منذ أكثر من عقد، كانت الكاتبة الأفروأمريكية الشابة شيماناندا نجوزي أديشي تكافح لنشر روايتها الأولي "الكركديه الأرجواني"، إلا أن وكيلها الأدبي أكد لها أن الأمور كان يمكن أن تصبح أفضل لو كانت هندية الأصل، فالأدباء الهنود وقتها كانوا في حالة رواج، إلا أن أديشي لم تأخذ الأمر علي أنه نقد لعملها، بل نوع من الجبن في عالم النشر حين يتعلق الأمر بكاتب غير معروف، أو ثقافات غير مألوفة، والأفريقية منها علي وجه الخصوص، فغيرت إقامتها إلي أمريكا. الآن، لا يمكن تلقي هذا النوع من التراجع من جانب دور النشر، خاصةً أن الأدباء السود من ذوي الأصول الأفريقية ورغم نشأتهم في مكان آخر ومعظمهم من الشباب متعدد الأعراق، يكتبون باللغة الإنجليزية وأصبحت لهم بصمة واضحة في عالم الكتاب خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتتضمنهم قوائم أعلي الكتب مبيعا، وتحشد من أجلهم كتابات نقدية رفيعة المستوي، ويحصدون الجوائز الكبري في أمريكا وبريطانيا. أديشي- 36 سنة- أصبحت الآن كاتبة رواية شهيرة، حصلت روايتها " أمريكانا" علي جائزة دائرة النقاد الوطنية للأدب العام الحالي، وهي عضو بارز ضمن مجموعة من الأدباء الواعدين ذوي الأصول الأفريقية الذين يتزايد عددهم باستمرار، ومنهم: ديناو منجستو، هيلين أويويمي، نوفيوليت بولاوايو، تيجو كول، يون أدهيامبو أوراند سيلاسي، من بين آخرين. في هذا السياق، يفسر الأدباء والناشرون والدارسون المتخصصون في الأدب هذا الظهور الأفريقي القوي في السنوات الأخيرة بأنه جاء بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والإجتماعية، والتغييرات الإيجابية في العديد من الدول الأفريقية، ما ساعد علي التوسع الكبير في عدد الأدباء والقراء، بالإضافة لظهور الجوائز الأحدث مثل جائزة "كين للكتابة الأفريقية"، كذلك تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت وغيرها، وورش العمل التي تقام بمشاركة أدباء من ذوي الأصول الأفريقية. تقول أمانتا نورما، مؤلفة رواية "الرجل الأجير" الصادرة في 2013، وتدور أحداثها في كرواتيا، "لقد تعود الناس علي توجيه سؤال: أين كان الأدباء الأفارقة؟ كانوا ينظفون المكاتب ويعملون كتبة وبائعين"، وتضيف: بعض الكتاب والنقاد يسخرون من فكرة الخلط بين الأدباء المتنوعين مع ربطهم بالقارات المتعددة، إلا أن آخرين يقولون إن هذه الموجة تمثل شيئا جديدا من حيث حجمها الهائل بعد فترة طويلة من البوار، وكانت هناك بعض الإستثناءات الملحوظة، مثل فوز وول سونيكا بجائزة نوبل سنة 1986، وبن أوكري بجائزة البوكر 1991، اختلافا عن موجة ما بعد الاستعمار التي بدأت تقريبا خلال فترة الستينيات في القرن الماضي، والتي جلبت شهرة عالمية لكتاب من أمثال شينوا أشيبي، ونور الدين فرح. لكن بالإضافة لذلك، فالكثير من الكتاب تدور أحداث رواياتهم في أفريقيا، وتعكس تجربتهم في الحياة والدراسة والعمل في مكان آخر، وتعتبر مرجعا ثقافيا في إطار مقبول للجمهور الأوروبي، مثل رواية أديشي "أمريكانا"، التي تسجل وقائع حياة "ليفملو" وحبيبها "بينز" اللذين دفعتهما روح المغامرة إلي مغادرة نيجيريا إلي أمريكا وإنجلترا، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية كتبت "ليفملو" علي البلوج خواطر لاقت شعبية كبيرة حول تنشئتها في مناخ من التفرقة العنصرية، وأنها وجدت الحب لدي الرجال الأمريكان، سواء كانوا من البيض أو السود، وحين عادت إلي نيجيريا أطلق صديقها عليها اسم "أمريكانا" بدافع الغيظ بسبب موقفها المتأمرك. أديشي التي تقسم وقتها بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةونيجيريا، تدير ورشة عمل للكتابة خلال الصيف في لاجوس، ولها حتي الآن ثلاث روايات لاقت رواجا جيدا، علاوة علي مجموعة قصصية، وبالإضافة إلي حصولها علي عديد من الجوائز، يتم الإعداد حاليا لفيلم مأخوذ عن روايتها "نصف شمس صفراء" يدور حول حرب بيافرا، كما أعدت المطربة بيونسية أغنية مستوحاة من عدة سطور من محاضرة ألقتها أديشي حول حقوق المرأة، وتطرح في الأسواق في ديسمبر القادم، وكان نجاحها دافعاً لاهتمام النقاد والقراء بالبحث عن أدباء أفارقة موهوبين. فيما أكد مانثيا ديادرا، أستاذ الأدب المقارن والسينما بجامعة نيويورك، أن ازدهار الأدباء الأفارقة الجدد ظاهرة مدهشة، فهو أدب يميل أكثر نحو المواطنة العالمية، والذهاب إلي أوروبا ثم العودة إلي لاجوس، الآن نحن نتحدث عن ارتباط الغرب بأفريقيا، وإتاحة الفرصة للأدباء لخلق عوالمهم الخاصة، فلديهم العديد من الهويات كما يتحدثون عدة لغات. حول كل تلك المواضيع المختلفة وأنماط الكتابة المتباينة، يشرح الروائي ديناو منجستو وجهة نظره، قائلا:" هناك تحقيق يجري حول ما يحدث باعتباره خلعاً للروح". ومنجستو(36 سنة) صاحب رواية "كل أسمائنا" حاصل علي جائزة ماك أرثر عن "العبقرية" وهو مولود في أثيوبيا، ورحل عنها وعمره عامان فقط ويعيش في إيلينوز. أما الروائي أوكي نديب(54 سنة) فيقول: تتشكل رواياتي غالباً من حياة الناس في نيجيريا، إلا أن الشكل العام لها مكتوب بصياغه أمريكية" ، وروايته الثانية "شركة آلهة غريبة" تدور حول رجل متعلم من نيجيريا يحتال لكسب لقمة العيش كسائق تاكسي. نديب الذي قدم لأمريكا سنة 1988 يتحدث كما لو أن قدوم أحد من مكان حيث اللون الأسود سائد شيء طبيعي، وأصبح مفتونا بالأمريكان السود: "حياة بطل روايتي في أمريكا لا تقل أهمية عن حياته في نيجيريا، إن لم تزد عنها". جوناث جالاسي، ناشر فارار وشتراوس وجيتروس يعترف أن هناك وعياً عالمياً ومزيداً من الترحيب والاهتمام في هذا البلد، وكان ذلك اكثر صعوبة بالنسبة للأجيال السابقة، وأعرف أن إقتحام سوق النشر ليس سهلا للجميع، بعض المتخصصين في عالم الكتاب يقولون إن الكثير من الناشرين في مجال الأدب يفضلون أعمال أدباء أفريقيا أكثر من أعمال أدباء أمريكيين من أصل أفريقي، لأن في المناخ الحالي يعتبر الأفريقيون هم الأكثر جاذبية والنظر اليهم باعتبارهم "ثقبا أسود".