أعلنت دار نشر الجامعة الأمريكية الأربعاء الماضي فوز الروائي السوري خالد خليفة بجائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2014 عن روايته " لاسكاكين في مطابخ هذة المدينة". وذهبت الجائزة إلي خليفة بإجماع لجنة أراء لجنة التحكيم التي ضمت الدكتورة تحية عبد الناصر، والدكتورة شيرين أبو النجا والدكتورة مني طلبة، والدكتور حسين حمودة والكاتب عبده وازن. حضر حفل الجائزة الذي أقيم بحرم الجامعة الأمريكية بميدان التحرير العديد من الشخصيات البارزة في مجال الثقافة. أكدت الدكتورة تحية عبد الناصر في كلمتها الإفتتاحية أن الرواية تقوم أحداثها في "المدينة المعاقبة"، وتجسد سيرة عائلة في مواجهة الاستبداد، وقصة مدينة علي حافة التدهور والانهيار، تسرد مصائرأفراد العائلة، خاصة العزلة والعجز، ومعاناة أهل المدينة تحت وطأة الخوف والعنف و الدمار. يتأمل الراوي، أصغر أبناء العائلة، في "مدينة الخس القديمة"، مصائر أفراد العائلة والمدينة، وعلي الرغم من أن الرواية تركز علي سيرة عائلة سورية، فهي تجسد القصة الممتدة من 1970 التي تتجلي في سرد غير تقليدي لحياة أهل المدينة ونظام الحكم في التاريخ السوري الحديث. وأضافت: تقدم هذه المدينة شخصيات في مدينة تواجه القدر، و تدخل في واقع قاس يتشكل من الخوف والإحباط والفشل . إنها رواية تجسد شخصيات في تراجيديا يلعب فيها القدر دورا هاما، وفي نفس الوقت، تتناول الرواية الدمار والانهيار في المدينة. ومن جانبه أشار الشاعر عبده وازن إلي ملامح التراجيديا الإغريقية و العار الشخصي والعام في الرواية: "هذه رواية عائلة ومدينة ووطن علي شفير السقوط. تتداخل هذه الصور الثلاث واقعيا ورمزيا وتتواشج عبر لعبة السرد الذكية التي يؤديها راو هو في وقت واحد راو وشخصية من الشخصيات الرئيسية في الرواية. إنها في معني ما تمثل شهادة شخصية من اهل البيت، كما يقال، وهي تتماهي مع شخص الكاتب تماهيا خادعا. لكن الرواي ليس هنا راويا عليما ووجهة نظره لا تسيطر علي سيرورة السرد وتنامي الشخصيات وعلاقاتها." وأضاف: إنها رواية الجماعة والاجيال مثلما هي بامتياز رواية الافراد الذين يواجهون مصائرهم مواجهة قدرية، في المعني الاغريقي للقدرية، يعيشون احوالا من الصراع، الصراع الداخلي والصراع مع المجتمع ومع العقائد والسياسة، مع واقعهم المتشظي والتاريخ المضطرب، مع الاخر علي اختلاف هوياته. جماعة تعيش العار الذاتي عبر افرادها الذين يعانون تحت وطأة هذا العار : الام المتهورة، الزوج الذي يبحث عن مصيره في الهروب الي اميركا، نزار المثلي الخائب، هبة المنفصمة بين العفة الظاهرة والفجور الخفي، سوسن المتمردة التي تقع ضحية الاختلاف الطائفي مع فواز ومع جان، رشيد الذي يلتحق بالجهاديين في العراق ثم يخونهم بعد وقوعه في اسر الاميركيين... ومقابل هذ العار الشخصي يبرز العار السياسي والعام المتمثل في النظام المتعسكر والاستخباراتي الفاسد الذي يلعب بالاشخاص والمصائر وفق مصالحه اللانسانية غالبا. وتعبر الدكتورة مني طلبة عن آثار الاستبداد والقهر علي أفراد العائلة: "السكاكين في المطابخ تشذب الوحشي من النبات والحيوان وتحيله إلي زاد إنساني عطوف يملأ أفواه صغار وكبار العائلة الواحدة بفرحة التلاقي وعافية الروح والبدن، لكن سكاكين مطابخ هذه المدينة المستبد حكامها بأهلها تشرع لتمزيق النفوس وتفكيك أواصر المودة والغواية بالانتحار، هكذا يقدم لنا خالد خليفة بسكين الفنان المثال منحوتات روائية بديعة لأشلاء أسرة عربية أدماها العنف السياسي وفتت كرامتها الإنسانية إربا حتي وإن بقي منها ما بقي من أبدان حية معطوبة". تتميز الرواية بشخصيات عميقة ومستويات عديدة، يعبر فيها خالد خليفة عن التحولات في مدينة حلب: التطرف والطائفية والخراب، كما تشير الدكتورة شيرين أبو النجا إلي دور الأم وقوي التغيير في مدينة حلب: "تموج هذه الرواية بالكثير من السكاكين، ولكل شخصية فيها سكين خاص. لا يجمع هذه السكاكين سوي حضور الأم بشكل كلي حتي أن غيابها تحول إلي شكل آخر للحضور سلبا وإيجابا. تبدو مدينة حلب في قلب النص وهي تقاوم العسكرة بشتي الوسائل الممكنة، لكن انحسار حقول الخس وترييف المدينة- مجاز التدهور- دفع كل شخص في الأسرة إلي محاولة إيجاد منفذ للحياة، سواء عبر التماهي مع العسكر أو الهروب منه أو الانتقام أو اليأس أو الانتحار. بحضور الأم القوي الملتبس، يتنبه القارئ إلي ورطة السؤال المتعلق بالسلطة: الانتداب الفرنسي أم العسكر (الوطني)؟ الماضي أم الحاضر؟ البراءة أم التجربة؟ الذاكرة المؤلمة أم النسيان الأكثر إيلاما؟"، ويسلط خالد خليفة الضوء علي القهر والمقاومة. علي الرغم من أنها تنتهي قبل الثورة الحالية في سوريا، تحكي الرواية التاريخ المظلم للمأساة الحالية. و يشير الدكتور حسين حمودة إلي نطاق هذه الرواية: "هذه رواية كبيرة عن قهر الجسد والروح. في عالمها قسمات وملامح لمشهد كبير: عن عائلة بشخصياتها المتعددة، وعن مدينة حلب، بقلبها وحوافها، وحقول الخس التي تتراجع، وأجواء الكابوس الجماعي في فترة مرجعية بعينها، والملاحقة، والرغبات الموءودة، والتوق إلي مدن بعيدة يتم الاقتراب منها لأوقات استثنائية، والإدانات متعددة الأشكال لهيمنة حزب واحد مهيمن، كلي القدرة تقريبا، في فترة تاريخية محددة، وما يتهدد هذه الهيمنة في فترة أخري. تنتقل الرواية نقلات عدة بين نقاط ماثلة علي هذه الشبكة الممتدة، عبر العائلة بشخصياتها وبالشخصيات التي تتماس معها، انها رواية تتمرد علي الخوف وتقطع الصمت، يبدع خالد خليفة فيها في تجسيد عزلة عائلة، مدينة علي حافة الانهيار، وقصة إنسانية تتعدي حدود الشعوب.