لم اسمع بهذا الكاتب الياباني قبل شتاء 2008. لم اكن اعرف بوجود هاروكي موراكامي قبل بضعة اشهر. علمت به من اصدقاء اولا. ثم اخذت اري اسمه في الصحافة. فاشتريت، بالفرنسية، كتابين له، جنوب الحدود، غرب الشمس الذي قرأته قبل الثاني لصغر حجمه. اما الثاني وهو كافكا علي الشاطيء ، فكان الكتاب الذي سمعت عنه الكثير لكن كأني لم اسمع شيئا اذ كل ما قالوه لي: اقرئيه، انه رائع . وكوني مطيعة في بعض المواقف واحداها هذه حيث لا استطيع سوي ان اقرأ ما لم اكتشفه بعد، ركضت الي المكتبة ووجدته وفرحت. بعد ان انتهيت اذن من الرواية الصغيرة التي وجدتها معقولة علي الرغم من الثغرات التي سأتناولها لاحقا في سياق الكلام علي الكتاب العظيم ، اي كافوكا علي الشاطيء وهكذا اتي الاسم في النسخة اليابانية وليس كافكا كما في الترجمة الفرنسية، انقضيت اذن وبفضول كبير علي كافوكا. اقرأ وأقرأ والستمئة وثلاث وثلاثون صفحة لا تنتهي بسهولة، خصوصا عندما نكون منشغلين بألف مهمة ومهمة. وصادف اني في تلك الأثناء دعيت الي بروكسيل، فأخذت معي هذا الكتاب الذي لا اجد له صفة تشفي غليل غضبي منه. اذن في بروكسيل انهيته، بسبب تراكم الوقت ولا شغل عندي وقتها سوي انتظار ان يفتح المطار، نعم مطار بيروت. اردت ان اصل الي الصفحة الأخيرة، لربما ترك لنا الكاتب العظيم مسك الختام للختام. لكن غضبي ازداد عندما انتبهت الي ان موراكامي ليس اكثر من عابث واثق من نفسه اذ أنه محاط بلوبي اعلامي ضخم، يتسلي بقاريء مثلي، ويسلّي القاريء المراهق. الرواية ليست سوي مجموعة تفاهات تسلي المراهق المعاصر، هذا اذا سلّته! من النافل القول اني لا انتظر معني ملموساً ما في قراءاتي، انا صاحبة الفكرة الدائمة والمزمنة الا وهي معضلة غياب المعني التي استهلكتها في قصائدي. طبعا لا انتظر من الرواية اي معني او اي جواب جاهز. ومن النافل القول ايضا اني لا انتظر اي مغزي من اي رواية (وأقول هذا التفسير الزائد في حال احب احدهم ان يسيء فهمي عن قصد او غير قصد)، انا التي استمتعت بل شغفت مثلا بترجمة اروع الروايات التي قرأتها حتي اليوم، وهي رواية اوكسفورد (للكاتب الإسباني خابيير مارياس التي صدرت مؤخرا عن دار نوفل في بيروت)، حيث اللا معني واللا مغزي واللا وصول الي اي نتيجة واللا مسك ختام: كانت فقط رواية حادة كما احب ان تكون الحدة، اي تلك القادمة من النار الداخلية. كانت رواية غنية لغة وطرافة، وسخرية وأسلوبا كتابيا قلّ نظيره، غنية في وصف العلاقات البشرية الغامضة وغير المكتملة والمؤلمة. لكن ماذا لدي الرديء موراكامي. اذا كان باولو كويلو سخيفاً الي حد لا يطاق وهو يكتب فقط ربما للمراهقين والقراء غير المتطلبين، فالياباني يسبقه بأشواط، لكن من حيث الهلوسات التي لا طعم لها. ما معني ان يستلم الراوي ظرفا فيه مبلغ كبير من المال وأن يختفي هذا الظرف دون ان يعرف ونعرف كيف. لو علمنا من اين اتي علي الأقل! ان تختفي شيماموتو سان( في جنوب الحدود، غرب الشمس )، فلا بأس، و أن لا تقول لنا شيئا عن حياتها السرية هذه التي تستفزنا بها ولا تفصح، علي الرغم من ان هذا التكتيك قد يبدو للوهلة نوعا من العبث الذي اعتدناه في روايات غربية كثيرة، الا انها ليست كذا، بل هي تكتيك رخيص جدا لدي موراكامي، كأنه اراد الاستسهال فحسب، بل كأنه لم يكترث بعقل القاريء. ستمئة صفحة من الضحك علينا. وأعتقد ان الدعاية كبيرة جدا ومعظم القراء يؤخذ بها. حتي انا ترددت بعض الشيء وتساءلت اني قد اكون فهمت الرواية خطأ. لذا لجأت الي الإنترنت وجل ما وجدته، بدل بعض النقد والشرح، خبرا يقول ان آلاف القراء كتبوا له سائلين عن معني كتابه كافكا علي الشاطيء ، وانه اجاب عن كل الأسئلة الأولي وثم اخذت سكرتيرته تجيب بدلا منه لاحقا. لا بأس ان نسأل عن بعض التفاصيل وأن يجيبنا عليها الكاتب. لكن ما هذه الرواية الفارغة التي لم يستطع القراء ان يجدوا فيها اي اشارة او مفتاح!! ليس فيها اي مفتاح يستوقفني او يقودني الي تفسير ما!! اعتقد ان الرواية الغنية والجديرة هي التي علي الرغم من صعوبتها وغموضها يستطيع القاريء ان يفهم الأشياء من تلقاء القراءة. فعندما نحتاج الي ان نسأل الكاتب كل هذا الكم من الأسئلة، فهذا يعني ان الرواية فارغة. اذن ليس فيها سوي هلوسات ركيكة البنية، هلوسات تبدأ عالية النبض ثم اشعر وكأن الكاتب لا يعرف كيف ينهيها (وهنا اعني اني كنت اتمني نهايات تضعنا في فراغ الوجود وليس في فراغ التفاهة التي رمانا فيها وحيث لم يرد ان يتعب نفسه في تحسين روايته او القيام بأي مجهود)، لنجد انفسنا ازاء مواقف ربما ارادها كافكاوية لكن كان عليه في هذه الحال ان يضيف شيئا الي كافكا الأصلي بدلا من ان يتسلي ساعة بكنتاكي فرايد تشيكن، وساعة بجوني والكر وساعة ببحصة لا تتكلم بل يكلمها العجوز الأحمق وساعة بساعات من الضجر في احاديث متبادلة بينه وبين القطط، ثم ذبح القطط واكل قلبها مع الدما ء المشرشر الخ، ثم هذا المراهق الذي يضاجع امرأة لا يراها سوي في هلوساته، او الأنكي تلك التقارير الطبية- العسكرية التي لا طعم لها والأطفال الذين يغمي عليهم وما من ايضاح ودون سبب وجيه. واثناء قراءتي، وقد ارهقتني فصول الجنرال ساندرز الخرافية لشدة ما هي مضجرة، قلت لذاتي ساخرة بعد قليل لن ينقصني سوي ان يحكيلي عن ميكي ماوس . ولم اصدق عندما بالفعل وصلت بعد صفحات قليلة حيث اتحفنا الكاتب بمخلوق والت ديزني هذا. وجود كل هذه المخلوقات علي الرغم من جمالها الأصلي، كانت فارغة كل الفراغ لأنها في غير مكانها. والأبشع من كل هذا عندما رمانا عبر صفحات لانهائية في ذلك الحلم في عمق الغابة. محطات بكاملها لا طعم لها اذ لا اعتبرها لا بسيكاناليتيكية ولا اوديبية ولا شيء من هذا القبيل: انها التفاهة الفادحة. ليست الرواية اذن لا من الصنف الخرافي الجميل ولا من الصنف الكافكاوي العجيب. انها عبارة عن تفاهة ممتازة. بعد بروكسيل، وكنت انهيت قراءة الرواية هذه، صادف ان كنت في بلغراد حيث التقيت بأستاذة جامعية يابانية. سألتها عن صديقنا موراكامي، وأخبرتها عن خيبتي منه، فوافقتني قائلة لي انه كان افضل في رواياته الأولي (التي لم اقرأها بعد) وانه يكتب الآن اي شيء، اي زبالة، وينعم بالتصفيق بعد اكتسابه الشهرة. يقول الناشر الفرنسي علي غلاف كافكا علي الشاطيء : انها اوديسيه حديثة تضعنا في قلب اليابان المعاصر . فليسمح لي بلفوند!