خرجت الدورة الأخيرة لصالون الشباب وهي تحمل شعار "اليوم ... الواقع البديل ... خارج الصندوق ... عالم بلا حدود" .. وربما تعتبر هذه هي الدورة الأولي التي تنطلق في ظل رئاسة د. أحمد عبد الغني لقطاع الفنون التشكيلية، وفي فترة حاسمة مليئة بالتغيرات . ولكن ما الجديد الذي يقدمه الصالون هذا العام في ظل رؤية رئيس القطاع الجديد .. وكيف أعد القطاع للاحتفال باليوبيل الفضي.. وللإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها كان علينا أن نلتقي بالدكتور أحمد عبد الغني وكان لنا معه هذا الحوار: شعار الصالون "اليوم .. الواقع البديل .. خارج الصندوق .. بلا حدود" .. لماذا تم اختيار هذا الشعار ؟ هذه الدورة تعتبر دورة استثنائية علي كافة الأصعدة، فهي دورة تاريخية لصالون الشباب .. حيث نحتفي بمرور خمسة وعشرين عاماً علي انطلاق هذا الحدث المهم الذي لعب دوراً مؤثراً ومتميزاً في تقديم نجوم الفن . وقد خرج شعار الصالون ليعكس مدي توجه قطاع الفنون التشكيلية والقائمين علي تنظيم الصالون للاحتفاء بأهمية ومكانة وموقع الحدث علي الساحة التشكيلية، حيث قاد الصالون محاولات اكتشاف عناصر التجديد والتحديث في الفن التشكيلي المصري المعاصر، دافعاً بالمغامرة الإبداعية نحو التجريب والرؤية الفلسفية وحرية البحث دون صدامية مع الموروث الحضاري والشعبي والثقافي، ودون انفصام عن الواقع سياسياً واقتصاديا واجتماعياً. حتي في اختيار الأعمال ..غيرنا ما كان متبعا سنويا، حيث لم نكتف بأن يرسل الفنان المشارك عمل أو اثنين ، بل طلبنا من الفنانين أن يقدموا ملفا كاملا عن تجربتهم الفنية حتي تطلع اللجنة علي تجربتهم الإبداعية متكاملة لتحدد ما إذا كان الفنان يستحق العرض في تلك الدورة الاستثنائية، حتي لو كان في بداية مشواره الفني .. نستطيع أن نستكشف إذا ما كان لدي هذا الفنان طاقة ليصبح أحد المحركين للحركة الفنية خلال العشرين أو الخمسة والعشرين عاما القادمة. كذلك فإن التفكير "خارج الصندوق" يعني التطلع خارج الأطر المتعارف عليها، فالصالون كان محركا أساسيا لحركة الفن التشكيلي طوال ربع قرن ، وهناك العديد من الفنانين الشباب وكذلك من المخضرمين ممن ارتكنوا علي تجربة واحدة، معتمدين علي اسمهم وأسلوبهم دون تغيير لفترة طويلة، فإذا بالصالون يضعهم في مغامرة ومحك قوي. فهناك حركة تأثير وتأثر دائمة بين الأجيال الفنية، فالجيل الأكبر يمد الشباب بخبراته، في حين يفاجئهم جيل الشباب بطرق التفكير الجديدة وهذا الحالة من الجدل مفيدة جدا للحركة التشكيلية ، وقد استطاع جيل التسعينيات وما تلاه من أبناء الصالون أن يؤسسوا لملامح مناخات فنية تواكب التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواكبة لقفزات تكنولوجية ومعلوماتية أربكت أصحاب الأفكار المحافظة بميولهم التراثية التقليدية البحتة، حتي أنها جنحت ببعض هؤلاء خارج المشهد إما للأبد أو لفترات، إلا أن صالون الشباب وما أتاحه من أجواء تنافسية بين أجيال متطلعة بطبيعتها للمستقبل وللتحرر وللتغيير، حقق هذا التوازن عند أجيال متعاقبة فجاءت تجاربهم الطليعية متحررة من الانساق البنائية للجمالية التقليدية للعمل الفني، حملت ملامح جديدة لأسلوبية جديدة تعكس وعياً بمتغيرات المشهد التشكيلي الذي تشكل في ظل الثورات التكنولوجية والمعلوماتية وثورة الاتصالات والرقمية وثورة الميديا الجديدة .. ولكن ما الجديد الذي قدمه صالون هذا العام ؟ لأول مرة في تاريخ الصالون يتم العرض في سبعة مواقع مختلفة من أجل إتاحة مساحة عرض مناسبة لكل فنان ليقدم نفسه للجمهور بالشكل اللائق وهي قصر الفنون، وقاعة الباب، وساحة متحف الفن المصري الحديث، ومركز سينما الجزيرة وهي داخل ساحة دار الأوبرا، بالإضافة إلي قاعة نهضة مصر وقاعة إيزيس والحديقة الثقافية بمركز محمود مختار الثقافي. وقد حرصنا علي أن تكون المساحة المخصصة لكل فنان أكبر هذا العام حتي يقدم تجربته متكاملة، فخصصنا له مساحة تكفي لتقديم ما يصل لعشرة أعمال ، بحيث يقدم فكرة شاملة عن طريقه تفكيره ومنهجه التقني والجمالي. كما أولينا الاهتمام بالمحافظات المحرومة من الخدمات الثقافية من خلال مشروع الورش الفنية تواصل 25 صالون خارج المركز ، فالحقيقة أن لدي هذه المحافظات طاقات إبداعية شديدة الخصوصية علينا أن ندعمها ، وسوف يخصص لنتاج هذه الورش عروض بعد الصالون لعرض التجربة متكاملة، كما سنقوم من خلال هذه الأنشطة بتعريف الجمهور بأنشطة القطاع كالمعرض العام وصالون الشباب والبينالي. معظم الجوائز اتجهت هذا العام للفنون الحداثية مثل البيرفورمانس والتجهيز في الفراغ والفيديو في حين تراجعت بشكل كبير الفنون التقليدية كالتصوير والنحت، فهل يعكس هذا تغيرا في توجه الصالون ؟؟ الجوائز تعكس رؤية لجنة تحكيم، وربما كان القطاع هو من يختار لجنة التحكيم لكنه لا يتدخل بأي شكل من الأشكال في اختيارات أعضائها أو توجهاتهم، ونحن نختار اللجنة بحيث تضم فنانين لهم تجربتهم الإبداعية ولهم وجود في الحركة التشكيلية ويمثلون اتجاهات فنية وفكرية مختلفة، ولكن اختيارتهم لا تعكس بالضرورة توجها عاما للقطاع . ثانيا، لا يمكن إنكار أن فنون ما بعد الحداثة، خصوصا في القرن الواحد والعشرين أصبحت تتجه أكثر للفنون التفاعلية، ولكن ذلك لا يعني أنها ستتصدر المشهد لأن هناك عودة للواقعية الجديدة وهناك مزج للأساليب حتي فنون ما بعد الحداثة تمزج الطرز القديمة والحديثة. وأحب هنا أن أشير إلي أمر مهم وهو أن بعض الشباب في الماضي كانوا يتصورون أن الجوائز تعكس توجها عاما لفكر الصالون فكانوا يعدون أعمالهم للعام التالي علي هذا الأساس، ولكنني أعتقد أن الشباب أصبح لديهم وعي أن الجوائز لا تعني توجها، كما أن الجوائز لا تعني أن هذه الأعمال هي الأفضل بين المعروض، فربما كان هناك أعمال رائعة ولكنها لم تحصل علي جوائز .. ويبقي أن ما نضعه نصب أعيننا هو زخم العرض، وأن يقدم الصالون فنانين من اتجاهات مختلفة، يعرضون أعمالهم من خلال وسائط تعبيرية وتقنيات متنوعة، بخلاف فتح الباب أمام الفنانين الجدد الذين يعرضون أعمالهم لأول مرة. ولكن هل تري أن حجب الجائزة الكبري هذا العام هو أمر في صالح الصالون أم ضده؟ بالطبع هو أمر في صالح الصالون، ويعني أن الجائزة الكبري تمنح فقط لمن يستحقها. هذا ينقلنا لفكرة رفض الأعمال ، لماذا لا يتم تسبيب الرفض ؟ من الصعب جدا تقديم أسباب لرفض كل هذا الكم من الأعمال، والرفض يحمل في مضمونه أن العمل الفني لا يصلح للعرض، كما أن مخاطبة كل المرفوضين سيشكل عبئا كبيرا جدا علي اللجنة وعلي القطاع لكن يمكن تبرير أسباب منح الجوائز.. وهنا أنوه أن المسئول عن اختيار الأعمال هي لجنة الفرز التي يختارها القومسير لأنه يقدم الرؤية الشاملة للعرض، ثم بعد ذلك يتحول الأمر برمته إلي لجنة التحكيم التي تختار دون ولاية أو توجيه من أحد. هناك عدد من نجوم الصالون ممن اختفوا عن الساحة التشكيلية مثل طارق المشد الفائز بجائزة التصوير في أولي دورات الصالون ، وغيرهم ؟؟ فأين ذهب هؤلاء الفنانون؟ بالفعل هناك العديد من الفنانين الذين اختفوا، ربما لأن بعضهم اتجه للعمل التجاري وابتعد عن الفن، أو ربما لأن بعضهم شعر بالإحباط لعدم وجود الدعم اللازم، وهنا يأتي دور المهتمين بالفن التشكيلي وعلي رأسهم القطاع للقيام بدراسات يشارك فيها الباحثون والنقاد لتتبع مسار الفنانين الذين اختفوا . ولذا أنا أعتبر هذه الدورة دورة كاشفة لدراسة واقع الصالون ودراسة وواقع الحركة التشكيلية علي مدار 25 سنة، وسوف يقوم القطاع بحصر الفنانين الذين اختفوا، ثم نبدأ بالتواصل معهم، للتعرف علي المشكلات التي واجهوها،وسوف نحاول غرسهم مرة أخري في الحركة التشكيلية لمن لديه الرغبة في ذلك وأيضا القدرة علي الإبداع. لماذا توقفت موسوعة حصاد الصالون التوثيقية ولم يتم استكمال هذا المشروع منذ الدورة الخامسة عشرة؟ لا يمكن إنكار أن الموسوعة تعتبر من المشروعات المهمة التي توقفت والتي يجب استكمالها، فقد توقفت بعد صدور ثلاثة أجزاء حيث أشرف علي إصدار الجزء الأول الناقد صبحي الشاروني ثم الثاني والثالث الناقد محمد حمزة، وهو ما يعكس خللا في التنظيم، فوفاة شخص لا يجب أن يتبعها توقف مشروع مهم ، وأنا أري أنه لابد من القيام بدراسة توثيقية للصالون خلال العشر السنوات الماضية، واستكمال الموسوعة في الفترة القادمة إن شاء الله. بالرغم من تطور الصالون واتساع مجالاته الفنية ، إلا أنه حتي الآن ليس هناك مساحة لفن مهم مثل فن الكاريكاتير في صالون الشباب ؟ الحقيقة أن فن الكاريكاتير بحاجة لمساحة علي خريطة الصالون، ولا يمكن إنكار أنه فن مهم ، وقد أقمنا لأول مرة خلال هذا العام الملتقي دولي للكاريكاتير في قصر الفنون ، وربما يتيح تواجد فن الكاريكاتير داخل قاعات العرض الرسمية فرصة لإعادة النظر في لائحة الصالون لإضافة فن الكاريكاتير في الدورات القادمة. في عدد من دورات الصالون ظهرت مشاركات عربية كضيوف شرف بل ووصلت أحيانا لمنحهم جوائز كما حدث عام 2003 ، فلماذا توقف هذا الأمر، وهل يفتح صالون الشباب أبوابه للمشاركات العربية والخارجية؟ من الممكن أن نستضيف مشاركات محدودة بحيث يكون هناك ضيوف شرف في دورة ، إلا أن فكرة وجود مشاركات عربية وأجنبية موسعة هو أمر غير مطروح لأننا برغم تخصيص سبعة مواقع للعرض كانت هناك مشكلة مساحة، ولا يمكن تفتيت الصالون في قاعات عرض أكثر من ذلك ، لأن هذا يؤثر علي المشاهدة ، فمن يزور قاعة أو اثنتين لن يزور باقي القاعات . ولكن بالطبع فكرة وجود ضيوف شرف هي فكرة مطروحة لربط جسور التواصل بين الشباب في جميع أنحاء العالم .