تبعث بخصلات شعرها الثائرة كنفسها إلي الوراء ناظره إلي المرآة في خوف من ظلال وجهها الشاحب، تبحث بين ثنايا عقلها عن معني أخير لبقائها معه.. دائمة الانسياق خلف عقلها المتشرب بآراء ليست لها، حائرة النفس لاتدري هل ينتهي بها هكذا المطاف. ترقب نفسها في المرآة.. تقترب أكثر، وجهها لم تتراكم عليه تلك الخطوط المخيفة بعد ولكن لماذا يبدو وكأنه سبق عمرها. تكتم أنفاسها رائحة ذبوله، في ضيق تحاول تجاهلها، »أجمل شيء فيك عيناك«، تبتسم لتلك الكلمات المارة بخاطرها في ذلك الوقت لتمعن في تجريحها، لماذا لم تعد عيناها بنفس ذلك البريق؟ وعادت تنفض السؤال عنها.. ابتعدت عن مرآتها تلك الكاشفة لحقيقتها العارية. أقسمت يوما أنها لن تفترق عنه، كاتصال الروح بالجسد كان حبهم ميلادا جديدا لكليهما، صعاب كثيرة تلك التي واجهتها. وجوه كثيرة عارضتها.. لم تعد تذكرها، كل مانذكره هي رغبتها في أن تهبه عمرها ومحاولتها الجسورة للارتحال عن عالمهم لتعيش معه بعالم آخر لايعرف قيودهم ولا يؤمن بأفكارهم لم تخش يوما تحذيرهم أوذلك المستقبل الذي ينتظرها معه لم تأبه لشيء. عشر سنوات من نسيم عمرها مرت وهي تتجاهل ذلك المصير الذي قادت نفسهاإليه وذلك الندم الذي بدأ يداهم بقاءها معه دون أن تبوح به أو تنوح بأمومتها المبتورة داخلها بأمرها. اقترب ذلك الازيز الخفيف من مسمعها.. اقترب أكثر وأكثر نعم هوالآن الي جوار قدمها وأنفاسه تتردد كصدي صوت بعيد عن نفسها. حاولت أن تبدو أقوي لتواجهه، استدارت لتقابل نظراته المتأملة لها وهاتين العجلتين اللتين حفرتا أثارهما واضحة علي كفيه، جثت علي ركبتيها ووضعت يدها علي مقبض ذلك الكرسي ربما لتلغي تلك المسافة بينهما أوربما لتشعر أنه يسمعها بعد أن اختنق صوتها داخلها وخذلها فأبي الخروج. امتدت أصابعه في رقة لتخط بعض الخطوط الحانية علي وجهها الذي طالما أحبه واحتضنه بين راحتيه المتعبتين ، تغلغل برأسه بين ثنايا قلبها ربما ليحتل مكانا أكبر مما تتيحه هي له مرتكزا علي ذلك الاضطراب الذي يتجسد بعينيها وانفاسها المتلاحقة. تجمعت تلك الثورة بداخلها في قبضتها وودت لو أن تحطم ذلك الكرسي الحائل بينهما كشبح بغيض يعتصر عمرها وبضغطه ولايتركه إلا وقد ذبل وتسرب من بين يديها كذرات رماد. لانت قبضتها وتركتها تتغلغل بين خصلات شعره كطفل شريد يبحث عن أمان لايجده، بدأت دموعها تطفيء بعضا من ثورتها. ارتشف دموعها بدموعه وكأنه يحس مايعتمل بداخلها ويخشي صراعها كما يخشي قرارا لن يلومها عليه لو كانت اتخذته ربما لأنها يوما منحته قلبها كنزا ذهبيا أولانها وهبته أجمل سنوات عمره دموعه كافيه لقبع ثورتها وإخمادها ليتعالي صوت قلبها يعلنه رفيق دربها وطفلها وعمرها انطفأ غضبها وجفت دمعتها وعادت تضم رأسه لقلبها أكثر في استغفار لذنب لن يولد.