كيف تعرّف من وجهة نظرك الأدبية المجموعة المختارة التي تجمع الرواة:خوان بييورو، رودريجو ريي روسا، إنريكي بيلا ماتاس، هوراثيو كاستييانوس، ثيسر أيرا، خابيير ثيركاس وروبيرتو بولانيو؟ هل ستضيف أم تستثني أحداً من القائمة؟ ماذا يجمعهم؟ - أولاً أنا لا أري أنها مجموعة مختارة جداً. ولو سمحنا باسمين إسبانيين علينا أن نضيف خابيير مارياس، الذي أعتبره أفضل ناثر إسباني حالي، وبيلين جوبيجي، بالإضافة للويس ماجرينيا وخيسوس فيريرو، من بين آخرين. هكذا سأقتصر علي الأمريكيين اللاتينيين. لماذا لا أعتقد أنها مجموعة مختارة جداً؟ في الأساس بالمقارنة بمجموعة أو جيل أو موجة سابقة. في أمريكا اللاتينية، بشكل عام، هناك جيلان من الرواة. الأول، الكبير، يبدأ مع ماثيدونيو فرنانديث، وينتهي مع رينادو أريناس ومانويل بويج. الثاني، الجيل الذي تذكره يبدأ مع بيجليا أو ربما مع فرناندو باييخو ولا أعرف من ينهيه. من المثير للفضول أن ماثيدونيو كان كاتباً بارودياً ، لكن في نوع من البارودي الناعم، الذي يعبر عن نوع ما من الثقة. بينما كان بيجيليا وفرناندو باييخو في منطقة اليأس والمتاهة. وهذا يمكن ملاحظته أكثر في فرناندو باييخو؛ مع ذلك لو قرأ أحد لبيجليا بانتباه، حسناً، ستكون النتيجة مفزعة. ما يعد في ماثيدونيو تركيزاً في اللحظة والمشاهدة القلقة، يعد في بيجليا تدهوراً حتمياً. أحد الآباء المؤسسين أيضاً، ولنطلق عليه هكذا رغم أنه لا يحب كلمة أب، هو أوسوالدو لامبورجيني. لكن لامبورجيني، لنقولها بنبرة ناعمة، ناعمة جداً، هو الإفراط. إنه كاتب لا يُقرأ، ليس لأن ما يكتبه لا يفهم، بل العكس، بسبب عريه. ليس عري بليك، مثلاً، الذي يميل للبراءة والمتعة، وإنما عري الشر. وأضيف إلي الأسماء التي ذكرتها رودريجو فريسان وألن باولس وكارمن بويوسا ودانييل سادا. والأخير بلا شك يكتب واحدة من الأعمال أكثر طموحاً في الإسبانية، توازي فقط عمل ليزاما، رغم أن باروك ليزاما، كما نعلم، يدور في أرض استوائية، تهتم كثيراً بالمثال الباروكي، بينما باروك سادا يدور في الصحراء. ماذا يجمعنا؟ حسن، كلنا نكتب، بصواب أكبر أو أقل. الأفضل أن يكون السؤال:ماذا يجب أن يجمعنا؟ والإجابة سهلة جداً. أعمال جيدة. لكن بالطبع ليس من السهل قول: عمل جيد. كتابته هو الأصعب. العنف هو إحدي الوسائل التي تستعملها بغزارة في سردك؛ ويبدو في لحظات أنه البطل الكبير. كيف توظف العنف في كتاباتك؟ - أعتقد بطريقة عشوائية، كما يوظف العنف في كل مكان. هل من الممكن كتابة رواية عن المعتقلين- المختفين؟ - نعم ممكن. المشكلة الوحيدة مَن وكيف. لأن مجرد الكتابة عن هذا الموضوع بغرض أن يصبح لدينا رواية من التي نسميها بروايات الوشاية، فمن الأفضل عدم كتابة شيء. أو كتابة رواية مليئة بالغمزات من التي كان يسميها بورخس "العهر العاطفي". هذه هي المخاطرة والشرك. فلكتابة رواية حول هذا الموضوع سيكون ضرورياً أن يخطط الروائي، داخل العمل نفسه، للفراغ الحالي في خطاب اليسار أو ضرورة تشكيل هذا الخطاب. هنا يأتي سؤال: كيف سيمكن إعادة تشكيل الخطاب اليساري إذا كان اليسار، مثلاً، لا يزال يؤيد كاسترو، الذي هو أقرب ما يكون لطاغية من طغاة الموز؟ في الواقع، نحن في هذا الموضوع لا زلنا في حفاضات. ألا يبدو لك أحياناً أن سردك ممتليء بسيرتك الذاتية بشكل مفرط؟ فبالإضافة لسرد أحداث من حياتك تظهر أيضاً كبطل، كشخصية أساسية، وبشكل متكرر؟ - بشكل مفرط، لا. هناك آخرون أيضاً متشبعون بسيرهم مثل فوكنر وجويس، ولا نقول بروست. حتي كافكا، بل إنه أكثرهم. علي أي حال أنا أفضّل الأدب، ولنسمه هكذا، المصبوغ بخفة بالسيرة الذاتية، أدب الفرد، الذي يميز فرداً عن فرد آخر، أدب النحن، هذا الذي يدمج الفرد في الجماعة، بذاته وبحكايته، المكان الذي تختلط فيه الوجوه. أنا أكتب من خلال تجربتي، ولنقل تجربتي الشخصية، وهي تجربة عمالية وثقافية، امتزجت مع مرور الوقت لتكون تجربة واحدة. لكنني أكتب أيضاً من خلال ما يمكن تسميته بالتجربة الجماعية، التي هي، علي عكس ما يعتقد بعض النظريين، شيء مراوغ جداً. ولأبسط أكثر، هي الجانب الفانتازي من التجربة الشخصية، الجانب اللاهوتي. وتحت هذا المنظور، تولستوي كاتب ذاتي، وأنا بالطبع أتبع تولستوي. "كتابة النثر لعنة" أكدت هذا من قبل، لكن النقد يؤكد أن خيالك التعبيري يجد طريقاً أكثر طبيعية في نثرك أكثر من شعرك. ما رأيك؟ "كتابة النثر لعنة"بالمعني العملي للكلمة. فكتابة رواية أكثر إنهاكاً من كتابة قصيدة. من الممكن أيضاً أن نقول إنه من الأصعب أن تعيش شاعراً من أن تعيش روائياً. أظن أنني قلت ذلك عندما نفد صبري أو لأن العبارة في تلك اللحظة راقت لي. الآن، لا أري نفس الشيء. ربما كنت أتذكر شبابي وتجربة الكتابة، حتي تجربة الأدب، كحدث مجاني، بمعني غير خاضع للمعاملات الاقتصادية. الكتابة في هذه الظروف، وتحت هذا القانون الوحيد، يصيب بالدوار. خلال عدة شهور من عام1979 مثلاً، إن لم تخني الذاكرة، كتبت سلسلة من القصائد القصيرة، لم تنشر بعد، قصائد لا زالت تبدو لي غريبة وأعتبرها جيدة في هذه اللحظة، بل وجيدة جداً. بعدها فقدت هذه القصائد بين أوراقي أو ضاعت أثناء الانتقال، ولم يسبب لي هذا أي ضيق. كان الأدب، بالنسبة لي، مثل النفايات. كنت أرمي كل شيء دون أن أفكر في المستقبل، الذي كان النفاية الكبري، أو الاقتصاد، الذي كان اقتصاد الغذاء وبالتالي هو أيضاً، بشكل ما، جزء من النفاية العامة. وهذا، بالنثر، يعني الانتحار. قلت ذات مرة إننا كقراء وصلنا لنقطة لا يمكن الخروج منها في الظاهر. وككتاب وصلنا حرفياً إلي حافة الهاوية. ليس هناك طريقة لاجتيازها، لكن يجب اجتيازها، وهذا هو عملنا، العثور علي الطريقة لاجتيازها. لماذا تعتقد أن جيلاً من الكتاب الأمريكيين اللاتينيين قد فشل في حل محل الآباء، كتاب الانفجار، خلال سنوات الثمانينيات؟ - طيب، أظن أنك تشير بالجيل السابق إلي مؤلفين بين بيوي مثلاً و رودريجو فريسان. بمعني، المؤلفون "المقدسون". وهم أناس يسرقون جيداً. أناس لا يعرفون الكتابة ويبيعون كتباً كثيرة لأناس لا يعرفون القراءة. وحول هؤلاء الكتاب ليس لديّ ما أقوله. الأدب، من ناحية أخري، ليس بعيداً عن هذا النوع من حركات التدفق وإعادة التدفق. هم إعادة التدفق. يتكلم بولانيو للصحافة ويترك كلمات وأحكاماً تتميز بالدقة وتقلق بعض رؤساء الجمهورية الأدبية المحلية الصغيرة. إنه خبير في الإشارة بإصبعه إلي أعدائه، ومتورط في تحديد تدرجهم الوظيفي والصراخ بسماجة في وجوه السمجين. يتحدث بولانيو بطريقة أكثر هدوءآً وأقل حدة عن الأدب والتقاليد وعن معاصريه المفضلين في المهنة. حواره هنا مكثف، حيث وضع كل راديكالية اقتراحه، وحيث غاص بيديه ودمه. روايته الأخيرة "كهرمانات" التي أخرجها من صندوق كتاباته الأولي لم يتلقها النقد جيداً، ويتمني أن تكون فاتحة شهية لروايته القادمة "2666". بولانيو يكتب ويقرأ بضيق، بيأس من لا يعرف هل ينقذ الأدب أم لا ينقذ من الصحراء، من السهل الذي أنتجته نهاية اليوتوبيات، خاصة تلك التي أورطوه فيها كعضو من جيل تاريخي لأمريكا اللاتينية خلال السبعينيات والثمانينيات. لقد قلتَ من قبل إن كُتاب "هذا الانفجار الجديد" يجب أن يغامروا في معالجات الشكل. حول هذا الانفجار السابق، ألا تعتقد أن السرد الذي بقي وتقدس هو هذا الأدب البعيد جداً عن التجريب في الشكل، بما في ذلك خوليو كورتاثر؟ - عندما أتحدث عن المغامرات في الشكل لا أقتصر علي ما يسمي الأدب التجريبي. ولا أفكر كذلك فيما يمكن أن يسمي بالأدب الممل. فالأدب الممل، تحديداً، هو ما لا يلجأ للمغامرة. والمغامرات في الأدب ذات طابع أخلاقي، بالأساس أخلاقي، لكن لا يمكن أن يعبر عن نفسه إذا لم يتحمل عبء الشكل.