دائمة الذبول أمامها كزهرة قطفت باكرا فألقت بها يد عابثة الي جانب الطريق لتذبل روحها وتفقد عطرها وتتناثر بقايا بلا اهتمام. دامعة العين دون احتياج لسبب وكأن الدنيا منحتها مخزون لا ينضب لعينيها وحزنها. تجفف دمعها أحيانا. وتتناسي أحيانا أخري, كما تناست منذ أعوام تلك الكينونة اللطيفة التي وهبها الله لها فأصبحت جسدا بلا قلب يهفو, وأنفاس محرقة تشتعل كل يوم في ملل كي يبزغ يوم جديد ولا جديد. دائما ترقبها في توسل خفي أن ترسم ابتسامة عابرة علي ذلك الوجه الأمومي, أن تطفأ أنفاسها ولو لحظات ذلك الاشتعال الكامن فيها.. أن تأمل في غد جديد ونظرة تعيد بث شئ قد مات منذ سنين ولكن هيهات كانت تنتظر. وتر لا يهتز يا بنتي شوفيه الأول وبعدين قرري, وكأنها تخرج من قمقم خفي لتقول تلك الكلمات الجوفاء, ترمقها بنظرة تخترقها كسهم لا يخطيء هدفه فتفهم مغزاها إنها سنة الحياة لم تسألها يومان إن كانت تلك سنة حقا فلماذا إذا تقيمها هي وتحافظ عليها دون سواها؟! لم تصدقها يوما ولم تنخدع بكلماتها تلك المشبعة بآراء غيرها. هل كانت تفهمها حقا؟! كان السؤال يتقاذفها كثيرا دون جواب وكعادتها تشيح عن آمالهم تلك في رجل يضلل عليها كما كانوا يقولون, لم تفلح تلك الكلمات يوما معها ولم تلمس ذلك الوتر الذي تهتز له مثيلاتها فترغبن في كيان مستقل عن طفولتهن وبيت ألفته, وجدران غير الجدران التي سأمت لبذكريات فأصبحت تنوء بها كحمل ثقيل.. لم تأبه يوما بهذا فدائمة التأمل هي فيها وقسمات الحزن علي وجهها الطيب لا تنمحي منذرة دون قصد بمصير لا يحيد عما رسم لها قبل. فقط رفات أحلام كلهم صنف واحد مالوش آمان عادت تلك الكلمات ترن بأذنيها تذكرها ببداية عهد عرفت بعده معني نظرة جديدة في عينيها عندما تسألها عن والدها, كطفلة لم تع شيئا ولكن شيئا فشيئا فهمت فيما بعد. دائما إلي جوارها في فراشها, ربما تعجبت, وربما فرحت, ولكنها أبدا لم تفهم وقتها لم تعد تنهرها عن التمسك بالنوم بجوارها, هل فهمت مدي حاجتها لحنان تزيل به مخاوف ليلها. ولماذا لم تفهمها من قبل, وظل سؤالها معلقا الي ان شقت الاجابة غيوم جهلها ففهمت. لم يعد يوما حسن شاطرا ولم يعد يهتم الأمير بموت سنووايت, هكذا تراهم وتراه بينيهم كائنات لا تعرف للوفاء سبيل. ابتعدت صورته عن ذهنها وتوارت بعيدا فصعب علي الذاكرة أن تجسده من جديد, رحل دون أن يخبرها هي بذلك, تركهما وحيدتين, حائرتين بلا معين لهما.. كل ما استطاعه هو أن يبعث إليها بورقة وبضعة سطور سوداء يقلبها لينهي كل شيء وتنمحي صلته بهما إلي الأبد. منذ ذلك اليوم انطفأ بريقا كانت تلمحه في ضحكة عذبة تملأ منزلهم الصغير وتاه أمان كانت تلمسه بالرغم من ضآلة عهدها به. لم نعد نذكر ذلك العهد وكأن الذاكرة تأبي عليها التشبث بأحلام بالية بينما تبعث إليها بأولي خطواتها نحو عهد نقيض به تشع ربلك الانكسار الذي كسي وجه والدتها فتسرب إلي نفسها دون أدني مقاومة. وذابت فوق الشفاه وكعادتها سريعة الغضب, قريبة الدموع إلي عينيها.. تركتهم ثورتها تكاد تخنقها, تلك الكلمات في حلقها تود الخروج لكنها تخشي وتمتنع عن مجري حديثها فتعلل بأشياء أخري.. يزداد إلحاحه فيزيد حنقها علي عقولهم تلك التي لا تفهمها وعيونهم التي لا تبصر شكواها رغم كل شيء. وكمجري مياه لا يوقفه أحد فيضرب في أرضه سيدا بلا منازع ترفضه, لكن تلك المرة هناك الأسباب. حلقت السحابة السوداء فوق رءوسهم واضحة وظلالها الخانقة تحيطها.. تواجههم بنظرة تحد.. تنسكر نظراتهم وتذوب الكلمات كزبد بحر يلقي النهار فينصهر ليمتزج بأمواجها العاتية فيتوه دائما بلا رجوع. ولاء جمال يوسف