فريد شوقي وهو المليجي

ماتَ جاري
أشعرُ بالغَمِّ لأنه ماتَ
قبْلَ أن أضرِبَه
قبْلَ أن يَستيقِظَ مَذعورًا
مِن حُلمٍ يتكرَّرُ كلَّ يومٍ
قَبضتي تَفِرُّ مِن مدفعٍ
وأسنانُه تتناثَرُ مِن عزْمِ لَكمَتِي .
ماتَ عدوِّي المَحلِّي
صارَ جثةً ويَنبغي احترامُه
حَجَرٌ ذَبُلَ فجأةً
ولمْ يَعُدْ مِن اللائقِ
أن أمُدَّ عليه مِعوَلي .
شَتَمَني كثيرا
وتَهَجَّمَ عليَّ كثيرا
لمْ أقُلْ له شيئا طوالَ بذاءاتِه
أعودُ مِن لقائِه
كي أحلُمَ طولَ الطريقِ
أنا فريد شوقي وهو المليجي
أعاتِبُ كمَا يُعاتِبُ النمِرُ فأرا في مَخلبِه
وألكُمُ الصدغَ المتذابِلَ حتي النهايةِ
أفلامٌ كثيرةٌ سالتْ مِنِّي
وضاعتْ في الترابِ.
ما يَنبغي أن أقولَه أو أفعلَه
يَتَغيَّرُ باستمرارٍ
أهراماتٌ مِن أفلامٍ يدويةِ الصُّنعِ
تدورُ حوْلَ معركةٍ لا تَنتهي أبدا
ولا تَبدَأ أبدا .
ماذا أفعلُ بِضَغائِنَ وأحقادٍ
تَشبَّثتُ بها مِثلَ مَزَارعَ وبيوتٍ؟
كيفَ أحيا بِلا وجهٍ كان يُسعِفُني
كلَّمَا ضايَقَني المُديرُ
أو المُرَتَّبُ
أو إلحاحُ الأولادِ علي حاجاتٍ صغيرةٍ
أو المُدرِّبُ الوَطَني
كان يُسعِفُني كلَّمَا لمحتُ تَجعيدةً جديدةً
ونَظرتُ إلي أيامي
وهيَ مَصفوفةٌ ورائي مِثلَ خراباتٍ .
كلَّمَا خَنَقني شيءٌ
يَخرجُ وجهُ جاري مِن سيارةِ إسعافٍ
فألكُمُه أثناءَ السيرِ
وعندَ الأكلِ،
وقبْلَ النومِ وأثناءَ النومِ وبَعدَه.
رَحَلَ وجهُه إلي القبرِ سليمًا
ليَحرِمَني مِن تَسليَتي
ويَتركني جَبانا إلي الأبدِ .
سامحتُه وسِرتُ في جنازتِه
أسترجِعُ ما كان يكوِّمُه أمامَ بابي
مِن بذاءاتٍ واتهاماتٍ باطلةٍ
كنتُ أُسعِفُه دائما
كلَّمَا خَنَقَه المُديرُ
أو المُرَتَّبُ
أو إلحاحُ الأولادِ
كنتُ أُسعِفُه كلَّمَا لَمَحَ حَبْلا
ونَظَرَ إلي أيامِه
وهيَ تمتَدُّ وراءَ شفتيه
مِثلَ الضروسِ التالفةِ .
هلْ كان يَبكي حين يَشتِمُني ؟
هلْ كان يَضَعُ صدرَه علي كتفي
حينَ يَرفعُ في وجهي خشبةً ؟
هلْ كان يلقِّبُني في سرِّه
بصديقِه النبيلِ
سعيدا بأنني أفْهَمُ لعبتَه
ولا أردُّ عليه ؟
جاري المِسكينُ
أدعو اللهَ أنْ يُسامِحَه
لكنني لمْ أكُنْ في مستوي اللعبةِ
ولن أغفِرَ له أبدا
أُكدِّسُ في ثلاجتي ضغائِنَ جديدةً
وأرتِّبُ ما يَنبغي أن أقولَه حينَ أراهُ