أعتذر لشهداء يناير، العذر موصول لثوار يناير، كان من المفروض أن يكون عنوان المقال: اليوم يومك يا مصرى. أو أن أحاول استعادة نداء 25 يناير: ارفع رأسك فوق إنت مصرى. ولكن ما جرى فى افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب أمس الأول بالغ الخطورة. يعبر عن طريقة الحكم الراهن فى اللف والدوران. والقدرة على صناعة الكذب. وعلى أنهم لا يكتفون بأخونة مفاصل الدولة المصرية. واستبدال مجتمعا دينيا بالمجتمع المدنى المصرى. بل يغتالون تاريخ مصر الثقافى ويمحونه. لمجرد أنهم يختلفون معه. مع أن التاريخ باقٍ كالأزل، ثابت كالأهرامات. معرض عامنا هو الأول الذى يقام فى ظل حكم الجماعة. ولكن يجب ألا ننسى أنه يحمل رقم 44 أى أنه أقدم مشروع ثقافى فى مصر والوطن العربى. لا يسبقه سوى معرض فرانكفورت ومعرض موسكو. وكان يجب الإبقاء عليه بدلاً من محاولة تدميره. أكتب لأن صحفنا القومية لم تجرؤ على الاقتراب من الأمر. الرقباء منعوا الكُتاب. وشطبوا لمن كتب. وافتتاح معرض الكتاب فى السنوات السابقة كان يعنى الاحتفاء بالمثقفين. باعتبارهم الذين ينتجون الفكر والثقافة. فالاحتفاء بالكتاب وناشر الكتاب وقارئ الكتاب لا بد أن يبدأ بالاحتفاء بالمؤلف المصرى. صاحب أقدم تمثال فى تاريخ البشرية للكاتب المصرى. ولكن الرئيس رفض أن يحضر مثقف واحد هذا الافتتاح. وحوَّل حواره مع المثقفين لحوار مع الناشرين. بل الناشرين الإخوان فقط. ولذلك تحول الحوار لطلبات. ناشر يطلب خمسة أفدنة لإقامة مطبعة كبرى وهكذا. راجت فى ليل القاهرة حكايات عن الناشر «الفلانى» الذى تطوع بإسداء النصيحة باستبعاد المثقفين وتمت الاستجابة له. كفى ترويجاً لفكرة الحاكم الصالح والشلة الفاسدة المحيطة به. التاريخ لا يلتفت للذين يتطوعون بالنصائح. الرئيس هو المسئول أمام الحاضر وفى مواجهة محكمة المستقبل. ذهب الرئيس ليحتفل بالكتاب وبيده لافتة: مرحباً بالكتاب. ولا لمن أبدعوا الكتب. قيل إن الرئيس لم يحب أن يتم الافتتاح كما كان فى زمن سلفه. مع أن النظام لا يفعل سوى إعادة إنتاج ما كان موجوداً من قبل. تحدثت مع الصديق محمد سلماوى بعد أن اقترح علىَّ مثقفون أن نقاطع المعرض وأن يكون شعارنا الموجه للناشرين: اشتروا أنتم كتبكم. فالمثقف ليس منتج ثقافة فقط. ولكنه مشترى الكتاب الأول. وهو وحده صانع البهجة الثقافية فى المعرض. قال لى سلماوى: لدينا مهام وطنية فى قادم الأيام. وعلينا الاكتفاء بإدانة ما جرى. ما لا يعرفه الإخوان ولا رئاسة الجمهورية أن معرض الكتاب أقيم لأول مرة سنة 1969 وبناء على رغبة من الأشقاء العرب فى الوقوف مع مصر ضد العدوان الصهيونى فى يونيو 1967، ولهذا ذهب عبدالناصر بنفسه ليفتتح المعرض وليتحدث مع جميع الحاضرين مثقفين أو ناشرين. يخيل إلىّ أنهم يخافون حتى من الماضى الحى.