وسقط صرح آخر من صروح الآثار الإسلامية ورمز من رموز حضارة امتزجت بالفن المصري لتصنع شيئا بديعا مميزا يخص مصر دون اي بلد آخر، احترق المسجد العمري في قرية "هو" بنجح حمادي .. لتفضح النيران حقيقة أن أثار الصعيد كلها في خطر .. لتشد ألسنة اللهب الضارية أبصارنا إلي هناك حيث التعديات والهدم ومحاولات الاستيلاء علي آثار تلك المنطقة التي تكاد تندثر ..التهمت النيران منبر الجامع العمري الذي سمي بالعتيق والذي لا يقدر بثمن، ذهبت التحفة الفنية والزخارف البديعة إلي غير رجعة، لا يهم ان كان السبب ماس كهربائي أو أي شيء آخر.. المهم ان من يقع علي عاتقه الجزء الأكبر من الجرم حر طليق .. الفاعل ليس فقط مجموعة من العاملين أهملوا اطفاء مروحة سقف لتقضي خطيئتهم تلك علي أثر من أندر الآثار الإسلامية.. فلطالما بقيت آثار الصعيد بأكمله بعيدا عن اعين الجالسين في المكاتب المكيفة بالقاهرة يديرون عمليات الترميم التي أتلفت نصف أثار مصر بدلا من ترميمها والتهمت ثروة وزارة كان يمكن أن تكون أغني وزارات مصر وصاحبة المساهمة الأكبر في دخلها القومي، احترق المسجد العمري ولحق بالمسافر خان وغيرهما من الآثار الحاملة لسمات عبقرية المكان والزمان .. بصعوبة شديدة تمكنا من التحدث مع مصدر من قنا رفض بشدة مجرد الإشارة إليه سوي بكلمة مصدر خشية بطش الوزير.. فجر المفاجاة ..المسجد لن يعود ..المسجد انتهي أثريا تماما بتدمير الحريق لعناصره الخشبية باستثناء مئذنته ! واضاف المصدر أن كارثة آثار قنا ان مدير الاثار يدير شركة للسياحة يعطيها كل وقته مؤكدا ان بعض العاملين بالأثار لم يزوروا المسجد العمري من اصله ولم يعرفوه إلا بعد الحريق، وأضاف اثار قنا تعاني من الإهمال الشديد الوزارة نفسها لم تهتم بمتابعتها ومعرفة مايحدث فيها والمفتشين لا يفتشون عليها والا يمكن اعتبار أن الحريق تم بدون فعل فاعل فالفاعل هو الإهمال. لم يذهب وزير الآثار إلا بعد مرور أربعة ايام من الحريق، الإثنين الماضي 8 أغسطس تفقد الوزير بعض أثار قنا ومن بينها المسجد العمري العتيق ..اكتشف ان العاملين لا يذهبون إلي عملهم وان الأسلاك الكهربائية مثبتة بمسامير في الحوائط الأثرية بقصر الأمير يوسف كمال بما يمكن ان يسبب كارثة جديدة فعاقبهم بالخصم يومين من رواتبهم ولم يقصر في التوبيخ وربما جازي مديرهم بالخصم خمسة عشرة يوما من راتبه !، التحقيقات الأولية وفقا لتصريحات محافظ قنا اللواء عبد الحميد الهجان تؤكد اندلاع الحريق بسبب ماس كهربائي والآثار تلقي باللوم علي الأوقاف،بينما الأوقاف تلقي باللوم علي الآثار في اي حادث يقع في المنطقة المشتركة بين الوزارتين والتي تكون ضحيتها دائما مساجد مصر الأثرية حيث يتعدد المسؤولون ويتفرق دم الأثر بين القبائل أما الكارثة الأكبر فتكون في التعامل مع اثر مماثل بعد ان تقع كارثة الحريق خاصة وان رجال الحماية المدنية لا يفرقون بين الطوب اللبن "الني" وبين الحجر فالنار عندهم ليس لها إلا الخراطيم التي ستدمر دون شك الطوب اللبن وستقضي علي البقية الباقية من الأثر. لن نتعجب إذن إذا ما علمنا ان زيارة الوزير لقنا لتفقد المسجد تضمنت زيارة لقصر البرنس يوسف كمال، وذلك بعد صدور تقرير من المقدم مصطفي عبدالهادي، من هيئة الرقابة الإدارية بقنا، يفيد رصد حالات الإهمال بالقصر، وأنه تم التنويه علي المسؤولين بمنطقة آثار نجع حمادي، لمتابعة أعمال النظافة، والإهتمام بتلك المناطق الآثرية، والتي تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي للدولة، المفاجاة الكبري ان تقرير عبد الهادي لم يكن الأول من نوعه فالإهمال في اثار تلك المنطقة والتعديات ظلت علي مدي عقود تقلص من عدد الاثار في تلك المنطقة لدرجة ان حكومة هشام قنديل حاولت نقل ملكية قصر الملك فاروق الأثري لوزارة الزراعة ومازالت التعديات علي قصر مكرم عبيد مستمرة وهناك تاكيدات بافتعال حريق في قصر البرنس يوسف كمال للتغطية علي سرقات ظهرت قطعها في تركيا ونفت الوزارة ذلك وقالت انها قطع شبيهة! الدكتور حجاجي ابراهيم الذي عمل مفتشا للأثار في تلك المنطقة عام 1976 يؤكد كل ذلك الإهمال ومحاولاته عندما كان عضوا في اللجنة الدائمة للأثار لتصحيح تلك الأوضاع مؤكدا أنه اعترض بشدة علي نقل ملكية قصر الملك فاروق أما قصر مكرم باشا عبيد فقد تم كسر جزء منه بفعل فاعل ثم تم إحراق جزء آخر وتم بعد ذلك فتح مواسير مياه في محاولة لإغراقه وذلك لتدمير القصر نهائيا لاستغلاله في اشياء أخري ويضيف حجاجي أنه حذر مرارا من كارثة وشيكة في تلك المنطقة وأرسل بذلك لمصطفي امين الأمين العام، مؤكدا ان الإهمال تسبب في الحريق الذي المنبر النادر وكرسي المصحف بينما اكملت خراطيم المياه علي المبني لأن جزء منه من الطوب اللبن وهو ماكان ينبغي أن يكون معلوما عند التعامل مع الحريق ويطالب حجاجي بمراجعة توقيعات العاملين في الدفاتر ومطابقة الخطوط مؤكدا ان احدا لا يذهب إلي عمله وان العاملين يوقعون لبعضهم وربما يكون هناك مسافر خارج مصر ويوقع له زملاؤه بالحضور، مؤكدا انه اول من وجه استغاثة للمحافظة علي آثار قنا وبحث مشاكل العاملين هناك وحلها لضمان تقديمهم أفضل مالديهم للحفاظ علي تلك الأثار النادرة..ويطرح حجاجي سؤالا مخيفا بقوله ..هل تمت سرقة منبر وكرسي مصحف الجامع العمري العتيق مثل المنابر التي سرقت من قبل من المساجد الأثرية ثم تم إحراق المسجد للتغطية علي السرقة ؟ الدكتور محمد حمزة أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الأثار جامعة القاهرة: يؤكد علي قيمة المنبر وكرسي المصحف وباقي العتاصر الأثرية في المسجد العمري موضحا أن الطراز الإسلامي الموجود في الصعيد هو واحد من طرازين معماريين ثانيهما في الوجه البحري إنبثقا عن طراز القاهرة الإسلامي الذي يعتبر الطراز الأم مؤكدا أن بعض أثار الصعيد لا يوجد لها نظير في القاهرة ومن ذلك البناء بالطوب المنجور الملون في البناء وتتخلله أحيانا الميدة الخشبية للتقوية وتنوع انماط المآذن والقباب والمداخل تنوعا يثير الإعجاب وموضحا أن تلك الاثار ضحية الصراعات بين الآثار والأوقاف والمحليات بما يعوق مساءلة من يتسبب في تخريبها مطالبا بتبعية المساجد لجهة واحدة هي الاثار ليمكن مساءلة المقصرين، ويوضح حمزة أن المسجد العمري بقنا هو واحد من عدد كبير من المساجد سميت بهذا الإسم نسبة إلي الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي أصدر أوامره بإنشاء المساجد الجامعة في كل مدينة من مدن الأمصار ومن تلك المساجد الجامع العمري في اصفون والجامع العمري بقوص والجامع العمري ب"هو" بنجع حمادي ويؤكد حمزة ان الجامع العمري يعكس كل خصائص ظراز الصعيد ويتبع الطراز العربي التقليدي المستخدم في تخطيط مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة مؤكدا ان الجامع العمري بقوص به اقدم المنابر ويقارن بنفس الفترة المنبر الموجود في سانت كاترين بينما يرجع تاريخ المنبر الذي احترق في الجامع العمري العتيق ب"هو" إلي القرن 12 الهجري الذي يوافق القرن 18 الميلادي، ويعكس استمرار الطراز المصري في صناعة المنابر في العصر العثماني وهو من المنابر النادرة بالنسبة للمنابر الأثرية الإسلامية الباقية في مصر بصفة عامة وفي الصعيد بصفة خاصة مؤكدا ان مايحدث من اهمال هو استمرار لمسلسل القضاء علي الاثار ويوجه حمزة كلمته للرئيس عبد الفتاح السيسي مطالبا بمشروع قومي لإنقاذ أثار مصر التي تمثل ثروتها الحقيقية الموجودة بالفعل مؤكدا أن كل ما تحتاجه اثارنا هو الصيانة لاستثمارها سياحيا علي الوجه الأمثل.