»جدو « لاعب الگرة مرشحاً للرئاسة في القرن الماضي، كانت أهم خطوة من خطوات صناعة الثورة أو أي نوع من التغيير السياسي هي السيطرة علي مبني الإذاعة. وكان هذا الأمر استمراراً لما درج عليه في العصور المملوكية حيث تتم عملية انتقال السلطة من خلال مجموعة من الخطوات تبدأ بالسيطرة علي قلعة أو قصر الحكم وتنتهي بالدعاء للسلطان الجديدة من علي منابر المساجد، واستبدلت منابر المساجد كوسيلة إعلامية بمبني الإذاعة الذي تحول في نهاية القرن الماضي إلي مبني الإذاعة والتلفزيون. ومادامت المناوشات والصراعات بعيدة عن مبني الإذاعة فالسلطة لا تزال في قبضة النظام الحاكم. وفي كثير من دول العالم الثالث ومنها الدول العربية كانت النكتة السياسية الأكثر شهرة عن السياسي الذي يتمكن من الاستيقاظ مبكراً ليذهب إلي الإذاعة ويذيع البيان الأول. بعد فترة تطورت وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وأصبحت تبث أربع وعشرون ساعة دون انقطاع، بالتالي لم يعد هناك حاجة للاستيقاظ مبكراً وأصبح صوت المعارضة سياسياً محصوراً في جرائد المعارضة أو مساحات متقلصة في الجرائد القومية. لكن مع نهاية القرن العشرين تغيرت قواعد اللعبة تماماً بشكل أربك رموز وقيادات المعارضة نفسها قبل حتي الحكومة والنظام. فلم يعد هناك إذاعة أو تلفزيون واحد بل أصبح لدينا قمرين صناعيين يبثان أكثر من 500 قناة وإذاعة إلي جانب عدد لا نهائي من موقع الإنترنت يضاف إليها موقع الفيسبوك الذي يحتل عليه المصريون المرتبة الأولي عربياً ورقم 23 عالمياً، وهكذا أصبح لكل فصيل سياسي منبره الإعلامي الخاص، بل أصبح الأمر لا يحتاج لفصيل أو حزب سياسي بل يمكن أن يتسبب فرد واحد في حراك إعلامي يتبعه حراك سياسي من خلال الفيسبوك والانترنت. برز هذا الأمر بقوة في انتخابات مجلس الشعب المصرية الأخيرة وفي حركة 6 أبريل الشابة، وأخيراً في حمي البرادعي وترشيحات الرئاسة التي تجتاح كل وسائل الإعلام سواء الجديدة من خلال خدمات الانترنت المتعددة أو القديمة من تلفزيون ومحطات فضائية.
فعلياً فحتي الآن لم يعلن البرادعي عن ترشيحه نفسه، وما حدث للدقة هو أن مدير وكالة الطاقة الذرية السابق بعد خروجه من الوكالة، تحدث في بعض حواراته عن عدم رضاه عن مستوي الديمقراطية في مصر مثله مثل أي مواطن لكن كلام البرادعي التقطه بعض الشباب والنشطاء علي الفيسبوك ليحوله إلي جروب وحملة لترشيح البرادعي رئيساً للجمهورية. في البداية لم يكن هناك فرق كبير بين حملة البرادعي رئيساً علي الفيسبوك وأي حملة آخري حيث توجد مجموعات بعناوين من نوع "الحملة القومية لترشيح فيفي عبده رئيساً للجمهورية"، "حسن شحاته رئيساً للجمهورية". لكن ما حدث بعد ذلك هو تحمس عدد من هؤلاء الشباب إلي الخروج بالحملة خارج إطار الواقع الإفتراضي، من خلال تنظيم حملة ثانية لاستقبال البرادعي في مطار القاهرة، وكانت المفاجأة في تجاوب عدد كبير من الشباب مع هذه الحملة، لكن المفاجأة الأكبر كان علي ما يبدو من نصيب البرادعي الذي اكتفي بتلويحة يد قصيرة وانسحب إلي سيارته مودعاً مئات الحضور الذي حضر لاستقباله. طبقاً للمواد الدستورية الحالية فلا توجد أي فرصة أمام البرادعي للترشح رئيساً، والخطاب الذي قدمه في معظم وسائل الإعلام هو بالأساس خطاب حقوقي، حيث يري أن الكثير من المواد الدستورية والقانونية المصرية تتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقعت عليها مصر، وعلي هذا الأساس يطالب البرادعي بتغيير الدستور. كان من المتوقع أن يحاول البرادعي في سبيل تحقيق رؤيته الانفتاح والتعاون أكثر مع أحزاب وفصائل المعارضة المصرية المعروفة لتكوين علي الأقل ما يشبه الجبهة السياسية، لكن كانت المفاجأة أن البرادعي لم يسع إلي التعاون مع وجوه المعارضة المعروفة بقدر ما سعي أكثر إلي لقاء شباب الفيسبوك ونشطاء الانترنت والمدونين. حيث ذهب مجموعة كبير منهم علي رأسهم الشاعر الشاب عبد الرحمن يوسف القرضاوي للقائه في منزله في جلسة استمرت لأكثر من ساعتين، التقطوا خلالها الصور التذكارية التي وضعوها بعض ذلك علي صفحاتهم الشخصية علي الفيسبوك، ليرتفع عدد أعضاء جروب البرادعي رئيسياً إلي 190 ألف عضو حتي لحظة كتابة هذا السطور. في نفس الوقت فقط أطلق عدد من مؤيدي البرادعي حملة آخري بعنوان "عايز حقي" فكرة الحملة كما يوضح مؤسسو الجروب باللغة العامية "الفكرة اننا نخلي اكتر من 51٪ من الشعب يعمل توكيل للدكتور/البرادعي في تفويضة لاعادة وصياغة دستور جديد لجمهورية مصر العربية لو قدرنا نجمع اكتر من 51٪ بشكل رسمي علي فكرة واحدة » محدش حيقدر يقف قصادنا" وهكذا فمن خلال صفحة الفيسبوك يمكن للزائر طباعة ورقة كتبت فيها الصيغة التالية "توكيل شعبي" ثم اسم الشخص ورقم بطاقته لتأكيد توكيله للشخصيات التالية أسامة الغزالي حرب، أيمن نور، جورج إسحق، جميلة إسماعيل، حسن نافعة، حمدين صباحي، سكينة فؤاد، عبد الغفار شكر، عمرو موسي، د.محمد سليم العوا، محمد البرادعي حيث يوكل الموقع علي هذه الورقة هؤلاء الأشخاص السابق ذكرهم لتكوين لجنة تحضيرية لتعديل الدستور. لكن الطريف في الأمر أن مثل هذه التوكيلات بدأت في الانتشار في عدد من المحافظات والمدن الإقليمية حيث وصل عدد الموكلين في الفيوم طبقاً لتصريح أحد المسئولين عن حملة البرادعي إلي 5 آلاف موكل. وهو ما علقت عليه المدونة "نوارة نجم" علي مدونتها جبهة التهيس الشعبية بعبارة " احنا ما اتفقناش علي كده" حيث انتقدت نوارة وجود بعض الشخصيات التي حتي لو أصبح معهم توكيل الجنة فلن توكلهم. الآن بدأت الانتقادات تظهر حتي علي صفحة البرادعي التي بدأ عدد أعضائها يقترب من الربع مليون، فالجدل والنقد الداخلي جزء أساسي من بنية الانترنت والشبكات الاجتماعية، لكن هذا الجدل والانتقادات التي يتم توجيهها أحياناً للبرادعي أو لمنظمي حملة ليس شرطاً أن تؤدي إلي انتهاء الظاهرة، بل يمكن أن تتحول في أي لحظة إلي أداة لتطوير حملة ودعم استمرارها.
الطريف أن حملة ترشيح البرادعي رئيساً أطلقت عشرات الحملات الأخري أحدثها حملة ترشيح محمد ناجي (جدو) لاعب الاتحاد السكندري والمنتخب، وأخيراً حملة ترشيح سلمي رمز البطة. وهي فتاة مصرية شابة تدرس الإعلام بنيويورك وتمارس التدوين المصور، حيث تطلق كل فترة مجموعة من الفيديوهات المصورة التي تقدم من خلالها نفسها بأسلوب ساخر كمرشحة للرئاسة وعلي رأس أول القوانين الإصلاحية في برنامجها الانتخابي منع أي مواطن من الضغط علي زرار الأسانسير أكثر من مرة، منع بيع الأهرام وسفر الآثار،و أن يكون أي وزير ثقافة متزوجاً "علشان نقطع لسان أي حد هيتكلم"، وأخيراً أن تتولي بنفسها مسئولية وزارة الإعلام.