ما الذي يميز معرض 2014 تحديدا عن معرض 2013، ولماذا حصرت المقارنة بين هذين المعرضين فقط، ولم أعقد مقارنة بين المعارض السابقة، وما نأمله في هذا المعرض؟ الإجابة أن معرض العام الماضي كان معرضا فارقا في تاريخ مصر، فلأول مرة يفتتح المعرض رئيس اخواني، وهو الرئيس المعزول د. محمد مرسي، وفي هذا الافتتاح لم توجه الدعوة للمثقفين للقائه.. واكتفي وقتها بلقاء الناشرين فقط. بالتأكيد لم يكن هناك تغيير شامل في المعرض، إذ لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة عليه، لكنه- أيضا- لم يقدم جديدا يذكر، سوي تطاول بعض الإسلاميين علي الكتاب والمثقفين، فقد كتب وقتها د. حلمي القاعود المنتمي للجماعة مقالا في جريدة الأهرام قائلا: " التقي الرئيس بالناشرين .. ولم يلتق بالحظيرة.. وهذا تطور في معالجة الفساد الثقافي"، لقد كانت هذه الجملة هي المفتاح الذي عجل- بعد ذلك- بمجئ د. علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة، ليتولي تطهير الوزارة والمثقفين، وهنا تم التصدي للهجمة الشرسة لتغيير الهوية المصرية.. وهو الهدف الرئيسي للجماعة، واستطاع الشعب في الفترة الفاصلة بين المعرضين أن يثور في 30 يونيو ضد مرسي وجماعته، ويسقط هذا النظام، وكما كان المعرض شاهدا علي وصول الإخوان لقمة السلطة في مصر، هو الآن شاهد علي انهيار المشروع الإخواني بإرادة شعبية وهناك العديد من الاصدارات في هذا المعرض، التي تحلل هذا السقوط، الذي من أهمه محاولة ضرب الحريات، وخاصة حرية التعبير، وكما كان معرض 2013 شاهدا علي حجب مقالي، الذي أنتقدت فيه سلوك الرئيس المعزول والكتاب الإسلاميين تجاه المعرض.. فإن معرض 2014 شاهدا علي نشر ذات المقال في نفس الجريدة التي منع فيها. المثقفون والرئيس تفسيرات كثيرة صدرت، فيما يتعلق بعدم لقاء الرئيس د. محمد مرسي بالمثقفين في افتتاح الدورة الجديدة لمعرض الكتاب، وتم استبدال ذلك بلقاء مع الناشرين، البعض رأي أنه التقي بأصحاب الحدث الحقيقيين، وهم الناشرون، والبعض برر ذلك أنه سبق والتقي مع المثقفين في قصر الاتحادية، وبالتالي أراد في يوم افتتاح المعرض الالتقاء بمجموعة أخري تشارك في صناعة النشر، في حين فسر عدد من المثقفين هذا الموقف، أنه رغبة من الرئيس في عدم إقامة حوار معهم، يستمع فيه لنقد للسلطة. كل هذه التفسيرات تبدو مقبولة ومنطقية، ومن حق الرئيس أن تكون له أجندته في أي حدث يحضره، ومن حقنا أن ننظر للمعرض ليس فقط من زاوية أنه معرض للكتب.. بل الأساس أنه حدث ثقافي، صاحبه الحقيقي هو المثقف برؤاه وأفكاره وقدرته علي التنبيه للأخطار التي يتعرض لها الوطن، خاصة أن المعرض جاء متزامنا مع الذكري الثانية لثورة يناير، وكانت فرصة أن تتاح لأجيال مختلفة لقاء الرئيس، وأن يستمع إليهم دونما حجاب، لكن لم يتحقق ذلك، ومن وجهة نظري أراه سلبية كبيرة، وعدم إدراك لمضمون وفحوي المعرض. لكن علي كل حال، كل التفسيرات لا غبار عليها، سوي ما قرأته في مقال للدكتور حلمي محمد القاعود في جريدة الأهرام، يري فيه بالنص ما يلي: "التقي الرئيس بالناشرين ولم يلتق بالحظيرة، وهذا تطور كبير في معالجة الفساد الثقافي". مهلا أيها الأستاذ الجليل، ليس كل المثقفين المصريين دخلوا " الحظيرة"، بل أستطيع القول، إن المثقفين المصريين لم يكونوا ذات يوم من يقدمون الغطاء السياسي للنظام السابق، ولم يكن بينهم اتفاقات معلنة أو خفية، بل كان هناك مواجهات شبه يومية بينهم وبين النظام، وأذكر كيف وقف ذات يوم الروائي الكبير صنع الله إبراهيم ليعلن أمام ممثلي النظام، رفضه لجائزة الرواية العربية، وحينئذ وقف المثقفون الذين ملأوا قاعة المسرح الصغير بدار الأوبرا يصفقون له طويلا، وكيف تحدث من علي " منبر الدولة" عن الفساد وعدم الديمقراطية والخضوع للخارج، وبعد ذلك كتبت عشرات المقالات الداعمة والمدافعة والمحللة لما طرحه صنع الله إبراهيم، بل الأكثر من ذلك أن المثقفين خاضوا معركة شرسة ومصيرية ضد عدم التطبيع مع إسرائيل، ووقفوا صفا واحدا، في الوقت الذي هرول فيه غيرهم للتطبيع. المثقفون- أيضا- وقفوا ضد التوريث، ويكفي أن أول من نبه علنا إلي هذا الخطر المثقف والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في محاضرته بالجامعة الأمريكية، وهي المحاضرة التي تلقفها الجميع بالتحليل والثناء عليها. بل الأدهي من ذلك أن الرئيس السابق مبارك، كان لا يستأنس بالمثقفين، ويجد في حواراتهم خطرا عليه، وربما يكشف عن هذه الطبيعة زميلنا أسامة السعيد-الذي قضي سنوات في تغطية نشاط الرئاسة- في كتابه " ما قبل السقوط" الصادر في سلسلة كتاب اليوم الثقافي: " أما فيما يتعلق بعلاقة مبارك بالمثقفين، فأظنها لم تكن تدعو إلي الارتياح، فيبدو أن الرجل كان يضج بأسئلة هؤلاء المثقفين التي تدخله إلي منزلقات يحاذر دوما منها، كما أن هؤلاء المثقفين غالبا ما يكونون خارج السيطرة التي ترتضيها وتخضع لها فئات أخري، فعلي سبيل المثال في اللقاء الذي جمع مبارك بالفنانين قبل لقاء المثقفين بأيام، لم يجرؤ أحد علي طرح سؤال من عينة إمكانية ترشحه للرئاسة، بل كنت أستشعر أن مبارك- الإنسان قبل الرئيس- يكون علي طبيعته أكثر عندما يلتقي الرياضيين أو الفنانين أو رجال الأعمال، أو خلال اللقاءات الجماهيرية، بينما يكون أكثر حذرا خلال اللقاء بالمثقفين، وربما يشير ذلك إلي ابتعاد نفسي من ذلك الوسط الذي لم يألفه مبارك أو يقترب منه، فلم يعرف عنه اهتماما بالقراءة او الكتابة أو مجالات الفكر والإبداع، إلا فيما يدخل في إطار عمله كرئيس للجمهورية، من حضور بعض المناسبات العامة او اللقاءات البروتوكولية". ويضاف إلي ذلك أننا يجب إلا ننسي أن الرئيس ألغي اللقاء مع المثقفين في معرض الكتاب، لخشيته من أسئلتهم، بعدما واجهه في معرض 2005 الكاتب الكبير الراحل د. محمد السيد سعيد بضرورة أن يكون له برنامج انتخابي مثل كل المرشحين في كل الدول، وأغضب هذا السؤال الرئيس، الذي لم يلتق بالمثقفين في المعرض عقب هذه المواجهة.