هل يمكن أن يتوقف الزمن عند نقطة لا يتجاوزها إلي غيرها؟. هل يمكن أن نصبح تحت رحمة ذكري ما تطبع حياتنا كلها بطابع واحد، وتدفعنا إلي أفق من التكرار الإجباري الذي تنسخ الحياة من خلاله نفسها في صور وألوان شتي؟. الحق أننا لو فهمنا الزمن بوصفه ذلك العد الذي لا ينقطع للساعات والأيام والشهور والسنين _ أعني الزمن الطبيعي- لما استطعنا أن ندرك أبداً الطريقة التي يحوّلنا من خلالها الزمن، ويعيد خلقنا وبعثنا داخل صيرورته الدائمة الأبدية. ذلك أن الزمن ينقطع ويتصل في عالم الفعل والمعاناة اللذين نولد من رحمهما يوماً بعد يوم. وما تحاول رواية «الرجل السابق» لمحمد أبي سمرا أن تفعله هو- بالضبط- تأمل هذا النسيج الدقيق والخفي الذي يشكل لوحة الزمن، وما يتوافق أو يتضارب علي سطحها النافر المختلط. أما عن أبي سمرا فهو روائي لبناني من مواليد لبنان عام 1953. وقد أصدر روايته الأولي «بولين وأطيافها» عام 1990 عن دار الجديد، ثم صدرت روايته «سكان الصور» عن دار النهار عام 2003. كما أصدر أبي سمرا كتاباً بعنوان «بلاد المهانة والخوف: كردستان- بيروت- كازابلانكا» وهو عبارة عن رحلة اجتماعية انثروبولوجية تسرد عبر لغة سهلة وبسيطة أوضاع هذه البلاد. أما روايته «الرجل السابق» فقد صدرت طبعتها الأولي عن دار الجديد قبل عشرون عاماً مضت. والحكاية ببساطة هي حكاية شاب لبناني غادر بلدته مهاجراً إلي فرنسا في غياب اتصل سبعة عشر عاماً. ولم يكن هذا الغياب-في حقيقته- إلا الطريقة المثالية التي عبر بها هذا الشاب عن حنينه الدائم الدائب إلي حي «سليم مسعد» الذي شهد طفولته وصباه. والمفارقة أن اللحظة التي أصبح فيها الراوي مواطناً فرنسياً هي عينها اللحظة التي كشفت خلالها عروبته الأصيلة عن نفسها. فلم يكن مواطناً فرنسياً إلا بقدر ما كان مواطناً عربياً ولد في بيروت «كان يكفي مثلاً أن ألفظ اسماً واحداً من أسماء صبية الحي أو نسائه وشبانه ورجاله الكثيرين حتي يمتلئ رأسي بعالم من الصور والمشاهد التي يفيض تدفقها عن سعة اللغة وتفوق سرعتها الكلام». وتتدفق _في هذا السياق- مشاهد وصور متعددة لحي سليم مسعد بناسه وأحداثه اليومية تختلط بذكريات الراوي عن نفسه، وتتشابك مع حياته اليومية في فرنسا. والحق أن السرد-متواطئاً مع لعبة التذكر والنسيان- بدا أشبه بدوائر متقاطعة تمتد إلي ما لا نهاية. إنها الذاكرة التي تعطف الحاضر علي الماضي، وترسل من أعماقها صوراً وأحلاماً تطفو علي سطح الوعي فيتصل المنقطع، ويغدو البعيد أقرب إلينا من حبل الوريد. ويلعب الخيال دوره -خلال هذا كله- فيوقع الائتلاف بين المتناقضات، ويدني بينهما إلي حالٍ من