كان بوسعي قطع المسافة في سبع خطوات, لكن تدافع المركبات بسبب عطب الإشارة الضوئية جعل خططي للتقدم مفخخة بالخوف من الدهس كان الليل في أوله والأضواء في الشارع شحيحة , قلت في نفسي أن التدافع سيبطأ بسبب الزحام المتوقع وتوقف المركبات أو تقدمها ببطء,وعندها سأتمكن من تفادي الارتطام والتقدم المتعرج بينها للوصول الي الرصيف الذي يتوسط أمتداد الشارعين , ردني زعيق المنبهات عن موقعي أسفل الرصيف.. عدت خطوتين غير محسوبتين للوراء فأصطدمت بحرف الرصيف وبعمود الإنارة المطفأ ساعدتني العصا التي صرت أحملها منذ داهمني الغضروف علي التماسك وتجنب الوقوع. مطر آخر الخريف مباغت وخفيف ولكنه يصنع عادة جزرا صغيرة متناثرة كنت أعجز دائما عن تخطيها ,كان الوحل يغرق نصف الحذاء ويحدث أن يغمره بالكامل في بعض الحفر احاول عبثا مد البصر يمينا لمحاولة رؤية أمل بتكدس أزدحامي يعرقل اندفاع السيل الحديدي.. احول البصر يسارا في محاولة يائسة لتحديد آخر الأضواء.. كانت معطم المركبات دون أضاءة أمامية وهو ما خدعني أكثر من مرة ولم ينقذني من اصطدامها بي سوي منبهها الزاعق وبعض سباب من سائقها كان هناك دائما من هم أصغر سنا ينجحون من الرصيفين في القفز للرصيف المتوسط.. خطوتان ربما أو ثلاث وأراهم ينتصبون في الوسط متأهبين لتكرار القفز للرصيف المقابل. الدقائق تمر ثقيلة والأمل يكاد يتبدد قبل أن يتوقف تاكسي علي يساري لتنزيل أحد الزبائن و يشير لي بالتقدم وهو يخرج ذراعه للسيارات القادمه علي يساره أن تبطئ قليلا..اختصرت الخطوات قسرا الي خمس بعد سماعي لصوت الفرامل قبل وصولي للرصيف الأوسط يوشك أن يخترقني. كان السائق الغاضب طيبا عندما وجه شتائمه لي شخصيا ولم يشر الي الوالدين وهو يطوح بيده في اشارة بذيئة. الرصيف الأوسط بعرض متر ونصف تقريبا, قديم التبليط.. تتوسطه علي امتداده أعمدة إنارة معظمها مهشم المصابيح كانت المركبات القادمة من اليمين أقل ولذلك هي أسرع وهو ما جعلني أندم علي اختيار هذا التوقيت للخروج في هذا الطقس الذي لم أحسب برودته فلم اكترث بارتداء المعطف المعلق علي الجدار والاكتفاء بالجاكت الوحيد الصالح للاستعمال في خزانتي.. صرت بين فكي حديد ألماني وأمريكي وياباتي وكوري وصيني وفرنسي وايطالي وتركي.. حافلات وسيارات نقل وباصات وسيارات من كل الأنواع والألوان والأحجام ودراجات نارية.. كأنني متورط في مشهد في فيلم رعب , أدركت علي الفور وأنا ألتفت للوراء عقم محاولة العودة , توكأت علي عصاي رافعا قدمي اليسري للتخفيف من وطأة الألم الغضروفي وأنا اتمتم : لا غالب الا الله. قرأت المعوذتين وآية الكرسي. ورفعت العصا مطوحا بها توسلا للسائقين.. كنت اعتقد وأنا اتقدم قاطعا الطريق في تعثر وبطء أن الرحمة والشفقة هي السبب قبل أن أري وانا اصل للرصيف المقابل عراكا علي يساري بين سائقين أصطدمت مقدمة سيارة أحدهما بمؤخرة سيارة الآخر. أسكن في الطابق الثالث من عمارة قديمة تعاني درجات سلالمها من الانسحاق تتخللها أخاديد صغيرة وتأكل بعض أطرافها.. أمام البيت اقتعدت إحدي الدرجات الطالعة.. أسندت مرفقي بركبتي وطوقت بيدي ما تبقي من شعيرات الرأس وانخرطت في ضحك بدأ مكتوما وتصاعد حتي أخرج جاري الذي تقدم يسألني مستغربا عن حالي.. رفعت رأسي وأخبرته مختنقا بالضحك أن مفتاح الشقة في جيب المعطف المعلق علي الجدار الداخلي للدكان.