إقبال واسع على تقديم طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب بمحكمة جنوب القاهرة    20 مرشحا تقدموا لخوض انتخابات مجلس النواب في الوادي الجديد    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025.. جامعة جازان تتقدم أكثر من 200 مرتبة في تصنيف التايمز 2026    ارتفاع جديد في سعر الذهب اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025.. آخر تحديث ل عيار 21    الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة.. انفوجراف    25 صورة ترصد فعاليات ماراثون للتوعية ضد شلل الأطفال بالأقصر    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    بكين تعلن إجراءات رقابية على صادرات التكنولوجيا الخاصة بالتربة النادرة    إمام عاشور ل عماد النحاس بعد تعيين سوروب مدربا للأهلى: شكرا يا أصيل    بشير التابعي: حكمة الرئيس السيسي أنقذت المنطقة من عواقب وخيمة باتفاق شرم الشيخ    انضمام المحترفين جوناس الملاح وكريم حسنين لمنتخب 2007.. وموهبة ثالثة في الطريق    السيطرة على حريق نشب بمطعم شهير بالمحلة الكبرى في الغربية (صور)    انبهار وفد ألمانى رفيع المستوى فى زيارته للمتحف المصرى الكبير    فيلم هيبتا المناظرة الأخيرة يتعدى 7 ملايين إيرادات منذ عرضه    الصحة الفلسطينية تعلن إصابة 36 جراء اعتداءات المستوطنين على عدة بلدات    صحة الدقهلية: استئناف العمل بوحدة مناظير الجهاز الهضمي بميت غمر    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    فرنسا: اتفاق شرم الشيخ خطوة تاريخية ونجاحه يجعله مشروعا للسلام الدائم    حبس قاتل تاجر العسل بالغربية على ذمه التحقيق    ضبط 6 طن أعلاف مجهولة المصدر بالمنوفية    انقطاع المياه يثير غضب أهالي أبوصوير.. "من امبارح مش لقين نقطة نشربها"    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    مراسل القاهرة الإخبارية يرصد مشاهد مؤثرة من عودة النازحين لمدينة غزة.. فيديو    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    لبنان: بيروت ودمشق اتفقتا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    «قلبي قالي».. ياس سوروب يتحدث عن سبب اختياره تدريب الأهلي    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    بمشاركة 22 جامعة مصرية حكومية وخاصة.. اختتام برنامج محاكاة قمة المناخ COP30    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    «كولونيا» يُطلق إعلانه التشويقي قبل عرضه العالمي الأول (فيديو)    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    إصابة 9 أشخاص وأضرار واسعة بأنحاء كييف بسبب غارات روسية    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    "إدارة الصراع والضغوط والقلق النفسي" ندوة توعوية لجامعة قناة السويس بمدرسة أم الأبطال    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    الداخلية تكشف حقيقة صور صبية يتعاطون المخدرات ويتحرشون بفتيات فى الدقهلية    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية ورسائل نصر أكتوبر تتصدر نشاط السيسي الأسبوعي    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    أهم 30 دقيقة أعقبت إعلان إنهاء الحرب.. لماذا تأخر القرار حتى منتصف الليل؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلب ناصع البياض:ارتجال الوهم
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 01 - 2015

كتب (كافكا) لوصف ما قد يُعد استراتيجية طاغية لعمله: (كل كلمة تنظر أولاً حولها في كل اتجاه، قبل أن تدعني أكتبها) .. لسنا بحاجة لبذل جهد مفرط في استنتاج قيمة (تحليل الكلمات) التي تحتل منزلة الإيمان داخل المزاج الكافكاوي؛ إذ إن الاصرار الذي لا يخلو من مثابرة علي تشريح كل حركة وانفعال وهاجس يغطي مساحة شاسعة في أعمال (كافكا) .. المشهد الكتابي الذي شُيّد علي ما يمكن النظر إليه كغريزة إحاطة للسيطرة علي جميع احتمالات القلق داخل كل سياق .. تاريخياً حافظ هذا الكادر علي اتساعه المستمر، حيث توافد علي الانضمام إليه باعتزاز مهني كبير الكثير من أرصدة (كونديرا) و(ساراماجو) علي سبيل المثال، وعلي وجه التحديد كانتماءات ساطعة لهذا المشهد.
لكننا مع رواية (قلب ناصع البياض) ل (خابير مارياس) الصادرة مؤخراً عن سلسلة (الجوائز) ترجمة: (د. طلعت شاهين، وعبد الهادي سعدون) سنواجه نموذجاً ربما يُدفع ثمن هذه المواجهة بما يتجاوز المتوقع عن كيفية تحويل استراتيجية (كافكا) إلي تمادٍ غير محكوم .. ارتكاب نظري ليس مهموماً بتوفير أسانيد تبرر استخدامه (روائياً)؛ حيث جعل من (تحليل الكلمات) مجرد قواعد متلهفة للاسترسال في كتابة دراسات وقورة لا تنقصها النبرة الأكاديمية .. لن أكون مبالغاً أبداً لو أكدت علي أنه يمكن انتزاع أكثر من نصف الرواية بارتياح عظيم، وتغليف الصفحات المخصومة للحصول علي كتاب جيد في الأنطولوجيا، وعلي جانب آخر سيساهم هذا الكتاب الجيد في تحويل الصفحات المتبقية من (قلب ناصع البياض) إلي رواية أكثر خفة، وأكثر تسامحاً مع الخيال .. يلتزم (مارياس) بالتفاني في تفحص الأفكار، لكن التتبع الدقيق للإمكانيات الواردة للتجربة الذي يبدو محسوباً بإلحاح يحركه أرق بالغ يخلق مع كل خطوة فرصة غير سردية لتحقيق رغبة قديمة ربما عند (مارياس) .. أمنية العمل كمنظّر (خالق نظريات قابلة لإنتاج تابعين يخضعون لإرشاداتها الحاسمة) جعلته يستفيض في شروحات جافة لما يمكن أن نُطلق عليه (القضايا العامة) التي اقترحها السرد في وقت أصبح بعيداً مع طول مدة الاستعراض المفاهيمي.
(حتي الأشياء التي لا تُمحي لها زمن معين. مثل تلك التي لا تترك أثراً أو لم تحدث أصلاً. وأننا نتدخل وننتبه لها أو أن نسجلها أو نصورها، وأن نمتليء بالذكريات، بل وأيضاً نحاول أن نستبدل ما حدث بما نملك من أحداث وأرشيف لما جري، بطريقة ما، وكأن ما جري في الحقيقة منذ البداية هو توقعنا أو تسجيلنا أو تصويرنا لها، هذا وحسب؛ والآن بهذا التمام الدقيق للإعادة نكون قد أضعنا الوقت بترتيب الأشياء كما وقعت فعلاً (حتي لو كان الزمن هو وقت الانتباه)، وبينما نلجأ لاستعادته أو إنتاجه من جديد، أو نعمل علي منعه من أن يكون ماضياً، فزمن آخر مختلف سيقع حتماً.
علي عكس (كافكا) إذن هكذا يبدو لي الأمر لا يسعي (مارياس) إلي السيطرة علي لعبة التضمين النثري داخل قناع محايد .. غفلة مصطنعة تؤسس للتخفي البديهي في الهيئة التقريرية .. أتحدث عن تفسير الملاحظات حتي الأقل طفواً داخل الذهن الناجمة عن المراقبة والرصد من وراء مجهر بارد .. هذا التفسير غير المحرّض شكلاً ينتقل في (قلب ناصع البياض) من رونق (المظهر) المكلف بالخدعة إلي تدابير جوهرية لل (الطبيعة) .. لا يحاول (مارياس) كرهان روائي محاصرة جميع أسرار الشبق المجازي الممكنة داخل السياقات، أو إبطال مفعول دوافعها في الذاكرة، أو إصابة المعاني باليأس من العثور علي ملاجئ دائمة، بل يوظّف الضمانات الأدبية لصالح القانون الصارم ل (التقرير المعملي المثالي).
(ينتابني أحياناً شعور أن لا شيء مما يحدث، يحدث فعلاً، لأن لا شيء يحدث دون تدخل. إذ لا شيء يدوم أو يستمر يمكن تذكره بلا انقطاع، فحتي الأكثر رتابة وروتينية في الوجود يمضي إلي إلغاء ورفض نفسه في أي إعادة ممكنة، حتي اللحظة التي يكون فيها اللاشيء شيئاً واللا أحد أحداً مثلما كانا سابقاً، وأن العجلة الضعيفة للعالم تكون مدفوعة بعدم تذكر ما يُسمع أو يُري أو يُعرف ما لا يُقال أو ما لا مكان له أو ما هو غير قابل للإدراك أو المماثلة).
كأن (خابير مارياس) ينتهز العلاقة المميزة بين القالب الروائي وأسلوب التداعي الحر كي لا (يتنازل) لقارئه عن قرار العثور علي منطق بديل أو تناقض مغاير أو حتي ضبط مختلف لصياغة المرادفات الكامنة في الإشارات الكلية التي يُراكمها .. إنه يمارس نوعاً من القمع الاستباقي، لقطع طرق التوجه إلي مسارات أو مقاصد مضادة .. تتحول العلامات في سرده إلي إجراءات مختبرية مهيمنة، تطارد الفراغات للوقاية من الانشغال بما قد يأتي للإقامة داخلها .. إن طريقته هذه تتجلي كشكل من أشكال الانتقام التي ربما يريدنا أن ننتبه إليه من عمل بطل الرواية كمترجم .. هو الآن يتحكم في ممارسات اللغة دون التقيد بأعراف أو تقاليد، بل أنه سيعطيها في الرواية دفعة المجون اللازمة، وذلك لا يعني سوي ألا تتخلي عن حريتها في الارتجال.
(وأحياناً يكون لدي إحساس أن ما يُعطي مماثل تماماً لما نأخذه لذاته، وما نجربه مماثل تماماً لما نتذوقه، ومع ذلك تذهب منا الحياة ونفني حياتنا في الاختيار والرفض والانتقاء، في رسم خط يرسم تلك الأشياء التي هي مماثلة تماماً ولا تصنع من تاريخنا تاريخاً وحيداً نتذكره ويمكن حكيه، سواء في اللحظة نفسها أم بعد زمن، وهكذا تُمحي أو تتبخر، وإلغاء ما نحاول أن نكونه وما نفعله، نركز كل ذكائنا وحواسنا وجهودنا لإدراك ما سيكون متوازناً أو هو أصبح كذلك).
ارتجال (خابير مارياس) لا يتطلب تعقيداً أدائياً في ظني.. أنت تحتاج بداهة إلي تحويل الأحاسيس إلي أنماط تتبدي في حالة المعرفة المجردة.. سيبدو العمل الروائي حينئذ كأنه استجابة عفوية لضرورة تحديد عناصر النمط، ومن ثم مناقشة الأواصر التي تربط فيما بينها، واختبار الظواهر التي تنشأ عن صراعاتها المحتملة.. إن المراجعة المطروحة في (قلب ناصع البياض) للتاريخ العائلي هي في الحقيقة تفكيك للظنون التي شيدت جسوراً من القبول والتعايش.. هي طريقة للتوثيق العكسي إن جاز لي استخدام هذا الفخ؛ إذ إن الكاتب لا يجري وراء يقين أو إدراك جازم، بل يبحث عن الدلالات الانتهاكية التي يمكن من خلالها قراءة المساواة العدمية ربما بين ما كان وبين ما لم يكن وبين ما كان ينبغي أن يكون فلنتذكر كتاب الأنطولوجيا الذي يمكن انتزاعه من الرواية إذ استخدم (مارياس) إشكاليات الكينونة كتقنية سرد حتي أن المساواة لا تحتفظ بالواقع بل تنفيه.. يمكن استبدال (علم الوجود) المتدفق في السرد بما يشبه إجابات متناثرة علي استفسارات عن الوهم.. ربما هذا ما يمكن تعيينه كدال أساسي يعمل كشبح.. الوهم باعتباره قلباً ناصع البياض يقف في مرآة ولن تلمسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.