا ساخنة أو عاصفة رملية تلهب أنفه، لكنَّ هذا لا ينفي قاعدة أن الستر لوجه المرأة لا الرجل، علي عكس الثقافة السائدة لدي الطوارق، حيث يستتر الرجل، بينما تكشف المرأة وجهها.
مع ذلك، أظنني سأكون متجنيًا إن قلت إن ظاهرة الملثَّم عادة أمازيغية صرفة, هي فقط مجرد محاولة للعثور علي صلة صحراوية لفهم ثقافي في الأساس لتلك الظاهرة, لذا لن أستبعد من رأسي فكرة أن كثيرًا من قطاع الطرق في الحضارات القديمة كانوا يسترون وجوههم, قراصنة البحار, أيضًا لا ننسي أن الصورة التقليدية لرجال القاعدة في أفغانستان وخارجها كانت وظلت هكذا, حتي في غزة غير البعيدة عن سيناء, الصورة التقليدية لكتائب المقاومة، سواء كتائب عز الدين القسام أو غيرها هي صورة لرجال مسلحين ملثَّمين لا تظهر سوي عيونهم.
لكنَّ اللافت هنا في سيناء، وخصوصًا بعد الثورة، أن المسلحين لم يعودوا وحدهم من يحتكرون اللثام, صار من العادي أن تصادف ملثَّمًا يتجول هنا أو هناك, بداعٍ وبلا داعٍ, علي ظهر دراجة هوائية يحتمي من لفح الريح, أو حتي يمشي علي قدميه بدافع أو دون دافع، كما لو كان اللثام من سنن الزهو الحديثة، تمامًا مثل تركيب سارينة التنبيه الأمنية في السيارات الخاصة, لكن وكي تكتمل الصورة من المفيد القول إن من يقبل علي هذا غالبيتهم من الشباب وصغار السن.
-5-
هناك بند هام ونبيل في القضاء العرفي لبدو سيناء يعرف ب"الدلنجي"، وحق الدلنجي في هذا القضاء الشفاهي يتعلق بالقتل الغدر, والغدر في العرف البدوي السيناوي ديته مربعة، أي مضاعفة أربعة أضعاف، في التفصيلات إذا قتل رجل غريمه وهو نائم فهو دلنجي، وإذا قتل رجل غريمه دون أن ينبهه ليأخذ بسيفه ويدافع عن نفسه فهو دلنجي, بل إن بعضهم يبالغ ويقول: إذا سقط السيف من يد غريمك ولم تمهله ليلتقطه ويدافع عن نفسه فأنت دلنجي! هنا بالطبع لست في حاجة لذكر أسباب تعطيل هذا البند الهام من بنود القضاء العرفي, فاللحظة لم تعد بتلك المثالية الفادحة، ثم إن القضاء العرفي كله يتراجع الآن في سيناء ذ بعد الثورة - ليحل محله القضاء الشرعي!
-6-
هو إذن أكثر من ملثَّم, ملثَّم يفجِّر خط الغاز, ملثَّم يخطف حقيبة سيدة, ملثَّم يقتحم مكتب البريد بقوة السلاح, ملثَّم يقتل صرافًا ويستولي علي أموال الموظفين, ملثَّم يقتل جنديين أعزلين بعيدًا عن ثكنتهما العسكرية, ملثَّم يخطف الأجانب, ملثَّم يقطع الطريق, ملثَّم يمشي في الشارع مزهوًا بنفسه, ملثَّم لا يظهر سوي في لحظة بعينها, إنه إذن زمن الملثَّم بامتياز, زمن الوجوه الافتراضية.
ثائر وقاطع طريق
"النار توري والطريق تجيب".
مثل صحراوي سيناوي علي فترات متقطعة ومتباعدة صارت المشاوير التي أقطعها من الشيخ زويد في صحراء سيناء، حيث أعيش، إلي كفر العنانية في ريف الدقهلية، حيث مسقط رأس العائلة, الطريق في الأحوال العادية مرهق لرجل لا يملك سيارة مثلي, فما بالك الآن بعد أن تحول السفر إلي مغامرة, منذ أسبوعين كانت هناك مناسبة من النوع الذي لا يمكن تجاهله أو الاعتذار عنه, في التفصيلات ثمة مراحل عليك أن تقطعها؛ إذ ليست هناك وسيلة سفر مباشرة، خصوصًا للكسالي أمثالي, من لا يمكنهم اللحاق بميعاد وحيد مبكر, في العريش اندهشت لأحدهم وهو ينادي "المنصورة", قلت في نفسي هو الحظ يحالفني وأنا أسرع إلي الرجل وكأن كل المسافرين في موقف العريش ذاهبون إلي المنصورة ليفوتوا عليَّ فرصة الحصول علي مقعد, ساعة أو أكثر قبل أن يكتمل "البيجو 7 راكب" ويتحرك لتتحرك معه حكايات الطريق, السائق ريفي ودود سمح لنا بأن ندخن وسمحنا له بأن يحكي, هي المرة الأولي التي يأتي فيها للعريش مع أسرة من معارفه. قال: "صدقوني يا جماعة مش عشان الفلوس, كنت عاوز حد يسليني وأنا راجع.. الطريق طويل وأنا أول مرة آجي العريش ومش عارف الطريق كويس", طمأنه الذي يجلس بجواره وطمأننا نحن أيضًا بأنه سيفعل ما عليه ويتولي مسئولية الإنصات لحكايات السائق وتسليته بالنيابة عنا, ما أدهشني أنه لم يسأل ولو مرة واحدة عن الطريق ولا حتي عند التقاطعات قبل أن يدخل الطريق الدولي, حكي أنه تردد كثيرًا قبل أن يقرر المجيء إلي العريش بعد ما سمعه عن خطورة الطريق والنهب والسلب، ولولا محبته الكبيرة للأسرة التي جاء بها لرفض حتي ولو دفعوا له مليون جنيه، كما قال. أوشكت أن أقول له إن حال طريق العريش لا تختلف عن حال كل طرق مصر، لكنه تطوع بنفسه للرد عندما سأله أحدهم عن بلده فأجابه باسم قرية صغيرة بالقرب من السنبلاوين، فقال الرجل إنه من قرية لا تبعد سوي كيلومترين عن قريته، ثم سأله عن الأحوال بعد الثورة لأنه لم يزر أهله منذ عامين، فانفتحت شهية الرجل وراح يسب ويلعن في الانفلات الأمني وفي الحرامية الذين سرقوا جاموسته وطالبوه بثلاثة الآف جنيه ليردوها له, وتفصيلة تجر تفصيلة انتبهت لمهارته في الحكي, حكي أنه ذهب بعد ما سرقت جاموسته إلي حرامي شهير, كبيرهم هناك, وأنه وجده نائمًا, نبهته زوجته بأن أحدًا لا يجرؤ علي الدخول عليه, هي نفسها لا تجرؤ علي ذلك حتي ولو كانت الحكومة (الشرطة) أمام الباب! لكنه فعل ودخل معتمدًا علي يد بيضاء كانت لأبيه عليه, نادي، فسأله الرجل: من؟ فقال: فلان بن فلان, قال: تعالَ, تمغط علي سريره وهو يحتضن الرشاش كأنه امرأته, نادي زوجته لتعمل الشاي ثم سأله عن حكايته وهو يتثاءب, كان السائق يصف الحرامي الكبير بطريقة ذكرتني بوصف أحد رواة الصحراء الذين أعرفهم لأبي زيد الهلالي, فمه حين فتحه وهو يتثاءب من الممكن أن يبلع رأس رجل! الإصبع الواحدة من كفه بسمك عصا غليظة (شومة)! حكا له حكاية جاموسته وجاموسة جاره، التي سرقت هي الأخري, فقال: ثلاثة الآف, ألف ونصف له، وألف ونصف لصبيانه. سأله أن يخفض المبلغ كرامة لأبيه, فرد بأنه فعل, لو لم يكن هو ابن فلان صاحب اليد البيضاء عليه لطلب خمسة الآف، ولكن من أجله خفضها لثلاثة, عاد وحكي الحكاية لجاره فتعلل بضيق ذات اليد وعدم استطاعته تدبير المبلغ, عرض عليه أن يسلفه إيَّاه فرفض أيضًا لعدم ثقته في عودة جاموسته, قال: "عوضي علي الله" وانصرف.
انصرف انتباهنا نحن، بمن فينا السائق، لنقطة تفتيش "النصر" علي الطريق الدولي, أمال جندي الجيش رأسه وسألنا بنصف ابتسامة عن البطاقات الشخصية وإن كان بيننا من ليس مصريًا؟ أخرج كل منا بطاقته دون أن يرد علي السؤال, فنظر الجندي لنا دون أن يتناول أي بطاقة وأشار للسائق بالمرور فتحركت السيارة. قال وهو يستدير نصف استدارة لجاره كما لو كان يحرضه علي الكلام: "عندهم حق.. لولاهم كنا كَلْنا بعضنا!", كادت محاولته تفلح في شد انتباه جاره وإعادة الحماس الذي انقطع ربما لطول الطريق, لكنَّ رنَّة محمول جاره العالية قضت عليها بالضربة القاضية.
لسبب يعلمه الله - حتي بعد أن أتم جاره المكالمة التي طالت - توقف السائق عن الكلام وركز علي الطريق دون أن يميل برأسه لجاره أو حتي ليتطلع في المرأة مخاطبًا الركاب كما كان يفعل طول الطريق, عبرنا نقطة تفتيش "بالوظة" دون أن يستوقفونا, وصلنا إلي كوبري السلام العلوي فوق قناة السويس, أنهينا التفتيش الروتيني وعبرنا الحاجز لدخول الكوبري, استوقفنا جندي جيش كالعادة بجهاز الكشف عن المخدرات وتقدم بجوار السيارة والجهاز ممدود علي طول ذراعه, علق أحدهم بعد أن تركنا الجندي: "جهاز تعبان"، ورد آخر: "والله ناس فاضبة"، لم يعلق السائق, عبرنا الكوبري, واصلنا الطريق, قبل الإسماعيلية بقليل وازتنا "بيجو 7 راكب" أخري, وبدا أن سائقها يريد مخاطبة سائقنا، فاقترب هو الآخر منه, لم نسمع نحن، لكنَّ السائق سمع، وقال - بعد أن انطلق زميله بعيدًا ودون أن ينظر في المرآة إن طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي مقطوع من عند مدخل الإسماعيلية, سألناه عن السبب فقال: مظاهرات, دخلنا طريق الزقازيق الزراعي، وقبل الزقازيق بقليل توقفت السيارة، وأمامنا من بعيد كان الدخان يتصاعد وتصل إلي أنفي روائح الكاوتشوك التي يألفها, لم يسأل أحد، لكنَّ لساني تطوع بعد أن تأكد أنفي من الرائحة: "الطريق مقطوع يا جماعة!".
فلاش باك
مشهد مألوف ومتكرر قبل الثورة وبعدها, قيام مجموعة من أهالي سيناء - الذين كرست الميديا لهم اسمًا قصريًا وحصريًا هو "بدو سيناء" - بقطع أحد الطرق الحيوية في سيناء - وما أكثرها - احتجاجًا علي ظلمٍ أو تجاهلٍ أو تعنتٍ أو تمييز, أو للإفراج عن سجناء سياسيين، وهم كثر، بتعبير أبي فراس الحمداني, في قلب الكادر دخان الإطارات الكاوتشوكية المحترقة وألسنة اللهب التي تلاعبها ريح صحراوية, ثمة طريق تتناثر علي أسفلته حجارة متناثرة هنا وهناك, نصيحة لا تعطها الكثير من الأهمية, هذه الحجارة موجودة فقط كعلامة, في الكادر أيضًا نظرات التحدي, حول العنق, فوق الأكتاف أو فوق الرأس العَقدة السيناوية التقليدية (الحَطة، كما يسمونها في فلسطين، أو الشماغ، كما في جزيرة العرب), حمراء في الأساس, ستصبح فيما بعد سوداء أو صفراء، وألوان أخري, هل يجوز لي هنا أن أتساءل عن السبب الذي من أجله أصبحت تلك العقدة بالذات تيمة أساسية لزي شباب الثورة في التحرير وفي كل ميادين مصر؟ حسنًا، عربات الدفع الرباعي هي الأخري بهيئتها المهيبة تحتل مكانًا لها في الكادر, تتراجع المارادونا لتحل محلها ذ بعد الأنفاق - اللاندكروز, لا تفكر في الأعداد, الأعداد هنا قليلة, العشرات أو المئات تعبير لائق, في حالات استثنائية سيتجاوز الرقم الألف والآلاف، كما هو الحال أثناء الثورة وبعدها, لكنها سمة أساسية من سمات الاحتجاجات في سيناء, أعداد قليلة ورسالة قوية, هذا هو الحال.
وهم الصورة
ثمة صورة شهيرة جدًا غالبًا ما تستعين بها مواقع الإنترنت عند عجزها عن تدبير صورة جديدة لخبر عن اعتصام أو احتجاج في سيناء, الصورة لمجموعة من أهالي سيناء بزيهم التقليدي يعتصمون علي الحدود, في الصورة السلك الشائك للسياج الحدودي خلفه سيارة جيب إسرائيلية يقف أمامها جندي إسرائيلي يتحدث مع مجموعة من الأهالي لا يفصلهم عنه سوي سنتيمترات قليلة, هذه الصورة ظهرت في بداية موجة الاعتصامات والاحتجاجات التي تصاعدت بداية من 2005، ولم تنتهِ حتي الآن, الحدث كان مرعبًا, العصا الغليظة للأمن هبطت بلا رحمة علي أبناء سيناء كعقاب جماعي لهم علي ظنون لم تتأكد أو حتي تأكدت بأنهم السبب وراء سلسلة تفجيرات جنوب سيناء (شرم الشيخ، دهب، طابا), أكثر من أربعة آلاف مواطن (في تقديرات أخري خمسة آلاف) تم اعتقالهم بشكل عشوائي والتنكيل بهم, لدرجة أن السجون وأماكن الحجز التابعة للأقسام ومقار أمن الدولة ضاقت بهم فاضطروا لاستعمال معسكرات الأمن وعنابر الجنود لاحتجاز الناس بها, موقف لا تليق به سوي اللقطات القاسية لمعسكرات الاعتقال في رائعة مصطفي العقاد عن عمر المختار. المدهش أن الإعلام المصري ترك كل هذا وأمسك جيدًا ربما رأي في ذلك فرصة وحيدة للنجاة من عاره الثقيل - بتفاصيل الصورة! لماذا يذهبون علي الحدود؟ التلميحات عن الود الذي يتحدث به الجندي الإسرائيلي مع الأهالي لن تنقطع! حتي الذين ادعوا التعاطف لم يتحرروا من ورطة التشويش المتعمد علي ما ارتكبه الأمن المصري من جريمة, "لو فقط فعلوا ما فعلوا بعيدًا عن الحدود"، يقول صاحبنا المتعاطف!
مرة سألني أحدهم وأوشكت أن أندفع بحماس لأقول له، إن الناس ذهبوا إلي الحدود لغرضين لا ثالث لهما, أولًا لجلب أنظار الإعلام المحلي والعالمي لرعاية همومهم ورفع الظلم عنهم, وثانيًا لضمان حمايتهم من بطش الأمن المصري في لحظة لم يكونوا فيها يملكون سلاحًا للدفاع عن أنفسهم, لكنَّ هذا سيتغير بعد قليل.. "طباخ السم بيدوقه"، والسلاح الذي سيعبر إلي حماس هناك من يحتاج إليه للدفاع عن عرضه وشرفه في ثقافة يمثل فيها هذان العاملان جوهر الوجود, كنت سأقول له أيضًا، إن الناس هنا عددهم قليل ولا يمكنهم تبعًا لهذا العدد القيام بعمل مسيرات أو مظاهرات, ثقافة المظاهرات تحتاج إلي كثافة بشرية هي غير متوفرة, كنت سأقول له كل ذلك وأكثر، لكنه بصق في وجهي بتلك التهمة الجاهزة: "خونة"، فانطفأ حماسي ولعنت في سري الجهل والشوفينية وضيق الأفق.
الشيخ زويد: لعنة الجغرافيا
ليس لأنني أعيش بها، ولكن لأسباب موضوعية تتعلق بالجغرافيا السياسية هي الآن في ظني وظن كثيرين ممن هم علي دراية بتعقيدات الأوضاع في سيناء - البلدة الأكثر أهمية في سيناء علي الرغم من عدد سكانها الأقل (من 30 40 ألف نسمة، حسب إحصائيات غير رسمية) مقارنة بالعريش التي تجاوز عدد سكانها (200 ألف نسمة) ومدن أخري مثل بئر العبد يتجاوز عدد سكانها هذا الرقم بكثير, هل لأنها علي بعد عشرة كيلومترات من أكثر المناطق الملتهبة في العالم (غزة)؟ هل لأن أهلها يعاقبون علي الدوام بسبب وجودهم في جزء هام من جغرافيا معقدة يدفعون فيها علي الدوام ضريبة الرضا أو الغضب أو التوتر حسب مزاج العلاقات الثلاثية المصرية الإسرائيلية الفلسطينية؟ في الشيخ زويد يقول الشباب وهم محقون - إن المشكلة ليست في البشر, المشكلة في الجغرافيا, ولو فرض وجئنا بسكان أي مدينة مصرية "بلبيس" مثلًا، وجعلناهم يعيشون هنا في مدينتنا لن يختلف الوضع كثيرًا.
في موجة الاعتقالات التي لحقت بأهل سيناء كان أغلب المعتقلين من أبناء الشيخ زويد، أو دعنا نوسع الدائرة قليلًا لنقول أبناء المنطقة (ج) التي تشمل بالإضافة للشيخ زويد وقراها, رفح الحدودية وقراها, معظم الاعتصامات والاحتجاجات التي تطورت في مراحل سابقة وبعد توفر السلاح إلي قطع الطرق كانت في المنطقة (ج), رصيد كبير من الاعتصامات والاحتجاجات التي بدأت لا لتنتهي، ولكن لتتواصل قبل الثورة وبعدها, الأمر الذي دفعني لأن أكتب في موضع ما، أن يوم 25 يناير كان يومًا اعتياديًا من أيام الشيخ زويد التي كانت الاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق فيها من المشاهد المعتادة منذ 2005 وحتي 2011، عام الثورة.
صباح يوم 25 يناير 2011 كانت الإطارات الكاوتشوكية المشتعلة عند مدخل مدينة الشيخ زويد تقطع الطريق، وعلي مسافة قريبة كانت الصورة التقليدية لاحتجاج من الاحتجاجات المتكررة، لكنه سيتطور في اليوم التالي بعد الغاز المسيل للدموع، وبعد سقوط أول شهداء الثورة المصرية في الشيخ زويد (الشهيد محمد عاطف يوم 26 يناير). وتبدأ المواجهة المسلحة بين شباب، كان سقوط الشهيد أمام أعينهم بالرصاص الحي لأحد ضباط قسم الشيخ زويد (جوانتانامو سيناء كما كانوا يسمونه) القشة التي قصمت ظهر البعير, وكأنه أعاد إلي أرواحهم المخطوفة كل مشاهد الظلم والاعتقالات والتنكيل والقتل المجاني فضغطوا علي زناد أسلحتهم القليلة لتبدأ مواجهة لن تنام لها جفون البلدة الصغيرة طيلة أيام لا يهدأ فيها صوت الرصاص إلا ليتعالي, هنا نقطة نظام هامة، وهي أن هذا المشهد الدامي لم يكن بريئًا ونقيًا في مجمله كما قد يفهم من كلامي, كان المبرر الأخلاقي والفراغ الأمني قد فعل ما عليه ليترك الباب مواربًا علي فانتازيا دموية هذه المرة لم يسلم منها لا أبناء سيناء ولا ضباط وأفراد الشرطة الذين دفعوا ضريبة ما كان يدار من بعيد. نعم، كانت هناك أيادٍ تتدخل من بعيد لتدير المشهد لصالحها, بعيني رأيت علم حماس في الشيخ زويد علي إحدي العربات المسلحة, كنت في إحدي اللجان الشعبية المكلفة حماية الحي الذي أسكن به وجاءوا إلينا, قال وعلم حماس يرفرف خلفه: هل تحتاجون إلي معاونة؟ قلت نيابة عن أعضاء اللجنة الشعبية: لا، ولم أقل شكرًا, ثم أخيرًا يأتي القرار بأن تنسحب قوة القسم مخلفة وراءها ستة شهداء في تلك المدينة الصغيرة.
هامش: علي مدونتي "سيناء حيث أنا"، وبتاريخ 25 يناير 2011 ستجد تدوينة تحمل عنوان "احتجاجات سيناء"، في التدوينة تأريخ وحيد للحظات المبكرة الأولي للثورة التي لم يكن أحد يعرف ساعاتها أنها ثورة.
صفحات من كتاب يصدر قريبا عن الكتب خان
مقدمة:
دفتر أحوال السنين الثقيلة
ليس من قبيل الصدفة أن تحمل معظم أسماء الناس في سيناء دلالة خاصة, أسماء مثل سالم, سلَّام, سليمان, سلامة, مسلَّم, سليم, كلها مشتقات من "سلام". إنه طموح فطري نحو الأمان, الناس هنا تعبوا من الحروب, تعبوا من الوقوف علي حافة هاوية, يرغبون في الخلاص من الحالة التاريخية التي رهنتهم بجغرافيا سياسية وأمنية حادة القسوة. يخطئ من يظن أن أهل سيناء عدائيون بطبعهم, الظروف التي سنفصلها في هذا الكتاب, في سنوات قريبة وعصيبة، هي ما وضعتهم في تلك الخانة قسرًا, أذكر منذ سنوات ليست بالبعيدة جدًا كنَّا »كلما تزايدت الضغوط« نحزم أمتعتنا, نأخذ سيارة أحدنا ونهيم علي وجوهنا في وديانها, جبالها, جهاتها الرحيمة, دون أن نجد من يضايقنا أو ينكِّد علينا رحلتنا, ثمة مواقف محفورة في الذاكرة, مرة كنا نمرح (نبيت) في أحد المطارح, يومها لم تكن الأغطية معنا كافية، حيث لم نكن نتوقع هذا البرد, تنبهنا علي من ينادي: "يا ولاد!", رحَّبنا بالصوت الغريب الذي عرفنا من هيأته أنه من أهل المكان, قال لنا: قوموا معي إلي المقعد، الجو الليلة بارد, تحججنا خجلًا: "معنا أغطية كافية", لكنه أصرَّ، ولمَّا كان "الضيف أسير المحلي ذهبنا معه, في آخر الليل بعد أن عشَّانا وقَهْوانا جلب أغطية كان من نصيبي أحدها, دفء الغطاء أكد لي أنه سحبه من فوق أحد أطفاله أو أهل بيته, تألَّمت صامتًا لتخيلي كيف سيقضون ليلتهم الباردة دون غطاء! لم أنمْ, ظللت طيلة تلك الليلة أؤنِّب نفسي, عرفت فيما بعد أن هذا لم يكن حالي وحدي, كان حال اثنين آخرين من أصدقائي لم يتكلما هما أيضًا خوفًا من أن يجرحا الرجل الذي كان ينام بيننا. أين ذهب كل هذا؟ الآن، لم نعد نجرؤ حتي علي التفكير بمثل هذه الأحلام, مخاطر لا حصر لها ستطاردك لو فكَّرت, ليس انتشار السلاح وحده المسئول, التحولات الدرامية التي حدثت في هذا المربع الحرج هي الأب الروحي لهذا الظلام الكثيف.
علي مدي سنوات أقل ما توصف به هي أنها سنوات ثقيلة كنت مثل غيري أعيش هنا, أراقب وأشاهد التحولات العميقة في المكان وناسه, كيف بعدما كنا نسمع عن حادثة قتل أو نزاع قبلي في سيناء بطولها وعرضها علي مدي سنوات متقطعة ومتباعدة جدًا أصبحنا نعيش مأساة حوادث القتل المتواترة بشكل شبه يومي؟ كيف صعدت شرائح اجتماعية لتقلب الطاولة وتحيل طابع الحياة الهادئ الرزين في سيناء إلي هوس "4"4تاللاندكروزر؟ المارادونا! الأسلحة الثقيلة! كيف نمت ثقافة اللامبالاة في مجتمع محافظ ومنضبط كالمجتمع السيناوي؟ كيف اختلطت ذقون الملتزمين دينيًا بذقون أخري استوعبت سريعًا شرعية اللحظة التي تمر بها سيناء بعد سيطرة حماس علي غزة وتواتر بزنس الأنفاق؟ كيف أغرق طوفان الترامادول الواقع العطشان للحظة نجاة من اللهاث وراء الأخبار الدرامية التي تلاحق الناس هنا؟ كيف اختلط البزنس بالسياسة والأمن وكل مناحي الحياة في هذا المربع الحرج؟ في هذه الفانتازيا التي سميتها في أحد المقالات "فانتازيا المنطقة ج" كنت أعيش وأري بعيني كما يري غيري, وكان أمامي أحد خيارين, الأول الصمت والاكتفاء بالكتابة الأدبية، وهو خيار وجيه ومريح, حجارة العثرة عديدة يا صديقي, ماذا ستفعل كتباتك في واقع يندفع كسيل خارج مجراه؟ لكن قناعتي بهذا الخيار لم تصمد طويلًا, قوة دفع هائلة كانت تحركني لأنحاز للخيار الثاني, الكتابة! نعم الكتابة, حتي ولو لم يقرأ أحد؟ حتي ولو لم يقرأ أحد.
لكن أين أنشر ما سأكتبه؟ لن يقبلوا ما تكتبه يا عزيزي, قلت لنفسي: ما الحل إذن؟ هل أكتفي بدفنها في الأدراج؟ ثم كانت الصدفة التي أظنها أحدثت خدشًا في واقع خشن, مدونة صغيرة علي الإنترنت أكتب فيها مقالاتي وانطباعاتي عن اللحظة التي تمر بها سيناء حصرًا, سميتها "سيناء حيث أنا", بدأت في كتابة المقالات بها عام 2007, وشيئًا فشيئًا انتبه الناس لها, في ظني وفي ظن الكثيرين ممن تابعوها كانت مثل دفتر أحوال سيناء الأخري التي لا يعرفها الإعلام, سيناء التي من دم ولحم, علي هذا النحو استمرت المدونة (2007 2012) حاولت من خلالها أن أحدث ثقبًا في حائط سوء الفهم السميك والعالي، فكانت خمس سنوات هي عمر المدونة التي استمرت واستمر تداول الناس معها, تفاعلوا وتفاعلت, لحظة بلحظة دونت المحطات الأساسية, شقت دربًا صعبًا خارج الدروب المُعَبَّدة, باختصار فعلت ما ينبغي عليها أن تفعله, استدعاني الأمن مرتين بسببها، إحداهما كانت في عيد ميلاد صغيري مهند الثالث، وبالمصادفة العجيبة كان ذلك نفس يوم الاجتياح الإسرائيلي لغزة! حذرني, أخرج خطاب اعتقال جاهزًا من درج مكتبه حتي أصدق, قال - وصوته يتداخل مع صوت المذيع الذي يتحدث عن أخبار الاجتياح - خليك في حالك وربِّ عيالك, هززت رأسي، لكنني لم أفعل, لم تكن بطولة, كان أحساس بالمسئولية يتحرك في رأسي كدودة تخدرني وتدفع عني »ولو مؤقتًا« شرور الخوف, توقفت فقط في لحظة كثيفة العتمة لم أستطع الكتابة فيها فأغلقت المدونة, كان ذلك بعد انتخابات 2010, ثم عدت لفتحها مرة أخري بعد الربيع التونسي.
هي تجربة أظنها - بالنظر إلي كل ظروفها - رحلة ضرورية في حقل ألغام, سرد يومي تغذي فقط علي قطعة السماء التي كم تمنيت لو يتركوها علي حالها بعيدًا, سرد استمر رغم حجارة العثرة التي لم يكن الأمن وحده من وضعها في الطريق, في حقل الألغام تعثرت قدمي بحجارة عثرة أخري عديدة حتي كان عام 2012 الذي انتهت فيه رحلتي مع مدونتي "سيناء حيث أنا"، حيث قررت إغلاقها إلي الأبد, كانت قناعتي هي أن هناك جيلًا جديدًا في سيناء باستطاعته أن يفعل ما عليه, ثمة وعي نما وينمو وهذا صحيح, ثم هناك مشاريعي الإبداعية التي توقفت، وليس من المنصف استمرار هجرها, باختصار هي رحلة أدعوكم للسفر عبرها وقراءة محطاتها بتأنٍ وحياد، راجيًا أن تكون عونًا في فهم ما يحدث في سيناء فهمًا موضوعيًا بعيدًا عن التشنج.
أخيرًا، أود أن أشير إلي أن ترتيب المقالات زمنيًا هنا هو ترتيب تنازلي من الأحدث للأقدم، وهو ترتيب مقصود, ثم هناك 4 مقالات في بداية الكتاب ليس لها علاقة بالمدونة ستجدونها من دون تاريخ, تمت كتابتها بعد إغلاق المدونة، وأظن أن نشرها هنا يفيد في إضافة تفاصيل تعين علي رسم صورة أظنها كافية للفهم.
الشيخ زويد: 23 أغسطس 2012
أن تعيش في سيناء: جنة اللاطمأنينة وجحيمها
قبل سنوات ليست بالبعيدة جدًا كنت أسمع بأذني وأري بعيني ما يقوله ويكتبه العابرون عن سيناء, عن دهشتهم أمام المناظر الخلابة التي تخطف الروح وتغسل الحضور الإنساني, الصحراء التي هي صحراء, البحر, السماء التي هي سماء, لم أكن أتحفظ علي تلك الدهشة, هي حق طبيعي للهاربين من عجلة المدنية الطاحنة التي تدهس بلا رحمة إلي لحظة صفاء تسرقهم من لهاثهم, فقط كنت أسأل نفسي دون صوت: ماذا إذن لو لمسوا بأجنحة أرواحهم المياه الجوفية للمكان بتعبير صاحب ورد النيل ومالك الليل الحزين؟ هل كانت نظرتهم ستظل هكذا مستسلمة لذلك السطح الهادئ الناعم؟ أم سريعًا ما ستتكشف لأقدامهم خرائط لحقول ألغام لا تبدأ كي تنتهي، ولكن كي تستمر من شرم الشيخ إلي سعسع.
الذين يعيشون هنا تتجاوز علاقتهم بالمكان الدهشة إلي المصير, هو مصيرهم, مربع وجودهم, وهم أسماكه التي لا تحتمل مغادرة الماء, لكنهم يعرفون تلك الخرائط عن ظهر قلب, يعرفون أين ينبغي للقدم أن تحاذر, وأين للقلب أن يحترس, أن تعيش في سيناء وتصير هي جزءًا منك وأنت جزءًا منها لا يعني أن تلبس الزي التقليدي وتضع "العقدة والمرير" فوق رأسك مثلما يفعل بعضهم وهو يتجهم للكاميرا أو يشد بأريحية علي يد مسئول, ثمة شروط أخري أهمها أن تعرف خرائط اللاطمأنية التي هي الجنة لمن يعرفها والجحيم لمن يجهلها.
بحذر يتحرك الكائن هنا, ثمة حجارة لا حصر لها جاهزة كي تصبح حجارة عثرة, هي نفسها ستصبح جسرًا لتعبر فوقه بشرط أن تعي وتفهم وأهم من ذلك تحترس, الواقع هنا معقد, سيقول لك البعض, القبلية والعادات والتقاليد سيقول آخرون, التشدد الديني سيقول غيرهم عن المتغير الجديد, جميعهم علي حق، ولكن هل هذا كل شيء؟ بالطبع لا.
في مصر سيناء ليست مكانًا استثنائيًا تعيش فيه الثقافة الصحراوية العربية بعاداتها وتقاليدها التي تبدو للأغيار صارمة وطاردة, في مطروح والواحات والبحر الأحمر وعلي حدود السودان, بل حتي في أرياف مصر في الفيوم والبحيرة ومناطق أخري تعيش نفس الثقافة, فما الذي يميز سيناء إذن؟ إنه قلق الجسور, قلق البوابات التي تصفعها الريح علي الدوام, لا تفتح ولا تنغلق, في حركة تاريخية دائبة, هي حالة اللاطمأنينة التي تتلبس المكان ويعرفها أهلها كما يعرفون أسماء أبنائهم, سيقول لك بعضهم: لكن 1973 كانت آخر الحروب وقد مضي عليها ما يقرب من أربعين عامًا! نعم هي آخر الحروب ومضي عليها أربعون عامًا، لكنها لم تنتهِ بعد, هذا الغليان الذي يتواصل كل يوم هو حصة أساسية من حصص اللاطمأنينة وثيقة الصلة.
أن تعيش في سيناء فهذا يعني أنك ابن هذه اللاطمأنينة, ابن القلق, ابن التوجس, ابن الخطوة المسكونة بحذر صحراوي يعرف أن عادة الرياح هي أن تأتي بما لا تشتهي السفن, إذا كنت تنتمي لهذا المكان بصلة الولادة فإنك سترث هذا في جيناتك, لن تبذل مجهودًا يذكر لتتآلف وتعرف وتفهم وتصبح تلك اللاطمأنينة جنتك, أما إذا شاءت الصدفة وساقتك الظروف فعليكَ أن تبذل مجهودًا ليس باليسير علي مثلك أن يتكبده, قد تفلح فقط لو أنصت, لم تتعجل, لم تتحرك بالقدم الواثق المغمض العينين, شفرة روحك عليها أن تظل هكذا مشحوذة, وشيئًا فشيئًا ستقترب من اللاطمأنينة لتأخذ من عنقها سلسلة مفاتيح الشفرات المغلقة دون أن تتذمر هي منك أو تحنق عليك.
علي هذا الحال يعيش أبناء المكان, ماذا إذن لو أضافت الحياة عليك عبئًا إضافيًا وأصابت روحك عدوي الكتابة؟ منذ سنوات بعيدة أتم صديقي روايته الفاتنة, أذكر قضينا العديد والعديد من الليالي، وبالحماس نفسه نتحاور حول الزمن الروائي, حول شخصيات الرواية, حول التفاصيل وتفاصيل التفاصيل, حتي اكتملت ليحدثني عما لم يكن مفاجئًا لي, قراره بعدم النشر, إنها اللاطمأنينة في أحد وجوهها المتجهمة, قلت كمحاولة أعرف أنها مجرد ضمادة لجرح قديم لا يمكن تجميله: ماذا لو نشرتها في الخارج باسم مستعار؟ لم يرد, أنا الآخر اكتفيت بتلك الجملة التي لم يتعدَّ دافعها أن يكون محاولة للسلوان.
وحده المجاز/ خِباء المعني يفعل ما عليه, يستر روحك ويقيها شرور اللاطمأنينة, هل لهذا السبب يتزايد عدد الشعراء هنا في سيناء ويتراجع عدد من يقفون علي أعتاب أشكال أخري من الكتابة يتراجع فيها المجاز لتنكشف الروح وتتعري؟ ربما, لكن ما أنا علي يقين منه هو أن اللاطمأنينة في حالتنا هذه عدوانية بشكل لا يقارن.
في مديح الملثَّم
أمس وفي تمام الثانية بعد منتصف الليل, انتابتني حالة استثنائية وأنا أتابع من شرفتي ارتفاع ألسنة اللهب من علي بعد أكثر من 25 كيلو مترًا, إنه التفجير الخامس عشر لخط الغاز الذي يعبر سيناء إلي إسرائيل, بعينيَّ أشاهد من بعيدٍ وفوق كثيبٍ عالٍ ظلالَ أجسادٍ آدميةٍ تصعد لتتابع المشهد, في الخلفية ضوء اللهب الباهر الذي يبدو في العتمة وكأنه شمس تشرق قبل ميعادها, حسنًا عاد الملثَّم من جديد, قلت لنفسي, في الصباح ستحتل الصورة الافتراضية له صدر الميديا, بخطي مترددة استدرت لأغادر الشرفة وفي البال "علي كل حالٍ يمكنني - أنا وهؤلاء الذين صعدوا - أن نقسم بأغلظ الإيمان أننا لمسنا أثره الساخن بأم أعيننا في ليلة صيفية رمضانية لا تقل سخونة, بعدها بدقائق قلَّبت الصفحة الرسمية للوكالة علي الويب وهتفت في نفسي - بعد أن تأكدت من خلوها من إشارة ولو حتي مقتضبة - "ها قد قهرتك يا رويتر.. كلي هواء!".. عاد الملثَّم إذن، ولكن عن أي ملثَّم أتكلم أساسًا؟
-1-
حدث هذا منذ صباحين, لم يخلعا بزَّتيهما العسكريتين اللتين أمضيا معهما الليل كله في الحراسة, أيديهما علي السلاح وفي البال أمنية صغيرة بأن تسمح لهما القيادة بإجازة قصيرة ولو لليوم الأول من رمضان ليفطرا هناك بين أهليهما, بعد أن أتما خدمتيهما تخففا من واقي الرصاص والسلاح والذخيرة, غادرا نقطة التفتيش مشيًا علي الأقدام لجلب طعام الإفطار لهما ولزملائهما الذين تسلموا الخدمة, الرجل الذي أعطاهما الخبز حكي للناس - فيما بعد - أنهما كانا يضحكان علي أمر لم يتبينه أحد, بعيدًا جدًا عن ثكنتهم، وفي منتصف الشارع العام بالشيخ زويد انشقت الأرض عن ملثَّم من نوع آخر, لم يفهما في البداية, لكن الطلقات التي تواصلت بغلٍ لم تترك لهما المجال للفهم, حاولا الهرب، ولكن كيف لأعزلٍ أن تسعفه قدماه.. "حسبي الله ونعم الوكيل"، قال الرجل الذي لم يجد غير جريدة الصباح ليستر بها جسدين بريئين.. "حسبي الله ونعم الوكيل"، رد آخر وهو يتطلع لأرغفة الخبز التي اصطبغت بالدم, لو كانوا رجالًا بالفعل لهاجموهم هناك والسلاح في أيديهم, قال آخر, أسئلة أخري ترددت في هذا الصباح الثقيل في الشيخ زويد, لكن الملثَّم الذي اختفي لم يترك للشيخ زويد وأهلها سوي الأثر الفادح ل"حسبي الله ونعم الوكيل".
-2-
غير بعيد عن بيتها كانت تحمل حقيبتين, في إحداهما أغراض بيتية، وفي الأخري مرتبات الموظفين الذين تعمل معهم في المدرسة كصرافة, 13 ألف جنيه مبلغ هزيل لا يدعو للمغامرة، لكنَّ ملثَّمًا من نوع ثالث أقنع نفسه "ريحة البر ولا عدمه", من علي دراجته الهوائية خطف حقيبة النقود وترك الأخري, ثم اختفي ليستقبل الناس الخبر بقليل اهتمامٍ من كثرة تكراره, بينما تنشغل هي بتدبير مرتبات الموظفين من مدخرات أسرتها وعون معارفها, هي تعرف جيدًا أن الإبلاغ عن حدث كهذا سيضعها مباشرة مع السؤال الأساسي: لماذا لم تتركيها في خزينة المدرسة؟ لن تشفع لها السرقات التي تكررت لأثاث المدرسة وللحواسيب الآلية, عدا إجبارها علي رد المبلغ سيجازونها ويضعون في ملفها الوظيفي ما لا حصر له من النقاط السوداء لذا آثرت السلامة وتكتَّمت علي الأمر وكأنها تكافئ الملثَّم بالصمت.
-3-
في كتابه "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلي بلاد الشام ومصر والحجاز"، (بدأ رحلته من دمشق غرة محرم 1105 هجرية/ سبتمبر 1693 ميلادية)، يقول عبد الغني النابلسي:
"سرنا علي بركة الله تعالي مع جماعة من ذلك الخان، منهم رجل من عرب البوادي اسمه حسب الله يدلنا علي الطريق فنسير بسيره مع الإخوان، فلم نزل سائرين في ذلك الرمل السهل الصعب حتي وصلنا إلي المكان المسمي الزعقة، بفتح الزاي وسكون العين المهملة بعدها قاف وهاء ساكنة، وليس هناك لا قرية ولا خان ولا عمارة وإنما هي برية قفرة من الرمل". وأشار إلي ذلك السيد محمد كبريت في رحلته، حيث قال:
"ثم أتينا بعده للزعقا أقبح به ماء تجافي الرفقا
ما فيه من خان ولا أنيس، بل بير ماء مالح حبيس
وإنما رأينا هناك قبة بيضاء وعمارة عظيمة مدفون فيها الشيخ زويد, بضم الزاي وفتح الواو وتشديد الياء المثناة التحتية مكسورة ودال مهملة, رجل ولي صالح كان من أعراب البوادي، ولهم عليه اعتقاد كثير حتي إنهم يضعون الواديع عنده من الذهب والفضة والحلي والمتاع وما يخافون عليه من الأمتعة وباب مزاره دايمًا مفتوح ولا يقدر أحد أن يأخذ منه شيئًا، وقد جرب ذلك العربان وغيرهم، ويحتمي بمزاره الخائف والقاتل، فلا يجسر أحد أن يهجم عليه ويأخذه، فقرأنا له الفاتحة، ودعونا الله تعالي، ثم سرنا قليلًا وجلسنا قريبًا منه في مكان هناك وأكلنا ما تيسر من الزاد وشربنا القهوة علي المعتاد".
إذن، ليس من قبيل الصدفة أن تحمل المدينة اسمه, في كتب الرَّحالة الذين مرَّوا من هنا ستجد اسمًا آخر, هو "الزعقة", الزعقة هو اسم بئر شهيرة انطمرت الآن, روايات شفاهية أخري تقول إن المدينة حملت لفترة اسم "البسطة" لأن التجار في سوق المدينة الشهير كانوا يبسطون بطول شارعها الرئيسي بضائعهم, لكنَّ الشيخ زويد صمد أمام المنافسة ليربح الجولة الأخيرة, فتحمل البلدة التي تتحول ببطء إلي مدينة اسمه.
لم يخبرنا الملثَّم حين فجَّر قبَّة المزار مرتين متتاليتين عن حل للورطة التي أوقعنا فيها: بماذا سنسمي البلدة التي تتحول ببطء إلي مدينة لو افترضنا أنه نجح في إزالة أثر المزار من الوجود؟ أما صخرة ديان (مسمار جحا الإسرائيلي في سيناء كما يحلو للبعض تسميتها)، هذا النصب التذكاري الذي لا يبعد سوي مرمي حجر عن مزار الشيخ زويد، فالله وحده يعلم سر عدم وصول أقدام الملثَّم الثابتة إليه!
-4-
في ثقافة الصحراء, ليس في سيناء وحدها، بل في معظم الصحاري العربية باستثناء لافت هو صحراء الطوارق, الأصل هو ألا يتلثَّم الرجل, لا يستر وجهه, المرأة هي التي تتخفي, تستر وجهها خلف برقع (للمرأة) أو غشوة (للبنت), هناك أيضًا القنعة السوداء (الوقاة) لكلتيهما, إذن الأصل أن يستتر وجه المرأة فلا يبين سوي عينيها (بالنسبة لسيناء في الأصل عين واحدة المسموح لها بأن تبين), هذه هي القاعدة، وإن كانت هناك حالات مألوفة، كأن يأخذ الرجل طرف عقدته (غطاء رأسه) ليلفه حول أنفه وفمه ليتقي ريحًا ساخنة أو عاصفة رملية تلهب أنفه، لكنَّ هذا لا ينفي قاعدة أن الستر لوجه المرأة لا الرجل، علي عكس الثقافة السائدة لدي الطوارق، حيث يستتر الرجل، بينما تكشف المرأة وجهها.
مع ذلك، أظنني سأكون متجنيًا إن قلت إن ظاهرة الملثَّم عادة أمازيغية صرفة, هي فقط مجرد محاولة للعثور علي صلة صحراوية لفهم ثقافي في الأساس لتلك الظاهرة, لذا لن أستبعد من رأسي فكرة أن كثيرًا من قطاع الطرق في الحضارات القديمة كانوا يسترون وجوههم, قراصنة البحار, أيضًا لا ننسي أن الصورة التقليدية لرجال القاعدة في أفغانستان وخارجها كانت وظلت هكذا, حتي في غزة غير البعيدة عن سيناء, الصورة التقليدية لكتائب المقاومة، سواء كتائب عز الدين القسام أو غيرها هي صورة لرجال مسلحين ملثَّمين لا تظهر سوي عيونهم.
لكنَّ اللافت هنا في سيناء، وخصوصًا بعد الثورة، أن المسلحين لم يعودوا وحدهم من يحتكرون اللثام, صار من العادي أن تصادف ملثَّمًا يتجول هنا أو هناك, بداعٍ وبلا داعٍ, علي ظهر دراجة هوائية يحتمي من لفح الريح, أو حتي يمشي علي قدميه بدافع أو دون دافع، كما لو كان اللثام من سنن الزهو الحديثة، تمامًا مثل تركيب سارينة التنبيه الأمنية في السيارات الخاصة, لكن وكي تكتمل الصورة من المفيد القول إن من يقبل علي هذا غالبيتهم من الشباب وصغار السن.
-5-
هناك بند هام ونبيل في القضاء العرفي لبدو سيناء يعرف ب"الدلنجي"، وحق الدلنجي في هذا القضاء الشفاهي يتعلق بالقتل الغدر, والغدر في العرف البدوي السيناوي ديته مربعة، أي مضاعفة أربعة أضعاف، في التفصيلات إذا قتل رجل غريمه وهو نائم فهو دلنجي، وإذا قتل رجل غريمه دون أن ينبهه ليأخذ بسيفه ويدافع عن نفسه فهو دلنجي, بل إن بعضهم يبالغ ويقول: إذا سقط السيف من يد غريمك ولم تمهله ليلتقطه ويدافع عن نفسه فأنت دلنجي! هنا بالطبع لست في حاجة لذكر أسباب تعطيل هذا البند الهام من بنود القضاء العرفي, فاللحظة لم تعد بتلك المثالية الفادحة، ثم إن القضاء العرفي كله يتراجع الآن في سيناء ذ بعد الثورة - ليحل محله القضاء الشرعي!
-6-
هو إذن أكثر من ملثَّم, ملثَّم يفجِّر خط الغاز, ملثَّم يخطف حقيبة سيدة, ملثَّم يقتحم مكتب البريد بقوة السلاح, ملثَّم يقتل صرافًا ويستولي علي أموال الموظفين, ملثَّم يقتل جنديين أعزلين بعيدًا عن ثكنتهما العسكرية, ملثَّم يخطف الأجانب, ملثَّم يقطع الطريق, ملثَّم يمشي في الشارع مزهوًا بنفسه, ملثَّم لا يظهر سوي في لحظة بعينها, إنه إذن زمن الملثَّم بامتياز, زمن الوجوه الافتراضية.
ثائر وقاطع طريق
"النار توري والطريق تجيب".
مثل صحراوي سيناوي علي فترات متقطعة ومتباعدة صارت المشاوير التي أقطعها من الشيخ زويد في صحراء سيناء، حيث أعيش، إلي كفر العنانية في ريف الدقهلية، حيث مسقط رأس العائلة, الطريق في الأحوال العادية مرهق لرجل لا يملك سيارة مثلي, فما بالك الآن بعد أن تحول السفر إلي مغامرة, منذ أسبوعين كانت هناك مناسبة من النوع الذي لا يمكن تجاهله أو الاعتذار عنه, في التفصيلات ثمة مراحل عليك أن تقطعها؛ إذ ليست هناك وسيلة سفر مباشرة، خصوصًا للكسالي أمثالي, من لا يمكنهم اللحاق بميعاد وحيد مبكر, في العريش اندهشت لأحدهم وهو ينادي "المنصورة", قلت في نفسي هو الحظ يحالفني وأنا أسرع إلي الرجل وكأن كل المسافرين في موقف العريش ذاهبون إلي المنصورة ليفوتوا عليَّ فرصة الحصول علي مقعد, ساعة أو أكثر قبل أن يكتمل "البيجو 7 راكب" ويتحرك لتتحرك معه حكايات الطريق, السائق ريفي ودود سمح لنا بأن ندخن وسمحنا له بأن يحكي, هي المرة الأولي التي يأتي فيها للعريش مع أسرة من معارفه. قال: "صدقوني يا جماعة مش عشان الفلوس, كنت عاوز حد يسليني وأنا راجع.. الطريق طويل وأنا أول مرة آجي العريش ومش عارف الطريق كويس", طمأنه الذي يجلس بجواره وطمأننا نحن أيضًا بأنه سيفعل ما عليه ويتولي مسئولية الإنصات لحكايات السائق وتسليته بالنيابة عنا, ما أدهشني أنه لم يسأل ولو مرة واحدة عن الطريق ولا حتي عند التقاطعات قبل أن يدخل الطريق الدولي, حكي أنه تردد كثيرًا قبل أن يقرر المجيء إلي العريش بعد ما سمعه عن خطورة الطريق والنهب والسلب، ولولا محبته الكبيرة للأسرة التي جاء بها لرفض حتي ولو دفعوا له مليون جنيه، كما قال. أوشكت أن أقول له إن حال طريق العريش لا تختلف عن حال كل طرق مصر، لكنه تطوع بنفسه للرد عندما سأله أحدهم عن بلده فأجابه باسم قرية صغيرة بالقرب من السنبلاوين، فقال الرجل إنه من قرية لا تبعد سوي كيلومترين عن قريته، ثم سأله عن الأحوال بعد الثورة لأنه لم يزر أهله منذ عامين، فانفتحت شهية الرجل وراح يسب ويلعن في الانفلات الأمني وفي الحرامية الذين سرقوا جاموسته وطالبوه بثلاثة الآف جنيه ليردوها له, وتفصيلة تجر تفصيلة انتبهت لمهارته في الحكي, حكي أنه ذهب بعد ما سرقت جاموسته إلي حرامي شهير, كبيرهم هناك, وأنه وجده نائمًا, نبهته زوجته بأن أحدًا لا يجرؤ علي الدخول عليه, هي نفسها لا تجرؤ علي ذلك حتي ولو كانت الحكومة (الشرطة) أمام الباب! لكنه فعل ودخل معتمدًا علي يد بيضاء كانت لأبيه عليه, نادي، فسأله الرجل: من؟ فقال: فلان بن فلان, قال: تعالَ, تمغط علي سريره وهو يحتضن الرشاش كأنه امرأته, نادي زوجته لتعمل الشاي ثم سأله عن حكايته وهو يتثاءب, كان السائق يصف الحرامي الكبير بطريقة ذكرتني بوصف أحد رواة الصحراء الذين أعرفهم لأبي زيد الهلالي, فمه حين فتحه وهو يتثاءب من الممكن أن يبلع رأس رجل! الإصبع الواحدة من كفه بسمك عصا غليظة (شومة)! حكا له حكاية جاموسته وجاموسة جاره، التي سرقت هي الأخري, فقال: ثلاثة الآف, ألف ونصف له، وألف ونصف لصبيانه. سأله أن يخفض المبلغ كرامة لأبيه, فرد بأنه فعل, لو لم يكن هو ابن فلان صاحب اليد البيضاء عليه لطلب خمسة الآف، ولكن من أجله خفضها لثلاثة, عاد وحكي الحكاية لجاره فتعلل بضيق ذات اليد وعدم استطاعته تدبير المبلغ, عرض عليه أن يسلفه إيَّاه فرفض أيضًا لعدم ثقته في عودة جاموسته, قال: "عوضي علي الله" وانصرف.
انصرف انتباهنا نحن، بمن فينا السائق، لنقطة تفتيش "النصر" علي الطريق الدولي, أمال جندي الجيش رأسه وسألنا بنصف ابتسامة عن البطاقات الشخصية وإن كان بيننا من ليس مصريًا؟ أخرج كل منا بطاقته دون أن يرد علي السؤال, فنظر الجندي لنا دون أن يتناول أي بطاقة وأشار للسائق بالمرور فتحركت السيارة. قال وهو يستدير نصف استدارة لجاره كما لو كان يحرضه علي الكلام: "عندهم حق.. لولاهم كنا كَلْنا بعضنا!", كادت محاولته تفلح في شد انتباه جاره وإعادة الحماس الذي انقطع ربما لطول الطريق, لكنَّ رنَّة محمول جاره العالية قضت عليها بالضربة القاضية.
لسبب يعلمه الله - حتي بعد أن أتم جاره المكالمة التي طالت - توقف السائق عن الكلام وركز علي الطريق دون أن يميل برأسه لجاره أو حتي ليتطلع في المرأة مخاطبًا الركاب كما كان يفعل طول الطريق, عبرنا نقطة تفتيش "بالوظة" دون أن يستوقفونا, وصلنا إلي كوبري السلام العلوي فوق قناة السويس, أنهينا التفتيش الروتيني وعبرنا الحاجز لدخول الكوبري, استوقفنا جندي جيش كالعادة بجهاز الكشف عن المخدرات وتقدم بجوار السيارة والجهاز ممدود علي طول ذراعه, علق أحدهم بعد أن تركنا الجندي: "جهاز تعبان"، ورد آخر: "والله ناس فاضبة"، لم يعلق السائق, عبرنا الكوبري, واصلنا الطريق, قبل الإسماعيلية بقليل وازتنا "بيجو 7 راكب" أخري, وبدا أن سائقها يريد مخاطبة سائقنا، فاقترب هو الآخر منه, لم نسمع نحن، لكنَّ السائق سمع، وقال - بعد أن انطلق زميله بعيدًا ودون أن ينظر في المرآة إن طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي مقطوع من عند مدخل الإسماعيلية, سألناه عن السبب فقال: مظاهرات, دخلنا طريق الزقازيق الزراعي، وقبل الزقازيق بقليل توقفت السيارة، وأمامنا من بعيد كان الدخان يتصاعد وتصل إلي أنفي روائح الكاوتشوك التي يألفها, لم يسأل أحد، لكنَّ لساني تطوع بعد أن تأكد أنفي من الرائحة: "الطريق مقطوع يا جماعة!".
فلاش باك
مشهد مألوف ومتكرر قبل الثورة وبعدها, قيام مجموعة من أهالي سيناء - الذين كرست الميديا لهم اسمًا قصريًا وحصريًا هو "بدو سيناء" - بقطع أحد الطرق الحيوية في سيناء - وما أكثرها - احتجاجًا علي ظلمٍ أو تجاهلٍ أو تعنتٍ أو تمييز, أو للإفراج عن سجناء سياسيين، وهم كثر، بتعبير أبي فراس الحمداني, في قلب الكادر دخان الإطارات الكاوتشوكية المحترقة وألسنة اللهب التي تلاعبها ريح صحراوية, ثمة طريق تتناثر علي أسفلته حجارة متناثرة هنا وهناك, نصيحة لا تعطها الكثير من الأهمية, هذه الحجارة موجودة فقط كعلامة, في الكادر أيضًا نظرات التحدي, حول العنق, فوق الأكتاف أو فوق الرأس العَقدة السيناوية التقليدية (الحَطة، كما يسمونها في فلسطين، أو الشماغ، كما في جزيرة العرب), حمراء في الأساس, ستصبح فيما بعد سوداء أو صفراء، وألوان أخري, هل يجوز لي هنا أن أتساءل عن السبب الذي من أجله أصبحت تلك العقدة بالذات تيمة أساسية لزي شباب الثورة في التحرير وفي كل ميادين مصر؟ حسنًا، عربات الدفع الرباعي هي الأخري بهيئتها المهيبة تحتل مكانًا لها في الكادر, تتراجع المارادونا لتحل محلها ذ بعد الأنفاق - اللاندكروز, لا تفكر في الأعداد, الأعداد هنا قليلة, العشرات أو المئات تعبير لائق, في حالات استثنائية سيتجاوز الرقم الألف والآلاف، كما هو الحال أثناء الثورة وبعدها, لكنها سمة أساسية من سمات الاحتجاجات في سيناء, أعداد قليلة ورسالة قوية, هذا هو الحال.
وهم الصورة
ثمة صورة شهيرة جدًا غالبًا ما تستعين بها مواقع الإنترنت عند عجزها عن تدبير صورة جديدة لخبر عن اعتصام أو احتجاج في سيناء, الصورة لمجموعة من أهالي سيناء بزيهم التقليدي يعتصمون علي الحدود, في الصورة السلك الشائك للسياج الحدودي خلفه سيارة جيب إسرائيلية يقف أمامها جندي إسرائيلي يتحدث مع مجموعة من الأهالي لا يفصلهم عنه سوي سنتيمترات قليلة, هذه الصورة ظهرت في بداية موجة الاعتصامات والاحتجاجات التي تصاعدت بداية من 2005، ولم تنتهِ حتي الآن, الحدث كان مرعبًا, العصا الغليظة للأمن هبطت بلا رحمة علي أبناء سيناء كعقاب جماعي لهم علي ظنون لم تتأكد أو حتي تأكدت بأنهم السبب وراء سلسلة تفجيرات جنوب سيناء (شرم الشيخ، دهب، طابا), أكثر من أربعة آلاف مواطن (في تقديرات أخري خمسة آلاف) تم اعتقالهم بشكل عشوائي والتنكيل بهم, لدرجة أن السجون وأماكن الحجز التابعة للأقسام ومقار أمن الدولة ضاقت بهم فاضطروا لاستعمال معسكرات الأمن وعنابر الجنود لاحتجاز الناس بها, موقف لا تليق به سوي اللقطات القاسية لمعسكرات الاعتقال في رائعة مصطفي العقاد عن عمر المختار. المدهش أن الإعلام المصري ترك كل هذا وأمسك جيدًا ربما رأي في ذلك فرصة وحيدة للنجاة من عاره الثقيل - بتفاصيل الصورة! لماذا يذهبون علي الحدود؟ التلميحات عن الود الذي يتحدث به الجندي الإسرائيلي مع الأهالي لن تنقطع! حتي الذين ادعوا التعاطف لم يتحرروا من ورطة التشويش المتعمد علي ما ارتكبه الأمن المصري من جريمة, "لو فقط فعلوا ما فعلوا بعيدًا عن الحدود"، يقول صاحبنا المتعاطف!
مرة سألني أحدهم وأوشكت أن أندفع بحماس لأقول له، إن الناس ذهبوا إلي الحدود لغرضين لا ثالث لهما, أولًا لجلب أنظار الإعلام المحلي والعالمي لرعاية همومهم ورفع الظلم عنهم, وثانيًا لضمان حمايتهم من بطش الأمن المصري في لحظة لم يكونوا فيها يملكون سلاحًا للدفاع عن أنفسهم, لكنَّ هذا سيتغير بعد قليل.. "طباخ السم بيدوقه"، والسلاح الذي سيعبر إلي حماس هناك من يحتاج إليه للدفاع عن عرضه وشرفه في ثقافة يمثل فيها هذان العاملان جوهر الوجود, كنت سأقول له أيضًا، إن الناس هنا عددهم قليل ولا يمكنهم تبعًا لهذا العدد القيام بعمل مسيرات أو مظاهرات, ثقافة المظاهرات تحتاج إلي كثافة بشرية هي غير متوفرة, كنت سأقول له كل ذلك وأكثر، لكنه بصق في وجهي بتلك التهمة الجاهزة: "خونة"، فانطفأ حماسي ولعنت في سري الجهل والشوفينية وضيق الأفق.
الشيخ زويد: لعنة الجغرافيا
ليس لأنني أعيش بها، ولكن لأسباب موضوعية تتعلق بالجغرافيا السياسية هي الآن في ظني وظن كثيرين ممن هم علي دراية بتعقيدات الأوضاع في سيناء - البلدة الأكثر أهمية في سيناء علي الرغم من عدد سكانها الأقل (من 30 40 ألف نسمة، حسب إحصائيات غير رسمية) مقارنة بالعريش التي تجاوز عدد سكانها (200 ألف نسمة) ومدن أخري مثل بئر العبد يتجاوز عدد سكانها هذا الرقم بكثير, هل لأنها علي بعد عشرة كيلومترات من أكثر المناطق الملتهبة في العالم (غزة)؟ هل لأن أهلها يعاقبون علي الدوام بسبب وجودهم في جزء هام من جغرافيا معقدة يدفعون فيها علي الدوام ضريبة الرضا أو الغضب أو التوتر حسب مزاج العلاقات الثلاثية المصرية الإسرائيلية الفلسطينية؟ في الشيخ زويد يقول الشباب وهم محقون - إن المشكلة ليست في البشر, المشكلة في الجغرافيا, ولو فرض وجئنا بسكان أي مدينة مصرية "بلبيس" مثلًا، وجعلناهم يعيشون هنا في مدينتنا لن يختلف الوضع كثيرًا.
في موجة الاعتقالات التي لحقت بأهل سيناء كان أغلب المعتقلين من أبناء الشيخ زويد، أو دعنا نوسع الدائرة قليلًا لنقول أبناء المنطقة (ج) التي تشمل بالإضافة للشيخ زويد وقراها, رفح الحدودية وقراها, معظم الاعتصامات والاحتجاجات التي تطورت في مراحل سابقة وبعد توفر السلاح إلي قطع الطرق كانت في المنطقة (ج), رصيد كبير من الاعتصامات والاحتجاجات التي بدأت لا لتنتهي، ولكن لتتواصل قبل الثورة وبعدها, الأمر الذي دفعني لأن أكتب في موضع ما، أن يوم 25 يناير كان يومًا اعتياديًا من أيام الشيخ زويد التي كانت الاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق فيها من المشاهد المعتادة منذ 2005 وحتي 2011، عام الثورة.
صباح يوم 25 يناير 2011 كانت الإطارات الكاوتشوكية المشتعلة عند مدخل مدينة الشيخ زويد تقطع الطريق، وعلي مسافة قريبة كانت الصورة التقليدية لاحتجاج من الاحتجاجات المتكررة، لكنه سيتطور في اليوم التالي بعد الغاز المسيل للدموع، وبعد سقوط أول شهداء الثورة المصرية في الشيخ زويد (الشهيد محمد عاطف يوم 26 يناير). وتبدأ المواجهة المسلحة بين شباب، كان سقوط الشهيد أمام أعينهم بالرصاص الحي لأحد ضباط قسم الشيخ زويد (جوانتانامو سيناء كما كانوا يسمونه) القشة التي قصمت ظهر البعير, وكأنه أعاد إلي أرواحهم المخطوفة كل مشاهد الظلم والاعتقالات والتنكيل والقتل المجاني فضغطوا علي زناد أسلحتهم القليلة لتبدأ مواجهة لن تنام لها جفون البلدة الصغيرة طيلة أيام لا يهدأ فيها صوت الرصاص إلا ليتعالي, هنا نقطة نظام هامة، وهي أن هذا المشهد الدامي لم يكن بريئًا ونقيًا في مجمله كما قد يفهم من كلامي, كان المبرر الأخلاقي والفراغ الأمني قد فعل ما عليه ليترك الباب مواربًا علي فانتازيا دموية هذه المرة لم يسلم منها لا أبناء سيناء ولا ضباط وأفراد الشرطة الذين دفعوا ضريبة ما كان يدار من بعيد. نعم، كانت هناك أيادٍ تتدخل من بعيد لتدير المشهد لصالحها, بعيني رأيت علم حماس في الشيخ زويد علي إحدي العربات المسلحة, كنت في إحدي اللجان الشعبية المكلفة حماية الحي الذي أسكن به وجاءوا إلينا, قال وعلم حماس يرفرف خلفه: هل تحتاجون إلي معاونة؟ قلت نيابة عن أعضاء اللجنة الشعبية: لا، ولم أقل شكرًا, ثم أخيرًا يأتي القرار بأن تنسحب قوة القسم مخلفة وراءها ستة شهداء في تلك المدينة الصغيرة.
هامش: علي مدونتي "سيناء حيث أنا"، وبتاريخ 25 يناير 2011 ستجد تدوينة تحمل عنوان "احتجاجات سيناء"، في التدوينة تأريخ وحيد للحظات المبكرة الأولي للثورة التي لم يكن أحد يعرف ساعاتها أنها ثورة.
صفحات من كتاب يصدر قريبا عن الكتب خان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.