موعد إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلبة الثانوية العامة    وزيرة الخارجية الفلسطينية: تعنت نتنياهو وحكومته المتطرفة يعطل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة    إيران ترحب بتوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام    ياسين مرعي "رجل" مباراة الأهلي ومودرن سبورت    مترو الأنفاق : توقف تشغيل حركة القطارات بمحطة شبرا الخيمة فقط    مركز الثقافة السينمائية يحتفي ب'وفاء النيل' بندوة وعرض فيلم يوثق بناء السد العالي    نجوم الفن يؤدون واجب العزاء في سيد صادق.. شاهد    محمود سعد يكشف أخر تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    قطاع الخدمات المالية غير المصرفية يتصدر نشاط البورصة المصرية الأسبوع الماضي    الإعدام شنقا ل3 عاطلين والسجن المشدد ل4 آخرين قتلوا شخصا وشرعوا في قتل شقيقه ببنها    بلاغ للنائب العام ضد التيك توكر "مانجو" بتهمة الفسق والفجور    مرموش وهالاند يقودان هجوم مانشستر سيتي أمام باليرمو وديا    الهيئة الوطنية للانتخابات: 14 أغسطس آخر موعد ل الطعن على نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ    قائمة منتخب مصر لخوض بطولة الأفروباسكت 2025    مراسل الحياة: زوار مهرجان العلمين سعداء بجمال الأجواء وحلاوة حفل تامر عاشور    اللواء أيمن عبد المحسن: نتنياهو يعمل على إبعاد نفسه عن المسائلة    «وداعا سليمان العبيد».. محمد صلاح يشارك تعزية يويفا في وفاة «بيليه فلسطين»    احتلال غزة!    شراكة جديدة بين محافظة المنيا والهيئة القبطية الإنجيلية لدعم الأسر الأولى بالرعاية    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    البلوجر حسناء شعبان في قبضة الداخلية بتهمة التعدي على قيم المجتمع    فضل صلاة قيام الليل.. تعرف عليه    يسري جبر: «الباءة» ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الفتوى يوضح حكم قراءة القرآن والتسبيح دون حجاب    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 55% وحتى 50% أدبي    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    259 كرسيًا و6 أدوار.. مستشفى أسنان جامعة سوهاج يستعد للافتتاح قريبًا -صور    ينظم الضغط ويحمي القلب.. 6 فوائد ل عصير البطيخ    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    "إنستاباي" ينهي تحديثاته الدورية بنجاح وعودة جميع الخدمات للعمل بكفاءة كاملة    الموز والتمر- أيهما أفضل لسكري الدم؟    رئيس لبنان: دماء شهدائنا الأبرار لن تذهب هدرا وستبقى منارة تضيء طريق النضال    ناصر القصبي يشارك في موسم الرياض.. وتركي آل الشيخ يعلق: مسرحية مهمة    ب"فستان أنيق".. أحدث ظهور ل نرمين الفقي والجمهور يغازلها (صور)    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    «اتفق مع صديقه لإلصاق التهمة بزوج خالته».. كشف ملابسات مقتل شاب بطلق ناري في قنا    حبس مزارع وشقيقته تسببا في وفاة زوجته بالشرقية    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    وزير المالية: حريصون على الاستغلال الأمثل للموارد والأصول المملوكة للدولة    نائب رئيس هيئة الكتاب: الاحتفال باليوم العالمي لمحبي القراءة دعوة للثقافة    محافظ الإسماعيلية يستقبل سفير دولة الهند ويتفقدان مصانع EMBEE    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    برلماني: موقف مصر ضد احتلال غزة رفض تام وحاسم لسياسات الإبادة والتجويع    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    موعد قرعة دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية والقنوات الناقلة    تعرف على موعد فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    مكتب التنسيق الإلكتروني بجامعة العريش يستقبل طلاب المرحلة الثانية    الكوكي: فوز مهم أمام الاتحاد وشخصية المصري كانت كلمة السر في حصد النقاط الثلاث    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    «قعدتوا تتريقوا ولسة».. رسالة نارية من خالد الغندور بعد فوز الزمالك على سيراميكا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أساتذة الفلسفة في مصر قاموا بالعرض والتحليل وتوقفوا عن التنظير
نظلم أنفسنا عندما نقول ليس لدينا نظرية أدبية
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 03 - 2013

النقد في الواقعية الروحية يدرس الكاتب أو الشخصية في العمل
الفني في ضوء تصوراته الميتافيزيقية، فلا نقد ولا أدب بلا ميتافيزيقا
نقطة المنطلق واحده..
عالمية الأفكار... الإنسان والوجود والحقيقة لقد وجدت أن المشهد يتكرر. ما قاله أرسطو يقوله الآن فوكو ودريدا. المشهد هو هو لكن الممثلين مختلفون. ولا شيء آخر. الفكر يتداخل. ويولد أفكارًا. هناك تأثير لابن عربي علي فلاسفة أوروبا. وما قال به هيجل يرجعه الكثيرون إلي رؤية الحسن بن الهيثم ووراء هيجل هيراقليطس
- المشهد يتكرر لأن نقطة المنطلق واحدة: »لوجود« وبداية من أفلاطون وأرسطو حتي فوكو ودريدا هي عملية تأويل لنفس المشهد، وكانت الفلسفة حتي كانط فلسفة تبحث في الوجود ولكن مع كانط دخل مبحث المعرفة (الابستمولوجيا) لمعرفة الحقيقة، ثم تم دمج المبحثين الوجود والمعرفة معًا، وبذلك أصبح الوجود نصًّا يقرأ ويؤول. أما إذا أردت معرفة الحقيقة فاذكر ما ذكرته الفلسفة المصرية القديمة: «إن أردت معرفة الحقيقة أفسح في داخلك مكانًا للشيء وضده»، والفلسفة اليونانية تقول نفس الشيء أي أن الحقيقة في إدراك وحدة الأضداد في جميع الأشياء.. وهذا هو الشأن في سائر الصفات وبخاصة الأخلاقية والجمالية، فحقيقتها في هذه العلاقات التي تصل بين بعضها وبين بعضها الآخر، وكل هذا يتفق مع قولنا إن الله ملتقي جميع الأضداد.
وعلي ضوء هذا تري فلسفة الواقعية الروحية أن القيم (الحق/ الخير/ الجمال) هي نقاط علي متصل من 01وبهذا يكون الخير والشر ليسا إلا نوعين مختلفين من الخير، كذلك الجمال والقبح ليسا إلا نوعين مختلفين من الجمال.
لولا المترجمون
تؤمن وتعلن أن حركة الترجمة لابد أن تسبق النهضة، ومصر في حالة الآن من النهوض، فكيف نري حركة الترجمة ودورها المنتظر، خاصة أن لدينا المركز القومي للترجمة يتجاور معه مراكز أخري، وكيف نري المسار بين الجهد المؤسسي والجهد الفردي؟
هذا الإيمان نابع من دراسة استقرائية لتاريخ الفكر، فما وجدت ازدهاراً للفكر في دولة إلا وسبق هذا الازدهار حركة نشيطة الترجمة، وكما يقول المفكر المعاصر ميلان كونديرا إن الفكر الأوروبي المشترك هو ثمرة جهد حثيث من المترجمين، لولا المترجمون لكانت أوروبا في خبر كان، الترجمة الحقيقية في مصر بدأت مع بدايات القرن التاسع عشر وهي مستمرة، فلولا هذه الجهود لأصيب المجتمع بحالة من الشلل الفكري والعنصرية والإنكار الثقافي والعداء للمستقبل والتطور، فمهنة الترجمة مثل مهمة الأدب توسيع حقل رؤيتنا، والتعرف علي تجارب الآخرين.
إحدي الظواهر التي نجدها في نشاطنا للترجمة هي انفتاحنا علي ثقافات آسيا وأفريقيا، وإن كانت الترجمة من هذه اللغات تتم عن طريق لغة وسيطة بالرغم أن لدينا عددًا كبيرًا من دارسي تلك اللغات الذين تخرجوا في كلية الألسن وكليات الآداب بجامعة القاهرة وعين شمس، ولكنه جهد يحمد عليه من قام به.
ولكن إذا كانت هناك نهضة للترجمة في العالم العربي، إلا أن مردودها لا يتساوي مع ما تم ترجمته، هناك ترجمات كثيرة لا تقرأ خذ مثلا ترجمة كتاب إدوارد سعيد »الاستشراق« هناك خمس ترجمات لا أكون مغاليا إن قلت إن الترجمة الوحيدة التي فهمتها هي ترجمة عميد المترجمين العرب أ.د. محمد محمد عناني، وبالمناسبة أود أن أحييه علي ما قام به من ترجمة، نظرة خاطفة لقائمة ترجماته ومشروعه الثقافي تجعلنا نقول إنه مؤسسة بمفرده، بل إن إنجازه في مجال الترجمة يعادل ما حققه الأستاذ نجيب محفوظ في مجال الرواية، نظرة بسيطة لمشروعه ترجمة أعمال شيكسبير، والمشروع الذي تبنته جامعة الدول العربية والذي لم يكتمل حتي الآن يوضح مكانته.
أما عن المركز القومي للترجمة فقد وضع د. جابر عصفور سياسة الانفتاح علي ثقافات العالم الثالث وعدم الاقتصار علي الثقافة الأوروبية، والدكتورة كاميليا صبحي أري أنها تحافظ علي هذا الاتجاه وبالطبع سوف تضيف أبعادًا أخري.
الدين والفن والفلسفة
الشرق شرق، والغرب غرب، ون يلتقيا.. هذه مقولة الشاعر البريطاني كبلنج، هل تراها لاتزال سارية المفعول بعد مائة عام من قولها؟
عندما قال كبلنج تلك العبارة، هذا كان حدسا شعريا لجوهر الوجود القائم علي مبدأ التعارض Principle of opposition ومبدأ التكامل Principle of complementarity والخطأ أن تعمل بواحدة وتترك الأخري، لابد من الاثنين معًا لفهم الوجود: مبدأ الثنائية dualism ومبدأ الوحدة monism. ولكن كما قلت سابقًا ثنائية الأقطاب لا الأضداد، والتكامل بمعني أن كل ما يحدث في الكون يرتبط ببعضه مع بعض ارتباط علة بمعلول. ثم إننا متي عرفنا موجودًا من الموجودات معرفة تامة كان لنا منه مرآة تنعكس فيها سائر الموجودات في العالم، هذا ما يقوله الشاعر كيلنج والفيلسوف العربي الكندي.
هذا هو منهجي في التحليل: أي عرض أي فكرة أو ظاهرة علي ثالوث الروح: »الدين والفن والفلسفة«. بل إن الفلسفة المصرية القديمة تقول علي لسان تحوتي: »الأشكال الذاتية هي نسخة من الأشكال العالمية« (الكون).
وهذا لا ينطبق فقط علي الوجود الإنساني ولكن علي المادة أيضًا وجسد الإنسان مادة. فالمادة تخضع لقوتين: قوة الجاذبية وقوة الدفع، والمادة تأتلف في عناصر وهذه العناصر تختلف من حيث كثافتها وجاذبيتها، واختلاف الكثافة النوعية في هذه العناصر هو علة الحركة؛ ولو افترضنا أن الكثافة واحدة لساد العالم سكون رهيب، وهنا نجد قانونًا طبيعيًا يتحقق في الطبيعة المادية كلها وهو قانون الجاذبية والدفع المتبادلة، كما توجد في الحياة الإنسانية.
كيف نعيش..؟
مائة عام من الدعوة للتنوير من قبل رواد النهضة الحديثة وقد طرحوا حلولا لمشاكلهم، ومع ذلك لانزال نتخبط ونعيد طرح ما طرح من قضايا، ونفس القضايا نطرحها الآن، ولا نجد حلا لها، ماذا تري وماذا أنت قائل؟
- لأن هناك من يري أنه لا حل لتلك المشكلات إلا بالعودة للماضي ومؤتمر كلية دار العلوم دليل علي ذلك وعمومًا جميع القضايا التي نطرحها الآن لا تنفصل عن القضية الأساسية للإنسان والتي يمكن صياغتها علي هيئة سؤال: كيف نعيش؟ ويعمل كل جيل علي طرح الحلول أو الإجابات لهذا السؤال، ولكن يأتي جيل آخر بإجابة أخري سواء كان مصدرها النقل أو العقل وهكذا، فهذا سؤال أبدي يرتبط بالأسئلة الميتافيزيقية المعروفة: من أين أتينا وإلي أين نحن سائرون، بعض هذه الأسئلة يحاول العلم أو الدين أو الفلسفة أو الأدب الإجابة عليها، وللعلم أن مهمة الأدب الأصلية هي الإجابة علي السؤال: كيف نعيش؟ في الفترة التي نعيشها الآن نجد رؤية محافظة سكونية ورؤية أخري ديناميكية والأخري تتفق مع مفهوم فلسفة الوجود علي أنه صيرورة، حياة بحث واكتشاف المستقبل، باختصار سيظل السؤال واحدًا ولكن سوف تتعدد الرؤي للإجابة علي هذا السؤال.
التأمل بالفلسفة
تسعي إلي إظهار العلاقة الحيوية بين الأدب باعتباره »نشاطًا جماليًا، وبين معاني الأدب باعتباره نشاطًا تأمليا لا ينفصل عن الفلسفة« ما انعكاس هذه الأطروحة علي الواقع والمجتمع والناس؟
- إننا ننظر إلي نظريات الأدب علي أنها وسائل لتفسير طرائق معينة للحياة، والإجابة علي السؤال الأبدي: كيف نعيش، والحياة تتطور وتكشف جوانب كثيرة للإنسان ولن نفهم تلك الجوانب إلا بالتأمل وكما قال جوته إن الفرق بين الإنسان والمخلوقات الأخري هو التأمل، والتأمل في جوهره مرتبط بالفلسفة، وبذلك لا يمكن فصل الأدب عن الفلسفة، والتأمل هنا ليس في الفلسفة ولكن بالفلسفة.
هذه بضاعتنا ردت إلينا
علاقة الأدب العربي بالآداب الأوروبية هل لاتزال من طرف واحد، ومتي يتم التفاعل، وماذا أنت قائل فيمن يري أن أدبنا العربي بالنسبة إلي الأدب الأوروبي تنطبق عليه بعض المقولات الغربية مثل (هذه بضاعتنا ردت إلينا) والمعني هنا للدكتور حمدي السكوت في حواري معه، لابد من الملامح المحلية في إبداعاتنا وأن الطريق إلي العالمية يبدأ بالمحلية؟
- لم تكن العلاقة من طرف واحد، العلاقة كانت دائمًا أخذاً وعطاء بل إن بداية الرواية الأوروبية بدأت بعد ترجمة ألف ليلة وليلة، وهناك كذلك مؤثرات شرقية علي أدب سرانتيس وأدب دانتي وأثر أبي العلاء في ملحمته معروف. هذا في بداية العلاقة، في النهضة الأوروبية الثانية في القرن التاسع عشر تُرجمت كنوز الشرق من الشعر الجاهلي والقرآن وشعر ابن الرومي والدليل علي ذلك أثر ترجمة رباعيات عمر الخيام ومثنية ابن الرومي، وترجمة الأدب الفارسي والهندي وغيره من آداب الشرق، بل إن أشهر قصيدة في الأدب الغربي في القرن العشرين وأقصد بها قصيدة اليوت «الأرض الخراب» فيها مؤثرات شرقية كثيرة، وترجمة عمر الخيام غيرت وجه الشعر الإنجليزي الحديث.
أعود الآن إلي المقولة الغربية (هذه بضاعتنا ردت إلينا) أولا لابد من تحليل العبارة: هل المحاكاة هنا في الشكل أم المضمون؟ هذه العبارة أطلقت بعد ترجمة إحدي روايات الدكتور طه حسين، وتقال كذلك علي رواية د. هيكل: «زينب» موضوع تلك الروايات هو الحب وهذا موضوع إنساني عالمي، ولكن المعالجة اختلفت، في تلك الأثناء كان المذهب الواقعي الطبيعي هو السائد في أوروبا علي يد زولا وفلوبير وغيرهما، حيث كان الكاتب مثل الجراح يشرح المجتمع والشخصيات للبحث في الدوافع وراء الشخصية، المؤلف المصري لم يتعمق كثيرًا في تشريحه لأن الذوق العام ما كان يسمح بذلك، وهذا يمثل قيدًا كبيرًا علي الكاتب والتزامًا منه تجاه جمهوره المتحفظ في ذلك الوقت. كما أن
المجتمع المصري في ذلك الوقت كان يتأرجح بين الواقعية والرومانسية، وهذا شكل من أشكال الواقعية الروحية المتأصلة في وجدانه، اتجه الذوق المصري بعيدًا عن النظرة التشاؤمية والتي كانت سببًا في مسحة الكآبة التي لونت كُتّاب الواقعية الطبيعية.
أما فيما يخص الشكل، فالشكل مرتبط دائمًا برؤية الكاتب الميتافيزيقية. والشكل الذي اتخذته تلك الروايات هو الشكل الطولي أي بداية ووسط ونهاية وهذا لا يمكن فصله عن الميتافيزيقا الشعبية التي تقول إن لكل شيء بداية ولكل بداية نهاية. فالشكل يأخذه الكاتب من مجتمعه، ولكن بالطبع هناك تقنيات في رسم الشخصية وتحليلها وتقنيات العرض، لا مانع ولا أنكر أننا تأثرنا بها خاصة بعد أن أصبح علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ من المعارف العامة المطروحة للكافة.
النقد والفلسفة
الحركات النقدية في العالم صارت في سرعتها مثل الموضة في الأزياء، فهل تتراكم أم تعتمد علي مبدأ الإزاحة، أم التجاوز والتحاور؟
- النقد متضافر مع الفلسفة ولا تظهر حركة نقدية إلا ولها خلفية فلسفية، فنقد ما بعد الحداثة يعمد إلي إدماج المباحث التاريخية والاجتماعية والسياسية والصياغات التحليلية النفسية عند »لاكان«، وكل هذا جاء من الفلسفة التي قدمها نيتشة ونقده لمفاهيم السببية والهوية والذات وهنا ظهرت نظرية »موت المؤلف«، وهذا المبدأ تطرف، وبجانب نيتشة - هناك نظريات فرويد التي قوضت تمامًا اليقين الميتافيزيقي بالكشف عن انقسام في الذات بين الشعور واللاشعور، ليس هناك انفصال بين القديم والجديد، فالأفكار لا تموت ولكنها تتحور. انعكست تلك الأفكار في طريقة عرض الحبكة والشخصيات واستخدام اللغة.
لهذا نري أن روايات ما بعد الحداثة لا تقدم لنا شخصيات لا تنسي، مثل شخصية سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، وعندما ننظر في أعمال كُتاب مثل ويس وهكسلي وفرينيا ولف، نجد، كما يقول الناقد ماهر شفيق فريد، أن الشخصية التي لا تنسي غائبة عن عملهم كلية، ومن الصعب حتي أن نتذكر اسم أي شخصية في رواياتهم.
الواقعية الروحية
قدمت لبنة جديدة في مشروعك الفكري النقدي، تتمثل في (الواقعية الروحية) لماذا عنونته ب(الواقعية الجديدة) وماذا تعني، وهل يمكن أن تكثف ملامحها للمتلقي؟
هناك فكرة تقول إذا أردت أن تكون واضحًا فيما تقدمه عليك أن تكون واضحًا أيضًا فيما تنكره، والسؤال الآن: ما هو الشيء الذي تنكره الواقعية الجديدة (الروحية) في الواقعية الطبيعية؟ أولا تقوم الواقعية الطبيعية علي مفهوم للإنسان بسجنه في حيوانيته animalitas أي في غريزتي الجنس والجوع وهذا قال به برتراند راسل وكذلك الإمام الغزالي من قبله، ولكن رؤية الواقعية الروحية تري الإنسان بوصفه متجها نحو إنسانيته humanitas، وتري الإنسان عبارة عن روح تسعي إلي التعرف علي الوجود الروحي للإنسان، وملامسة الظواهر الميتافيزيقية والكونية التي تختفي وراء مظاهر الحياة الرتيبة للإنسان، وهي الظواهر التي عجزت العلوم الطبيعية التجريبية والعقل عن اكتناه أسرارها. وهذا ما يطلق عليه البعد الميتافيزيقي للإنسان. لهذا فالنقد في الواقعية الروحية يدرس الكاتب أو الشخصية في العمل الأدبي/ الفني في ضوء تصوراته الميتافيزيقية، فلا نقد ولا أدب بلا ميتافيزيقا فالواقعية الروحية تصور موقف الإنسان في المجتمع وموقف الإنسان إزاء مصيره في الكون.
ومهمة الأدب في الواقعية الروحية هي توسيع حقل رؤيتنا والتجربة ضد كل الأفكار المسبقة، وإذا كنا قد قلنا إن الحقيقة في إدراك وحدة الأضداد، فالعمل الأدبي لابد أن يشمل التجربة الإنسانية بكل متناقضاتها، فيصور الإنسان في بعده الواقعي/ الطبيعي، وكذلك في بعده الرومانسي/ المثالي وكذلك في بعده الواقعي/ الروحي.
الثنائية والأضداد
الثنائية أو الزوجية ستظل موجودة، وإن حاول البعض فصل المادي عن الروحي، كأن يسم الشرق بالروحانية، والغرب بالمادية؟ كيف تري هذه المقولة ونحن في زمن العولمة الكونية؟
- نعم ستظل الثنائية موجودة، ولكن الثنائية ليست قائمة علي »مفهوم الأضداد«. فالأضداد تقف في مواجهة أبدية مع بعضها البعض يحاول كل من طرفيها السيطرة علي الآخر، ولكن في رؤية الواقعية الروحية هناك «مفهوم الأقطاب» فالأقطاب لا تتصارع من أجل سيادة أحدها علي نقيضه إلا أنه لا قيام لأي قطب دون ذلك النقيض، وهذه الأقطاب تعمل علي إظهار بعضها البعض، وعلي الإنسان أن يدرك ذلك الجدل وأن يتوافق معه؛ فالإنسان الحكيم هو الذي يوحد بين الأقطاب، فالواقعية الروحية تستبدل مفهوم «الأقطاب» بمفهوم «الأضداد» فاستقرار المكون محصلة لتقابل الأقطاب.
أحذَّرمن التفتيت
أنت تحذر من التفتيت.. وتبحث عن الكلية في المنظور الذي يبحث عن الصورة الأشمل والأعم، متجاورا بذلك مع جهود إدوارد سعيد، وغيره، والعالم الآن متغيراته أكثر من ثوابته، والمرآة في يد الكثيرين إما محدبة، وإما مقعرة؟ فهل تحتاج المرآة لطبيعة لتحقيق التوازن والتعادلية؟ أم سنظل نلجأ دائمًا إلي التأويل بحثا عن الحق وصولا إلي الحقيقة التي ننحني لها جميعًا كما قال هيدجر؟
- نعم أنا أحذر من التفتيت. فالفلسفات «المثالية» تقوم علي التجريد وتنفصل عن الواقع، والفلسفات»الواق«، تفتقر إلي الرابطة الروحية، تلك الرابطة التي تقدمها «الواقعية الروحية». التي تقدم لنا رؤية في الفلسفة بوصفها شكلا من أشكال الفكر فيه يتم إدراك الماهية والوجود علي أنهما لا يمكن أن ينفصلا، وإن كان يمكن التمييز بينهما بوضوح. وهي في هذا تختلف عن المثالية والواقعية. إنها فصل جديد في حياة النزوع الفلسفي الذي يضم المثالي والواقعي معًا أو الذاتي والموضوعي معًا ولا يستبعد الواحد منها الآخر. فما الكون إلا حقيقة واحدة تتعدد أشكالها، فالواقع في ماهيته النهائية هو روح أو طاقة كما يقول العلم. إن كل شيء يشكل عنصرًا في »موقف« ما يرتبط بكل شيء آخر في ذلك الموقف، ليس بعلاقة الوجود فحسب، وإنما عن طريق الاعتماد المتبادل ومن ثم عندما يكون عنصرًا في الموقف هو الذات والعنصر الثاني هو الموضوع، فإن الذات والموضوع يعتمد كل منهما علي الآخر. فالكون كالبنيان المرصوص. وكما يقول الفيلسوف العربي »الكندي« إن كل ما يقع في الكون يرتبط بعضه مع بعض ارتباط علة بمعلول. ثم إننا إذا عرفنا موجودًا من الموجودات معرفة تامة كان لنا منه مرآة تنعكس منها سائر الموجودات في العالم«.
أما سؤالك لك هل سنظل نلجأ دائمًا إلي التأويل بحثا عن الحق وصولا إلي الحقيقة؟
الإجابة نعم. فالوجود ليس هو الذات كما تقول »المثالية« وليس هو الموضوع كما تقول الفلسفات »الواقعية« بل هو الذات والموضوع. والوجود نص ولكنه مكتوب بشفرات، وهذه الشفرات تحتاج لتأويل فهناك قراءة تأويلية يهودية لنص الوجود وكذلك قراءة مسيحية لنص الوجود وأخري إسلامية وهكذا. فإذا كان »الحق ليس كمثله شيء« فهو شفرة والشفرة يكتنفها الغموض فلا مناص من التأويل. فكل تجربة في الحقيقة هي تجربة تأويلية، لتوضيح الأمر: التأويل في جوهره قراءة مجازية للوجود وكذلك الفن والأدب، بجانب أن الأدب والفن نقد للواقع فهو أيضًا قراءة مجازية للحياة الإنسانية والوجود. ومع التأويل يأتي الجديد، بل إن العلم من وجهة نظري تأويل أيضًا، فالتأويل يستنطق كينونة اللغة، الأداة الوحيدة للإنسان للمعرفة، ويستنطق الوجود أيضًا. وعلي هذا فكل مذهب في تاريخ الأدب أو الفن أو الفلسفة هو تجربة تخيلية »في محاولة لتصوير الوجود«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.