أبدأ بما جري في العام الماضي. كان من المفترض أن يقام معرض الكتاب في السادس والعشرين من يناير. ولأن الثورة انطلقت تقرر تأجيله للتاسع والعشرين. علاوة علي ظروف البلاد العامة كان هناك ظرف خاص يدور حول كتاب بعينه لا أحب التوقف أمامه. لأن بعض أطراف الماضي تحاول أن تكون أبطال الحاضر. تأجل المعرض ليفتتح يوم 29 يناير. كان من المفترض أن يفتتحه فاروق حسني وزير الثقافة الذي فوجئ عند وجوده في القرية الذكية بأن الحكومة قدمت استقالتها. كان من الصعب عليه افتتاح المعرض الذي تأجل لأجل غير مسمي. كان الناشرون قد أحضروا كتبهم. وأقيم السرادق الكبير في باحة قاعة المؤتمرات وتسبب عدم افتتاح المعرض في خسارة فادحة لهم. حاول محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين تعويضهم عن هذه الخسائر بكل ما استطاع. ثم جرت محاولة لاستعواض ما فات. بإقامة المعرض في شهر سبتمبر. ولكن اتضح أن الشهر ربما كان غير مناسب وأيضاً فإن الناشرين لديهم ارتباطات مع معارض أخري. ورغم أن مناقشة الأمر واستعراض الأماكن استغرقت وقتاً طويلاً إلا أن الفكرة لم تخرج للوجود. هذا العام كان من المفترض افتتاح المعرض في الرابع والعشرين من يناير. وهذا موعد دولي تعتبر مصر مجرد طرفاً فيه. لأن الناشرين المصريين والأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب لديهم أجندة سنوية بمواعيد المعارض علي مدار العام. اجتهادات أمنية رأت أن التاريخ غير مناسب. لأنه يقع في اليوم السابق علي الخامس والعشرين من يناير وعندما طرح الأمر في اجتماع لمجلس الوزراء وأبدي وزير الداخلية محمد إبراهيم يوسف اعتراضه علي التاريخ وافق رئيس الوزراء علي تأجيل المعرض إلي فبراير رغم اعتراضات وزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد وجهود الدكتور أحمد مجاهد لإفهام أصحاب القرار خطورة عدم إقامة معرض له هذه الأهمية. بعيداً عن الرؤي الحكومية واعتبارات الأمن والأمان التي لا يمكن إغفالها ولا التقليل منها. أقول كمصري وكمثقف إن إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام أمر يخص مصر ولا يخص الكتاب. ويهم المصريين قبل أن يهتم به المثقف أو منتج الثقافة أو متلقيها. وهو فرصة نادرة لتذكير أهل مصر بالبديهيات التي أوشكت أن تتوه منهم. وأول بديهية أن مصر دولة دور وأنها إن تخلت عن هذا الدور لم يعد لها أي مبرر للبقاء. أيضاً يجب الحفاظ علي المعرض باعتباره أقدم مشروع ثقافي مصري وعربي وربما عالمي. فقد أقيم لأول مرة سنة 1968 كتعبير عن رغبة عربية في الوقوف مع مصر عبد الناصر في مواجهة العدوان الصهيوني في يونيو 1967. واستمر يعرض ولم يتوقف حتي عندما قامت حرب السادس من أكتوبر سنة 1973. وعندما تعرضت مصر لمظاهرات 17 و 18 يناير وتمرد الأمن المركزي فبراير 1986 وزلزال 12 أكتوبر 1992. كل هذه الأمور الصعبة والعصيبة لم تجعل مصر تفكر لحظة واحدة في تأجيل أو إلغاء المعرض. ولأنني أعتبر الكتاب زادي الأول والأخير. ليس من أجل الثقافة ولا الفكر. ولكنه وسيلة المتعة الوحيدة في هذا العالم. وأعتبر الناشرين أصحاب الرسالة الثقافية والحضارية أصدقاء عمر حقيقيين. فقد عرفت منهم أن العام الذي مضي لم يكن من أعوام النشر الكبري. وأنه لم تخرج إلي الوجود أعمال أدبية أو ثقافية أو فكرية يمكن وصفها بالأعمال الكبيرة. أيضاً فإن المؤلفين لم يكتبوا خلال العام الذي مضي أعمالاً قد يتوقف أمامها التاريخ. لا الآني ولا الآتي. لأنه بعد الثورات لا بد من مرور فترات زمنية قد تتعدي السنوات قبل أن تعبر الثورة عن نفسها في عمل أدبي. ومعظم ما نشر حتي الآن ربما كان في مجمله تحصيل حاصل أو تجميع مقالات أو تسارع من أجل إثبات مواقف أو سرقة ثورة يجري الجميع الآن من أجل سرقتها ونسبتها إلي نفسه. ومع هذا لا بد من إقامة المعرض. حتي الآن لا أعرف كيف ولماذا اهتم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالموضوع؟ ففي "أخذ ورد" بين اللواء حسن الرويني قائد المنطقة العسكرية المركزية ومن المعروف أن المعرض يقام جغرافياً داخل المنطقة المسئول عنها. وبين الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة. تمت إعادة بحث الموضوع من جديد وتقرر تقديم موعده إلي الثاني والعشرين من يناير بدلاً من الرابع والعشرين من يناير. المهم لا بد من إقامة المعرض. وفي حالة إقامته سيقبل المصريون عليه بشكل رائع. وربما يصبح عيداً للثقافة المصرية والعربية في زمن وعصر جديدين أحلم أن نصل إليه بأقل الخسائر الممكنة. ولا يجب أن ننسي أن 40٪ من حركة النشر تتم من أجل المعرض. وأيضاً أكثر من 50٪ من حركة البيع علي مستوي السنة تجري خلال أيام المعرض. وأن معرض القاهرة الدولي للكتاب يتفوق علي معرض فرانكفورت بأنه معرض عرض وبيع وتعاقدات. في حين أن معرض فرانكفورت للعرض والتعاقدات فقط. هذا فضلاً عن النشاط الثقافي المصاحب له. والذي كان يشكل متنفساً للحرية وهايد بارك للمصريين. قبل أن يتم التضييق علي موضوعات المعرض وضيوف المعرض وسقف الحريات في المعرض. وهو ما جري في السنوات الأخيرة. وهو ما لن يحدث الآن.