تعتبر مانجشري ثابا، إحدي أشهر كاتبات نيبال في اللحظة الراهنة، والتي تقيم في كندا حيث قضت معظم سنوات حياتها، مرآة معبرة عن الثقافة النيبالية المفعمة بالحياة. تقول إنها ثقافة تؤوي أكثر من 100 لغة وتقاليد شفهية شديدة الثراء. تنتمي ثابا إلي جيل التسعينيات الذي شهد الإطاحة بالملكية النيبالية ومحاولة تحويل الدولة إلي دولة ديمقراطية، لذلك ف ثابا لديها الكثير والكثير لتحكيه. وفي رأيها قد يكون هذا السبب الرئيسي الذي دفعها للكتابة. كيف بدأ اهتمامك بالكتابة؟ -المثير للضحك أن الكتابة لم تكن حبي الأول. عندما كنت أصغر سناً، أردت أن أكون رسامة، وغيرت رأيي واتجهت إلي التصوير. الفنون المرئية كانت مجال دراستي الجامعية بالولايات المتحدةالأمريكية. ولكن، عندما عدت إلي نيبال بعد الجامعة في التسعينيات، كانت الدولة تمر بتغيرات كثيرة. بدأت حركة ديمقراطية كبيرة بالظهور عام 1990 وعلي أثرها تحولنا من حكم ملكي إلي ديمقراطي. حياة الشعب تغيرت إلي حد كبير. آنذاك قررت أن التصوير لن يكون الخيار الأفضل للتفاعل مع هذه الحركة وتجسيدها. كان هذا هو الحافز لكي أبدأ بوضع قلمي علي الورق. كتبت كتابي الأول بعد إتمامي 24 عاماً واستمررت بالكتابة منذ ذلك الحين. كتاباتك مزيج من الخيال والواقع، أتفضلين أحدهما؟ -بالنسبة لي، كلا التيارين يحققان أهدافاً مختلفة، وهذا حقيقي في مجتمع كمجتمعي يمر بتغيرات سريعة واضطرابات سياسية بعد الديمقراطية 1990. كتاباتي الواقعية كانت الطريقة الأمثل لتوثيق ذلك، وهي مُرضية للغاية لنزعاتي التوثيقية. ولكن إن اضطررت للاختيار، سأختار الكتابة الخيالية، لأنها عملية أكثر عاطفية ولا شعورية. وككاتبة علي البحث بداخلي لأعرف ما يهمني بالدرجة الكافية لأرغب في الكتابة عنه. إنها عملية أشبه بعملية نفسية عميقة، فكل عمل أدبي يتطلب مني فترة تتراوح بين ثلاث وأربع أعوام من البحث والكتابة. عملية تعتمد علي الحدس بصفة كبيرة، حيث أنني بمرور الوقت أتعرف علي شخصياتي الخيالية تلك لتصبح أصدقائي. وما الذي يلهمك في الكتابة؟ وكيف تختارين ما ستكتبينه؟ -كوني جزءاً من بلد مثل نيبال، حيث الكثير من الأحداث، يبدو الأمر وكأنه هدية لي ككاتبة، فمادة الكتابة في كل مكان وفي متناول اليد، هنا يكمن التحدي في اختيار أي القصص لأحكيها. بالنسبة لي يعتمد الأمر علي إلتزامي، فكل قصة أكتبها تستغرق مني ثلاثة أو أربعة أعوام. وعلي أن أسأل نفسي: هل سأتمكن من الالتزام بهذه القصة أم لا؟ وما القصة التي تهمني للدرجة الكافية لأعيش فيها كل هذا الوقت وأي الشخصيات ستستحوذ علي إنتباهي. أما بالنسبة للفكرة، فلا أشرد كثيراً. غالباً ما تدور قصصي عن البحث عن الحرية: شخصية، عامة وسياسية. هذه فكرة شخصية للغاية وتعكس بحثي الناجح عن القدرة أو القوة علي ممارسة تفردي. أنا أعي أنه إن لم تُتح الفرصة لعائلتي لمغادرة نيبال وإرسالي للدراسة بالخارج، ربما لم أكن لأتمكن من ممارسة حريتي كما أفعل الآن. خلال فترة دراستي الجامعية، أصبحت متأمركة للغاية. تغير وعيي تماماً، حتي أنها جعلت مني نسوية، شخصية تقدر حريتها فعلاً. ومن ثم عدت للنيبال كامرأة بالغة ووجدت أنه من الصعب التأقلم علي مكان القواعد فيه تقوم علي التفرقة علي أساس الجنس والحالة الإجتماعية. فهناك دائماً تسلسل طبقي، أحدهم ينتمي لطبقة عليا بينما الآخر ينتمي لطبقة فقيرة، بذلك لم أستطع التأقلم يوماً. لذلك فقضية الحرية قضية شخصية وهامة، كما هي قضية الشعب النيبالي كذلك. أي شخصية من شخصيات كتبك ترغبين في مقابلتها؟ لماذا؟ - في روايتي الأخيرة "مواسم الطيران" كانت هناك الشخصية التي تفوز باليانصيب الأمريكي لتأشيرات البطاقة الخضراء. عندما كتبت تلك الرواية، كنت أرغب في الكتابة عن امرأة لا تفهم نفسها علي الإطلاق، امرأة محبوسة خارج مشاعرها، لا تدرك ما الذي تريده، ولذلك تصبح لغزاً، لنفسها ولي وللقارئ. أود أن أمضي بعض الوقت مع هذه الشخصية لأنني أريد أن أراها كيف تكافح لتفهم ما الذي تمر به، وربما أتمكن من مساعدتها. هذا سيكون مثيراً للاهتمام أكثر من مقابلتي لشخص تمكن بالفعل من التعبير عن خبراته ومشاعره بوضوح. أي كتاب وأي مؤلف كان له النصيب الأكبر في تشكيل حياتك وأفكارك؟ - الكاتبة التي أثرت فيّ بحق هي فيرجينيا وولف. ما كان مميزاً فيها هي قدرتها اللغوية وقدرتها علي تحويل الكلمات إلي تعبيرات نفسية وليست مجرد أداة للتواصل. أما الكتاب الذي أعود له باستمرار فهو "السيدة دالواي". ففيه الحياة الخاصة القوية، لكنها المتخفية خلف الإطار الأكبر للحرب العالمية الأولي. هكذا تصهر الجانبين الشخصي والسياسي معاًن وقد تأثرت كتاباتي بها بشكل كبير. أما بالنسبة لحياتي، فالفن كان له الدور الأكبر في تشكيلها. لقد انغمست في الفنون فعلاً أثناء حياتي بالولايات المتحدةالأمريكية، وكان ذلك هو الوقت الذي انفصلت فيه عن الثقافة النيبالية، وأعتبر الفنانين البوهيميين أمثال أندي وارهول من ذوي التأثير الكبير. ما رأيك في كتابات نساء جنوب اسيا؟ ثمة انقسام ما بين الكُتاب الذين يكتبون بالإنجليزية والذين يكتبون بلغات أخري، التي يطلق عليها في الهند "باهاسا". والمزيد من النساء يكتبن بالإنجليزية. لكنني لازلت أري أن البيئة لازالت عدائية تجاههن، ولا أراهن ينلن نفس التشجيع الذي يناله الرجال. هذا ينطبق بالذات علي الكتابة الواقعية والتي لازالت تعد مجالاً يكتسحه الرجال في جنوب اسيا. كيف ترين دورك في المشهد الثقافي بنيبال؟ أولاً، ككاتبة روائية، أي تأثير لي سيكون تغيير وعي الناس، كل كتاب يقرأه الشخص له القدرة علي جعله أكثر وعياً، كما قد يدفعه إلي التعاطف مع الآخرين، لأن الخيال يستطيع أن ينتزعك من حياتك الخاصة. كقارئ، كل ما يهم هو معرفة كيف تشعر هذه الشخصيات حتي وإن لم تكن تشبهك. الأب كذلك لديه القدرة علي الوصول لأكبر عدد من الناس لأنه ليس تعليمياً بشكل صارخ. ولأنني أكتب بالإنجليزية، فقد تمكنت من الوصل بين النيباليين في نيبال ممن لديهم شعور بالإنتماء، والنيباليين بالخارج الذين قد ربما لا يتحدثون اللغة الاصلية أصلاً، كذلك يسمح لي ذلك بالوصول إلي قراء اللغة الإنجليزية جميعاً. ما أعلي نقطة مررتِ بها برحلتك حتي الآن؟ -بالتأكيد ذلك الشعور الذي شعرت به عند إنهائي روايتي الأولي. فعندما بدأت بكتابة روايتي الأولي "أستاذ التاريخ"، كنت أخوض في مياه مجهولة. كانت قصة كبيرة بموضوع هائل وشخصيات عديدة. لم تكن لدي فكرة إن كنت أملك الموهبة المطلوبة لكتابتها، لذلك عندما انتهيت من المسودة الأولي شعرت بالنشوة. ثاني أفضل لحظة بالنسبة لي عندما قُبلت للنشر في بينجوين، علي كل حال، ليس هناك ما يشابه المرة الأولي. ما توقعاتك لمستقبل الكتابة في نيبال؟ - أتمني أن أري قطاع النشر بنيبال وقد صار أكثر فعالية ومهنية لما في ذلك من خدمة كبيرة لكل من الكاتب والقارئ.