«البيئة» تعلن استكمال فعاليات المرحلة الثانية من مسابقة «صحتنا من صحة كوكبنا»    الأسهم الأوروبية تختتم أسبوعاً سلبياً رغم صعودها في تعاملات الجمعة    مدير المشروعات بمبادرة «ابدأ»: يجب تغيير الصورة الذهنية عن التعليم الفني بمصر    فورين بوليسي: إسرائيل فشلت في استعادة الردع وهزيمة حماس بعيدة المنال    مقتل 11 شخصا على الأقل وإصابة 26 آخرين في قصف مخيمات لاجئين في الكونغو    عاجل.. يهود يحرقون العلم الإسرائيلي ويهددون بالتصعيد ضد نتنياهو لهذا السبب.. ماذا يحدث في تل أبيب    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    سبب رفض الكثير من المدربين فكرة تدريب البايرن    مكتبة مصر الجديدة للطفل تحتفل بأعياد الربيع غدا السبت    ابنة نجيب محفوظ: الاحتفاء بوالدي بعد سنوات من وفاته أفضل رد على منتقديه    سوسن بدر: لو في عمل معجبنيش بتعلم منه، وسعيدة بتكريمي بمهرجان بردية    الاتحاد يحبط ريمونتادا بلدية المحلة ويفوز عليه في الدوري    ريال مدريد يتحرك لضم موهبة جديدة من أمريكا الجنوبية    محافظ أسوان يتابع جهود السيطرة على حريق اندلع في بعض أشجار النخيل بقرية الصعايدة بإدفو    العناية الإلهية تنقذ شابا انقلبت سيارته في ترعة يالغربية (صور)    البنك المركزي المصري يصدر قواعدا جديدة لتملك رؤوس أموال البنوك وعمليات الإندماج والاستحواذ    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    «المركزي للتعمير» ينفذ محور الخارجة/ سوهاج بطول 142 كم    فيلم السرب.. أحمد السقا يوجه الشكر لسائق دبابة أنقذه من الموت: كان زماني بلوبيف    تخصيص 8 مكاتب لتلقي شكاوى المواطنين بالمنشآت الصحية في الوادي الجديد    الروس والأمريكان في قاعدة عسكرية واحدة .. النيجر على صفيح ساخن    بالإنفوجراف.. 8 تكليفات رئاسية ترسم خريطة مستقبل العمل في مصر    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    تشيع جثمان عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف    أمين القبائل العربية: تأسيس الاتحاد جاء في توقيت مناسب    طليعة المهن    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا مستمرة .. فيديو    باتمان يظهر في معرض أبو ظبي للكتاب .. شاهد    دعاء يوم الجمعة عند الغروب.. استغل اليوم من أوله لآخره في الطاعات    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    حسن بخيت يكتب عن : يا رواد مواقع التواصل الإجتماعي .. كفوا عن مهاجمة العلماء ولا تكونوا كالذباب .. " أليس منكم رجل رشيد "    مُنع من الكلام.. أحمد رزق يجري عملية جراحية في "الفك"    موعد بدء امتحانات الصف الخامس الابتدائي آخر العام 2024 محافظة القليوبية    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    الصحة: تكثيف الرقابة على أماكن تصنيع وعرض وبيع الأسماك المملحة والمدخنة    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    محافظ الغربية يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    بقير: أجانب أبها دون المستوى.. والمشاكل الإدارية عصفت بنا    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المباراة

فتحت عيني بصعوبة بعد سهرتنا الطويلة الصاخبة بليلة الأمس, كنت أقف مشرئبا بمنتصف ملعب كرة قدم, علي نقطة البداية, بمنتصف الدائرة المخطوطة بالأبيض ووجهي شطر المرمي مباشرة, أرتدي بدلتي الكاملة ورابطة عنقي الأنيقة القابضة علي تفاحة آدم دافعة إياها لأعلي, كان الجاكت لامعا مناسبا لسهرة حافلة, والقميص مجسما لجسدي وحذائي الجلدي أملس لا تمسه الأتربة, اقترب مني الحكم وقطب جبينه وهو يشير إلي بسبابته أن أبدأ, ثم أشار لساعة يده موضحا أننا تأخرنا عن الموعد المحدد, أطلق نفيرا متكررا من صافرته المستقرة بين شفتيه, شعرت أنني يجب أن أجاريه وامتثل لطلبه, فقررت أن أبدأ, لم أجد كرة بين قدميّ, اقتربت حثيثا من الحكم وقلت له " أين الكرة؟ أنا لا أجدها", انفعل الحكم ووقع نظري علي ركبتيه العاريتين فكتمت ضحكة داخلي بينما قذف الحكم بصافرته من فمه حتي طارت خلفي وصاح معنفا "ابحث عنها يا أخي." جريت علي الأرض المعشوشبة ويبدو أن أحدهم قد رطب أرضية الملعب ببعض قطرات الماء فشعرت بأقدامي تنغرس قليلا بين الأعشاب, ظل الحكم يترقبني ويركض بجواري ولكنه أبقي علي المسافة التي تفصل بيننا, تعثرت في رجل افترش الأرض بجوار زوجته وأمامهما صينية بدت ساخنة من فرط الدخان المتصاعد من بين ضلوعها محملا برائحة ورق العنب, تجنبت الرجل والتفت إليه معتذرا فصدمت ولده وهو يلعب مع أخيه ويحفران بأرض الملعب... فككت رابطة عنقي وما لبثت أن طارت أثناء جريي بحثا عن الكرة الضائعة. استوقفني صوت يصيح باسمي, فألتفت إلي يميني, كان المدرب ينادي عليّ من خارج الملعب, قال بلهجة حماسية " تقدم.. تقدم", ولكنني توقفت لأتأمله, كان حليق الرأس تماما, ظننت لوهلة أنه من أولاد حسن, غيرت وجهتي وتقدمت نحو خط التماس مقتربا منه بابتسامة طفولية شاردة وغاصت يدي بجيب البنطلون بحثا عن الكاميرا لألتقط لي صورة مع نجم طفولتي, عبس الكابتن وعلا صوته المبحوح بالصراخ والشتائم, أشار إلي بوسطاه وقال مجددا" تقدم إلي الأمام .. تقدم". عدت لأتقدم باتجاه المرمي مرة أخري, عبرت بين مجموعة من الفتيات الحلوات اللاتي اعترضن طريقي, اصطدمت بأجسادهن عمدا ودون قصد, عطلوني قليلا قبل أن أمد يدي وأضم إحداهن واخذها بطريقي, لم أتبين ملامحها جيدا إلا بعد أن جرينا بعض الأمتار. نظرت خلفي إلي الفتيات, لمحت سمراء نافرة النهدين, كدت أفلت يدي من بين يد فتاتي عائدا إلي السمراء, لكنها لوت ذراعي حتي كاد ينكسر بين قبضتها, دفعتني إلي الأمام غصبا فأطعتها.
أثناء جريي وعند اقترابنا من حدود منطقة الجزاء, لحقت برجل عجوز, نظر إلي عندما سمع صوت لهاثي وسألني بصوت متقطع مرهق "هل وجدتها؟", سكت لدقيقة ثم قلت "ما هي ؟", فأجابني "الكرة يا ابني, الكرة" !
كنت قد نسيت أمر الكرة برمته, نسيت أنني أبحث عنها, وكان اهتمامي بالركض فقط. علي دائرة منطقة الجزاء جلس شاب طويل الشعر يشرب الخمر ويضحك وهو يردد بصوت متقلب من جملة لأخري " لا توجد كرة, لقد أوهموكم.. الملعب يخلو من الكرات." لمحت شابا يضاجع فتاة شقراء علي خط المرمي, صوت تأوهاتها وصلني عبر منطقة الجزاء, كانت تمارس عهرها دون أي خجل من النظرات المتابعة, تسمرت للحظات أتابعها حتي خطفت نظري نيران مشتعلة بجوار راية الكورنر اليمني, كان رجلا قد أشعلها ورفع راية بجوارها وأعلن استقلاله عن باقي الملعب, قال أنها أرض أجداده, علق أحد المارة قائلا " لا بد أن جده كان روبرتو كارلوس." لقد تاهت فتاتي ولم ألحظ تيهها إلا متأخرا, لم أعبأ, النساء هنا كثيرات والرحلة مرهقة وطويلة. أوقفت شابا يدخن سيجارة مستوردة, وسألته عن الكرة فسألني بعين نصف مفتوحة "أي فريق تتبع ؟؟". أوووف, كيف فاتني أن أسأل هذا السؤال, كادت المباراة تنتهي دون أن أعرف أين الفريق الذي ألعب له, هل كان يجب علي أن أجري بالاتجاه المعاكس!! ولكن الكابتن أشار إلي أن أتقدم وهو خبير بتلك الأمور. كان عليّ أن أسأل الحكم, غير أنه أختفي وسط الجموع.
منعني ضابط من دخول منطقة الست ياردات, قال لي أن دخولها يتطلب تصريحا من المسئولين عن إدارة الملعب, سألني عن رقم فانلتي, تحسست بدلتي واعتذرت له أني لا أملك رقما, فكاد يقبض علي قبل أن أعطيه خمسة جنيهات ثم أضفت خمسة أخري. عندما اقتربت من خط الست ياردات, أدركت أن من يضاجع الفتاة الشقراء هو حارس المرمي, لم يكن يرتدي إلا قفازه المميز, لقد ترك المرمي خاويا وانغمس في حضنها الساخن.
الجو حار جدا بمنطقة الجزاء, قال لي أحدهم أن منطقة الجزاء تمر بالقرب من خط الاستواء. وقف رجل بذقن مهندمة علي حدود المنطقة مخاطبا جماهير تحيطه, دفع رشوة إلي مساعد الحكم علي خط التماس فأعطاه دكة البدلاء, صنع منها منصة ووقف فوقها وبدأ يصيح بهم ثم رفعه بعضهم علي الأعناق وهتفوا باسمه وهتفوا للقدس حتي هاجمتهم قوات الأمن المركزي مرتدين فانلات فريق برشلونة بالخطوط الحمراء والزرقاء, مغطين رؤوسهم بالخوذ وحاملين عتادهم, وألقوا علي المتظاهرين قنابل مسيلة للدموع. مازلت لا أجد الحكم. انضممت إلي جمع يصلي صلاة المغرب, خلعت بدلتي وحذائي واستقمت بين الصفوف, صلينا ثم ذهبت لأصافح الإمام, بدا شبيها جدا بباراك أوباما, ابتسم ابتسامته الشهيرة ورد تحيتي بالإنجليزية. ذهلت وتحركت بالجوار دون أن أرتدي ما خلعته من ملابسي.
بالكورنر الأيسر تجمع بعض الشباب بجوار راية الزاوية بينما تغطيهم سحب من الأدخنة, سحبت كرسيا وأشرت إلي النادل طالبا كوبا من الشاي, نسيت سبب وجودي هنا مرة أخري, بحثت في أركان ذاكرتي دون جدوي, طرطقت أذني آملا في التقاط أية معلومة عن الهدف من تلك المباراة, سمعت رجلا يتحدث عن فرح سيقام الليلة عند نقطة الجزاء, تحدث الرجل عن زجاجات البيرة وراقصات من كل صنف ولون وأغان مبهجة. تركت عملتين معدنيتين للنادل علي الكرسي الخشبي ورحلت متجها نحو نقطة الجزاء, بدا الطريق مزدحما, كانت الأنوار والزينة تمتد حتي حدود منطقة الجزاء, وقفت علي حدود الفرح حيث علا صوت الأغاني الشعبية, أعطاني شاب أسمر زجاجة من البيرة الساقعة, لم أشرب أي كحوليات من قبل, رشفت من الزجاجة لأول مرة, تجولت بالظلام, كان الضباط المحاصرون للست ياردات مندمجين مع أنغام الفرح, تسللت بينهم دون أن يلحظوني, عبرت فوق جسد حارس المرمي العاري الذي كان يضاجع فتاة أخري, لامست خط المرمي الأبيض بأطراف أصابع قدمي متخوفا, تركت زجاجة البيرة علي الأرض وخطوت فوق الخط بقدمي كاملة, عبرته وحاصرتني الشباك والقائمان والعارضة, وجدت بأرضية المرمي مجموعة من الحفر الطولية, غلبني الفضول لاكتشافها, هبطت بإحداها, كان طولها مساويا لطولي بالضبط, حيث تساوت قمة رأسي مع أعشاب الملعب. قام حارس المرمي من فوق صديقته, لف وسطه بفوطة صغيرة, بدا منزعجا, أحضر بعض الطين من كومة بجوار المرمي ورماها فوق رأسي وعندما نفضت الطين عن رأسي منفعلا, أجاب سؤالا لم أسأله وقال أنه سيغلق عليّ الحفرة حتي الصباح ثم سيزيل عني الطين ويطلق سراحي, كان صوت الفرح قد أصابني بالصداع, كما أن الخمر قد أصابتني بالدوار فشعرت أنني بحاجة لراحة فعلا, أرخيت مفاصل جسدي وساعدته في مساواة الطين فوق رأسي منتظرا أن يأتي الصباح, تذكرت أنني كنت أبحث عن الكرة ولكنني لم أقو علي النداء علي الحارس, تثاءبت وانغمست في نوم طويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.